إبادة غزة مكتملة الأركان

بشائر: الدمام
تقول الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، وهي أكبر تجمع أكاديمي متخصص في دراسة هذه الجريمة، إن ما يحدث في غزة يرقى إلى مستوى «الإبادة الجماعية» وفق القانون الدولي. وهذا التوصيف، الذي حظي بتأييد 86 % من أعضائها، يضع إسرائيل أمام اتهام خطير يمسّ صلب الشرعية الأخلاقية والقانونية لعملياتها العسكرية.
ويستند تقرير المنظمة إلى التعريف الوارد في اتفاقية 1948 الخاصة بمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي وضعت بعد أهوال الهولوكوست، حيث نصّت على أن الإبادة تتحقق عند ارتكاب أفعال تهدف إلى تدمير جماعة قومية أو إثنية أو دينية كليًا أو جزئيًا.
وفي هذا السياق، يفتح التقرير الباب أمام قراءة معمّقة لمطابقة أركان الإبادة الجماعية المعترف بها عالميًا مع ما يجري في غزة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.
الركن الأول: النية (القصد)
وتعتبر النية الخاصة (Dolus Specialis) الركن الأهم في تكوين جريمة الإبادة الجماعية. وتشير تصريحات إسرائيلية متكررة، إضافة إلى حجم العمليات العسكرية ونتائجها على الأرض، إلى نمط يُفهم على أنه يتجاوز الأهداف العسكرية المباشرة.
وترى منظمة علماء الإبادة الجماعية أن السياسات الإسرائيلية في غزة تنطوي على «نية تدميرية واضحة»، خصوصًا في ظل التصريحات التي وصفت الفلسطينيين بأنهم «خطر وجودي»، إلى جانب تدمير البنى التحتية الأساسية للحياة.
الركن الثاني: الأفعال المادية Actus Reus
واتفاقية 1948 حددت خمسة أفعال رئيسية تشكّل الإبادة:
1. قتل أعضاء الجماعة: تشير بيانات وزارة الصحة في غزة إلى مقتل أكثر من 63 ألف فلسطيني، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال.
2. إلحاق أذى جسدي أو عقلي جسيم: القصف المستمر والتجويع والحرمان من المأوى تركت آثارًا نفسية وجسدية عميقة على السكان.
3. إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يراد بها تدميرها: الحصار طويل الأمد، وتدمير المستشفيات، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، كلها عوامل تصب في هذا الاتجاه.
4. فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة: لم ترد شواهد واسعة بهذا الصدد في غزة، لكن الاستهداف المتكرر للمنظومة الصحية والمستشفيات أثّر على الرعاية الصحية للأمهات والأطفال.
5. نقل الأطفال قسرًا من الجماعة إلى جماعة أخرى: رغم غياب أدلة واضحة على هذا الفعل، إلا أن حالات فقدان الأطفال أو اعتقالهم تثير قلقًا حقوقيًا.
الركن الثالث: الجماعة المستهدفة
والإبادة لا تتحقق إلا باستهداف جماعة محددة بالهوية القومية أو الإثنية أو الدينية. وفي حالة غزة، فإن الفلسطينيين يُصنفون كجماعة قومية، ما يجعلهم مشمولين بتعريف الاتفاقية. وبالنظر إلى حجم الضحايا والدمار الذي لحق بالسكان المدنيين، فإن المجتمع الدولي بات يرى أن هذه الحرب تجاوزت حدود العمليات العسكرية التقليدية.
المقارنة: غزة مع حالات سابقة
وسبق لمنظمة علماء الإبادة أن خلصت إلى أن سياسات الصين تجاه الأويغور، وحملة ميانمار على الروهينغا، ترقى إلى الإبادة الجماعية. واليوم، تضع المنظمة الحالة الفلسطينية في ذات الخانة. هذه المقارنة تكتسب أهميتها من كونها تُبنى على معايير واحدة، ما يجعل توصيف غزة أكثر رسوخًا في الأدبيات الحقوقية الدولية.
ردود الفعل الدولية والإسرائيلية
وترفض إسرائيل بشدة الاتهامات، ووصفتها بأنها «افتراء دموي معادٍ للسامية»، مشيرة إلى أن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص واختطاف 251، يمثل «عملًا إباديًا بحد ذاته».
لكن تقرير العلماء يحاجج بأن الرد الإسرائيلي، الذي دمّر مساحات واسعة من القطاع وشرّد مليوني إنسان، لا يمكن تبريره كدفاع مشروع، بل ينطوي على أفعال تدميرية منهجية.
من جانب آخر، تتوالى المواقف الحقوقية المتطابقة، إذ اتهمت منظمات إسرائيلية بارزة مثل «بتسيلم» و«أطباء من أجل حقوق الإنسان» إسرائيل بارتكاب إبادة، في سابقة محلية نادرة. كما رفعت جنوب إفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية بهذا الخصوص.
الأبعاد القانونية والسياسية
وتنظر محكمة العدل الدولية في القضية، لكن صدور حكم نهائي قد يستغرق سنوات، وسط غياب آليات تنفيذ مباشرة. ويبقى مجلس الأمن المخوّل بفرض عقوبات أو إجراءات عسكرية، إلا أن الفيتو الأمريكي يشكل حاجزًا أمام أي تحرك فعّال.
وفي المقابل، يرى خبراء أن اتساع الاعتراف الأكاديمي والحقوقي باستخدام مصطلح «الإبادة» سيزيد من عزلة إسرائيل الدولية، ويعزز الجهود لتوثيق الجرائم تمهيدًا للمساءلة.
أركان الإبادة وتطبيقها على غزة:
• النية (القصد): تصريحات وتصرفات إسرائيلية توحي بنية تدمير الفلسطينيين في غزة، مع تبريرات تصفهم بالخطر الوجودي.
• الأفعال المادية:
• قتل جماعي واسع النطاق (أكثر من 63 ألف قتيل نصفهم نساء وأطفال).
• إلحاق أذى جسدي ونفسي جسيم عبر القصف والتجويع والنزوح.
• فرض ظروف معيشية قاسية: تدمير المستشفيات، منع الإغاثة، الحصار الطويل.
• تأثير على الصحة الإنجابية ورعاية الأمهات والأطفال نتيجة تدمير النظام الصحي.
• حالات فقدان واعتقال للأطفال تثير قلقًا دوليًا.
• الجماعة المستهدفة: الفلسطينيون في غزة يُعدّون جماعة قومية وفق القانون الدولي، وبالتالي مشمولون بتعريف الإبادة.• المقارنة: ما يحدث في غزة وُضع في نفس الإطار الذي صُنفت فيه سياسات الصين تجاه الأويغور وحملة ميانمار ضد الروهينغا.