النبوة الوحيانية والمولد النبوي للدكتور جعفر الغنام

زاهر العبدالله
وجه سماحة الشيخ الغنام كلمة نفيسة – بمناسبة المولد النبوي الشريف- غاية في العمق العقدي الإسلامي، وهي أنه لم يكن لهذا الوجود أن يكون لولا محمد (صلى الله عليه وآله) .. حيث أن نبوة النبي الأعظم محمد (ص) هي غاية الوجود.
وقال الشيخ: لم يكن لهذا الوجود أن يكون لولا محمد (صلى الله عليه وآله)، ولم يعد كما كان بعده، لأن الهدف الإلهي الأسمى من وجود البشرية هو تحقيق العبودية الصرفة والخالصة لله تعالى. ولكن هذه العبودية لا تتحقق إلا في أكمل صورها، وأكمل صورة متجسدة في شخص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وبذلك يكون هو وأهل بيته (عليهم السلام) عِلّة الوجود الغائية، أي أنهم الغاية التي من أجلها خُلق هذا الوجود بل عالم الإمكان.
ثم استرسل سماحة الشيخ ببيان مصطلح قوس الصعود نحو الكمال حيث قال: إن العبودية مرت بمراحل، وهي ما يُعرف بـ”قوس الصعود”، بدءًا من بدايات التوحيد إلى قمته المتمثلة في شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم أهل بيته الطاهرين. إلا أن هذا القوس لم يكن خاليًا من الانحرافات الكبرى، والتي شوهت مفهوم النبوة منذ بدايات التاريخ البشري.
انحرافات مبكرة في فهم النبوة
١-الإنكار المباشر
كثير من الأمم أنكروا الأنبياء والرسل. ولم يكن النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) بمنأى عن هذا الإنكار. ولكنه ليس أخطر ما واجهته الرسالة. فلو رجعنا في الديانات السابقة مثل اليهود والمسيح نجد تشويه مفهوم النبوة انحرف عن معناه الحقيقي
٢-التحريف في أتباع الديانة اليهودية
أول تحريف وقع لمفهوم النبوة كان على يد بني إسرائيل. حُوّلت النبوة إلى “ملك” دنيوي. ففي التوراة: حولت نبي الله داود وسليمان من أنبياء متصلان بالسماء إلى مجرد ملوك على الناس. وتسع ذلك الانحراف في المسيحية
٣- التحريف في أتباع الديانة المسيحية
حيث يقول سماحة الشيخ اتسعت دائرة الانحراف وتشويه مفهوم النبوة الوحيانية وانتقل من مفهوم الملك” إلى مفهوم الألوهية حيث جعلوا النبي عيسى عليه السلام ابن الله فأصبح المسيح يُعبد كإله وهذا ذروة التحريف لمفهوم النبوة ورغم كل هذا، بقيت فكرة الاتصال بين الله والنبي حاضرة في وعي الناس، حتى لو كانت مشوهة.
في جانب اخر عن التحريف الفكري لمفهوم النبوة جاء في المادية الفكرية في عصر التنوير
عصر التنوير… وضياع الوحي
يقول سماحة الشيخ: مع دخول عصر التنوير، وامتداد الفكر المادي في أوروبا، عجز العقل الغربي عن تصور وجود اتصال بين الإله والبشر. فنتج عن ذلك العجز إنكار النبوة الوحيانية فحولوا تفسير النبوة المتصلة بالسماء أنها مجرد “ذكاء خارق” و”حدس استثنائي”. امتاز به بعض البشر محاولة منهم لتهميش مفهوم الوحي تمامًا. وإلى اليوم، الغرب لا ينظر إلى الأنبياء كرسل موحى إليهم، بل كعباقرة استثنائية فقط.
يقول سماحة الشيخ الانحراف الأخطر… داخل البيئة الإسلامية!
فالخطر الحقيقي لم يأتِ من الخارج فقط، بل من داخل الأمة أيضًا. صيغ في تساؤل ملغز ومبهم وحساس وهو هل النبوة بالفيض الإلهي أم بالكسب البشري؟ أي: هل هي اصطفاء رباني أم نتيجة جهد شخصي وسلوك تقوائي؟ يتمتع به الشخص فيصل لمقام خاص. واستشهد ب بأبن سبعين يقول…”إن ابن آمنة قد حجر واسعًا!”حيث يرى أن النبي محمد الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله سلم) أخطأ بختم النبوة! لنفسه لأنه يعتقد أن النبوة بالكسب مفتوحة لكل أحد، وليس اصطفاءً خاصًا تفرد به النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. بل حتى بعض العرفاء وقع في هذا الفخ حيث قال بعضهم لا مانع من بقاء “النبوة الخاصة” مفتوحة! وهذا المنطق يُعدّ تمهيدًا خطيرًا لادّعاء النبوة من كل من هب ودب،
كما هو الحال مع من يدّعي “النيابة الخاصة” عن الإمام المهدي (عج) في زماننا.
ثم يعقب سماحة الشيخ بقوله: الأخطر من كل ذلك: النبوة عبارة عن تجربة إنسانية! ففي الفكر الحديث، ظهر تيار فكري يقول: النبوة مجرد تجربة بشرية قابلة للخطأ، وللتطوير، بل وللاستبدال.”والأدهى من ذلك: من يقول يزعم أنه في “عصر العلم الفهم يكون أعمق ” فهو بذلك اكثراً فهماً من النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيضع النبوة في خانة المتخلفة عن الركب الحضاري! ويفتح الباب واسعًا لإنكار الرسالة كلها. هذا ليس مجرد خلاف فكري…بل اختراق صريح لإيمان المجتمع وتفكيك لعقيدته من الداخل. فما هو الواجب الوظيفي تجاه هذا الانحراف الخطير.
يقول الشيخ واجبنا الوظيفي في هذا العصر:
نحن اليوم أمام مسؤولية تربوية عظيمة: الدفاع عن مفهوم النبوة الوحيانية كما بينها القرآن الكريم. والتصدي للانحرافات الفكرية التي تغلف نفسها بلغة فلسفية أو عرفانية. وعدم التساهل مع من يطعن في أصل النبوة باسم “الحداثة” أو “التأويل”.
يقول الشيخ: نعم كان ولا يزال ميزان المفاضلة بني الأنبياء وعامة الناس هي المعاجز التي تجري على أيديهم ولكن المفاضلة بين المعجزة المادية والمعنوية أن أمتنا تتفاعل مع المعاجز المادية للنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مثل: شق القمر تسبيح الحجر بين يدي النبي الأعظم (ص) أو تسيير الشجر بين يديه لكن المعجزة الأعظم والأبقى هي: القرآن الكريم فهذا هو التحدي الخالد الذي يثبت صدق النبوة، ويربطنا بالله عز وجل ويبقنا على الطريق المستقيم.
فالنبوة مشروع هداية حيّ، ما دام هناك بشر يحتاج إلى النور، وما دام فينا قلبٌ يتوق إلى الله.حين نُمعن في الرسالة النبوية، نجد أن الوحي لم يكن يُخاطب الإنسان من علٍ، بل يخاطبه من قلب الواقع، يخاطب آلامه، آماله، ضعفه، وتطلعاته.كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، لا يكتفي بإلقاء النصوص، بل يعيش الوحي بكل كيانه، ويجسّده في تفاصيل حياته، حتى صار هو القرآن الناطق، كما قال عنه أمير المؤمنين عليه السلام: “كان خلقه القرآن”.ومن هنا نفهم أن النبوة الوحيانية لم تكن مجرد تلقٍّ للوحي، بل كانت تفاعلًا حيًا معه، وكانت الرسالة النبوية مشروعًا مندمجًا في حركة الحياة.
ثم عرج سماحة الشيخ على دور القصص القرآني في تأكيد أصول الدين مثل التوحيد والنبوة وغيرها
فقال: أن القصص القرآني… ليس للتسلية التسرية كما توهم البعض فالقرآن الكريم لا يسرد قصصًا للترفيه، بل للدفاع عن: أصول الدين مثل التوحيد والنبوة. وقارن بين التوراة والإنجيل والقرآن في عرض قصص الأنبياء…ستجد أن القرآن ينقّي المفاهيم المنحرفة عن النبوة ويعيد تصحيح الوعي في فهم دورها الوحياني في هداية الناس لكن بعض الأعمال الفنية والإعلامية اليوم مع شديد الأسف حوّلت القصص القرآني إلى دراما فارغة تفرّغها من غايتها التربوية والعقائدية. وهذا انحراف تربوي خطير يجب مقاومته.
القرآن… قناة الوصل إلى الله ورسوله (ص)
حيث قال سماحة الشيخ: إذا أردنا أن نرتبط برسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذكرى مولده، فلنجعل من القرآن الكريم قناتنا الأولى، فهو المعجزة الباقية، والنور الهادي، والدليل الأجلى على النبوة الوحيانية.
يقول الشيخ في الختام:
الاحتفاء بالمولد النبوي ليس طقسًا شعبيا خالي من المحتوى الهادف، بل موقف إيماني واعٍ، يتشبث بالوحي، ويدافع عن النبوة، ويرفض أي شكل من تحريفها عن معناها الحقيقي. نسأل الله أن يثبّتنا على هذا النهج، وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وأن يُبقينا من الذابّين عن رسالة النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.