أقلام

الجلافة عند المتدين والعلماني

أمير الصالح

يمكنك ان تكتب عنوان المقال بصورة أخرى مثل “الامتنان بين الأحمق والجاهل” ” أو ” أحسنوا انتقاء ملافظكم” أو “العقول الرابحة والعقول الخاسرة “. وحينذاك قد لا يلتفت إلا القليل من القراء لقراءة المقال لكون العنوان مكررًا أو غير ملفت للأنظار؛ وعليه اخترت عنوانًا آخرًا مع محتوى توصيفي موجز وتشخيص واقعي مزعج، ونتطلع لملامسة حلول لهكذا أزمة تدور رحاها بين بعض المتدينين وبعض العلمانيين، ينصدم البعض منا بوجود شخص يدعي التدين ( يُطلق عليه عُرفًا: شخص متدين) أو شخص يدعي تبنيه لقيم الليبرالية والعلمانية ( يُطلق عليه نعتًا، شخصًا علمانيًّا). وفي الواقع أن كل واحد منهما أجلف من صاحبه عند احتدام الحوار بينهما بسبب لسانيهما الزفرين وأفعالهما المشينة ووقاحتهما البغيضة وجرأتهما المفرطة. فلا هذا مدعي التدين أحسن للدين بالكلام الطيب والفعل المهذب، ولا ذاك المدعي للعلمانية سوق لفكره العلماني الليبرالي المنفتح على الآخر عبر سلوك إنساني متحضر ولسان لبق. وبين هذا وذاك ضاعت قواعد التواصل الإنساني الناجح والمبني على الكلمة الطيبة وقبول الآخر، وضاعت آداب الحوار بالإقناع ورد الحجة بالحجة واحترام المشاعر الإنسانية وحفظ الكرامة، وتجنب الخوض في الأعراض وتفادي التهكم على اللون أو الشكل أو اللسان أو العرق، وأضاعا الهوية الاجتماعية وتمادا في الشماتة بالأموات.

توجيه

لمدعي التدين ( اختصارًا متدين) نذكره بالآية القرآنية الكريمة ‏﴿وقُولوا للنَّاس حُسنًا﴾، الكلمة الطيبة هي أجمل الهدايا وأقلها سعرًا. الكلمة الطيبة تزرع لقائلها القبول والمحبة في نفوس الآخرين وقلوبهم، وتطيب بها قلوب من المحيطين، ويعلو بها قدر الإنسان، ويزيد بها الأجر والمثوبة وتمنع وقوع الضغينة، وهي المفتاح لولوج قلوب الاخرين. وترجمة ذلك القول الصالح بعمل وسلوك راقٍ ونافع يجعل شجرة الود مثمرة داخل كل فضاء واقعي وافتراضي.

اللسان

يُنسب رواية عن الامام الصادق:”من يُتقى شر لسانه فهو من أهل النار “. في العالم الرقمي، أضحى التراشق بالكلمات النابية عند البعض والتلاسن وإطلاق اللسان السليط بين الأطراف المتضادة في الأفكار والقناعات سمة بارزة ولا سيما مع تزايد الاستقطابات بين الناس في كل التوجهات تقريبًا. شخصيًّا أشك بأن يكون الجزء الأكبر من التراشق هو أمر مفتعل من قبل جهات مشبوهة أو تجارية، هدفها هو أن تستدرج قليلي الوعي والقطيع المغيب في دخول مهاترات قد تستنزف قدرات المتورطين ومواردهم ووقتهم وراحتهم وطاقاتهم وتهز قناعاتهم وتمسح ساحات المشتركات بينهم.

في الختام

عند خوض حوار علمي ناهض أو طرح موضوع تاريخي شائك أو نقاش تحليل اقتصادي ما ناهض، نحن لا نفقد أصدقاء ولكن نتعرف على الحقيقيين منهم. وليس هناك علاقة تستحق أن تدمر صحتك النفسية والعقلية والأخلاقية من أجلها، واغفر لنسختك الفكرية القديمة من نفسك عندما تجد أن وعيك ازداد وانكشفت لك حقائق بعض ممن هم حولك. وعلينا استيعاب حقيقة بأن الآخرين لم يُنشؤا بالطريقة نفسها التي نشأنا عليها. وإن الخطوة القادمة لأنفسنا أهم من خطوة سابقة قد خطوناها وتعديناها. الكون يحب صاحب العطاء والأثر الطيب فكن أحد أولئك الطيبين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى