في الاتجاه المعاكس

السيد فاضل آل درويش
المظاهر والمناسبات الاجتماعية تحوي بين طياتها غايات تقوية روابط الاحترام والمحبة والاهتمام بمضامينها، وتنقلب الصورة عندما نفقد الجوهر ونخوض في شكليات وقشور ننشغل بها كثيرًا حتى تتحول إلى مجرد مظاهر معتادة، ونبتعد كثيرًا عن الواقع حينما نفكر مليًّا بالبرواز الخارجي لتلك المظاهر بينما يغيب عن وعينا منظومة القيم الاجتماعية، فضلًا عن العمل على تقويتها وتنميتها، كيف ونحن نضع في أولوياتنا وقائمة اهتمامنا صورة ومشهدية زائفة لا نرى فيها مضمونًا يستحق التعرف عليه وتجسيده، فأضحت بعض تلك الاجتماعات أشبه بالفقاعات الإعلامية التي تتصدر مواقع التواصل ومقاطع التصوير المرئية، مع ابتعاد عن المحتوى الحقيقي لها بما تحمله من روح الألفة وتبادل الأحاديث وروح التواصل، فالتوثيق والتصوير وسيلة لحفظ الذكريات الجميلة وتثير ما يحمله كل إنسان من مشاعر في كل مناسبة، ولكن الواقع المؤسف هو غياب الاهتمام بالمحتوى وتحول المناسبة إلى بهرجة وانبهار ومجرد حضور دون وجود بصمة وجدانية.
الحضور في مناسبات الوفيات تحقيق لحالة المواساة وتقديم آيات العزاء ومشاطرتهم في حزنهم، مع ما يقدّمه الفرد لنفسه من عظة وعبرة وتذكير بسبيله ومصيره في هذه الحياة المختتم بالرحيل، ولهذه المناسبة إطارها وآدابها الدالة على فهم واقعها، ولكن ما يصاحبها من البعض وتحويلها إلى فرصة لتبادل الأحاديث يبعدنا كثيرًا عن محتواها والدروس المستفادة منها، والمؤلم جدا هو أن الراحل عن دنيانا لم يسعف الوقت البعض لمصالحته وقطع حالة الخصام والخلاف معه، دون أن يكون ذلك رادعًا للبعض من توريث القطيعة إلى الأبناء وما بعدهم!!
والصدق والإخلاص في التعامل مع الآخرين لا يعني بروز الصلافة والتجاهل وتكشير أسنان العداوة مع البعض بدعوى عدم القدرة على النفاق والتلون الاجتماعي، إذ يقدم لنا المنهج الأخلاقي مفردة المجاملة الجميلة وهي اغتنام الأوقات والفرص التي يذوب فيها جليد برود المشاعر وهشاشة العلاقات، وفتح الباب لاستعادة العلاقات الأسرية والاجتماعية شيئًا من تماسكها وتقويتها وإغلاق باب الخلافات المتصاعدة، وهذا يختلف تماما عن المجاملات المقيتة وهي حالة الكذب في المشاعر والأحاديث وخلق واقع مخالف للحقيقة تماما كما يفعل المتصنّع والمنافق الأفّاك (تجميل الذات)، فإصلاح العلاقات لا يختلف عن إصلاح أي شيء به ثقوب أو تمزّق، يحتاج إلى جهد ومبادرة تجنبنًا الضغوط النفسية والاحتراب الاجتماعي، فالنفوس المتسامحة تصنع واقعًا يبعث على الأمل والروح الإيجابية ويركز الأذهان على الأهداف الحياتية بعيدا عن الانشغال بالأمور الهامشية المعيقة.