أقلام

الكلام المؤثر والإصغاء الفعّال

أمير الصالح

هل تشعر بأن رأسك أصابه الصداع لكثرة المتحدثين عن فنون التحدث والإلقاء الجماهيري والخطابة ! وقلة المتحدثين عن فنون الإصغاء والاستماع؟! شخصيًا، مللت كثرة المتحدثين عن فنون الإصغاء وقلة الباحثين عن سبب ضجر المستمعين وصدودهم عن الاستماع لبعض المتحدثين، فالإنسان بطبعه يمل من طول الحديث أو إطنابه أو تكراره أو تعقيداته وتشابكه، أو كذب المتحدث ونفاقه أو تناقض المتحدث في حديثه عن واقعه أو تملقه أو كثرة هفواته، وعليه لا يحق لأي متحدث أو خطيب وإن كان مفوهًا الشكوى والتذمر من المحيطين به، إذا كان هو ثرثار أو منافق أو مسهب بالحديث أو متفرع بالمواضيع عند الحديث حد التشتيت، أو فاحش في عباراته أو بذيء في تعبيراته أو شاطح في مفرداته أو مقزز في جُمله أو مستفز في إيحاءاته وغمزاته أو مُشتت في طرحه أو مستفرد بالحديث بالمجلس لوحده. عند تحدث أي شخص حريص على إيصال فكرته/ رسالته/ موضوعه فإنه لا بد له من التركيز والإيجاز والوضوح في طرح فكرته وإلا فالإهمال للمتحدث وتجاهله من قبل المستمعين أمر واقع بلا شك وإن تظاهر الجالسون بعكس ذلك خوفًا أو مجاملة أو اتقاء شر سطوة المتحدث.

اتصال وتواصل

الاتصال والتواصل فنون وعلوم ومهارات وما نزال نستكشف جديد آفاقها يومًا بعد يوم ولطيف أساليب ممارستها، وآثار إجادة فنونها. فكل يوم أنا وأنت ، نتأثر بفكرة ونتفاعل مع طرح وننتقد موضوع ونحلل خبر ونستنسخ تجربة وننشد مشورة ونبحث عن أسلوب معالجة لمعظلة ما ونتخاطب مع الآخرين لكسب مودتهم ونقنع آخرين لبيعهم ونفاوض آخرين لنشتري منهم؛ وهكذا هي الأمور في مسيرة حياة كل منا اليومية.

لنكتشف أنه كما للإصغاء فنون كذلك للحديث فنون. ولعل أكثر فنون الإصغاء والاستماع تأثير في حياة الزوج هي حسن استماعه لزوجته والعكس صحيح. وكذلك حسن الحديث ووضوحه وإيجازه عند تحدث أحدهم مع أي طرف آخر. فإن هذا وذاك جسر بين المتحدث والمستمع له، وتكمن أهمية الحديث بصورة أكبر إذا كان طرفاه الزوجين أو المتحابين أو حديثي الخطبة أو إمام جماعة أو معلم عقيدة أو ملافح مشكك.

إصغاء

الإصغاء الفعّال غير محصور في أن تصمت حين يتحدث الآخر، بل أن تصغي بكل جوارحك ومشاعرك وقلبك وعقلك. وأيضًا أن تركز وأن تنظر في عيني المتحدث بين الحين والحين الآخر وتتلمس مقاصد ومعان وفحوى كل جملة قالها ويقولها المتحدث، وتتجنب المقاطعة للحديث أو التعليق أثناء حديث الآخر لك أو التشويش عليه. تجنب القفز من موضوع لآخر إلا بعد إعداد مقدمات وإحداث سلاسة في الانتقال من موضوع لآخر لتفادي الخلط والهرج والتشويش.

حديث الأزواج

عندما يشاركك شريك حياتك أفكاره أو طموحه أو أحلامه أو همومه، فهو يبحث عن مستمع فعال وليس عن حلول سحرية لوضعه. خلق الإحساس بالأمان والألفة والامتنان للمتحدث في قلب من يفهمه ويصغي اليه أمر ينمي شجر المودة والمعروف والإحسان بينهما.

حديث الخاطبين والمخطوبات

المجاملة صفة سائدة في بداية التعارف بين الرجل والمرأة إذا كان الأمر بهدف التعرف على شخص كلا منهما للآخر والمصاهرة تباعًا. قد يجيد أحدهما أو كلاهما لبس الأقنعة والتمثيل، وعلى الجادين في إقرار حياتهما من البداية بذل جهودهما لكشف واقعهما دون مساحيق ودون مجاملات ودون خداع لكي يكون زواجهما ناجح ومستقر، فلقد قال أحدهم إذا رأيت أم خطيبتك متصدرة الكلام في كل صغيرة وكبيرة، فإنك ستعيش مع ناشز بنت ناشز؛ وإذا رأيت أخت خطيبتك في قرارات خطيبتك، فإنك ستعيش مع من لا يحفظ اسرارك ؛ وإذا رأيت أخوات خطيبتك لا يعيرون اهتمامًا بالحشمة والحياء والعفة والوقار، فإنك ستعاني بتربية بناتك؛ وإذا تقدمت لفتاة متعلقة بالهاتف الجوال، فإنك ستعيش في ظل المقارنات والمماحكات. تضافر جهود الخاطب والمخطوبة في حديث تختلج فيه الصراحة بواقعهم وتطلعاتهم وشغفهم لبلورة قصة زواج ناجح و اسرة متميزة وتخطيط سليم حتمًا سيتفرع عنه غرس شجرة وتفرع غصون خضراء وثمار وافرة وحب دائم.

حديث داخل الأسرة

كثير من التفاهمات بين الأزواج تبدأ لأن أحدهما يصغي بإمعان أو يعطي اهتمام كاف لحديث شريكة حياته. وكثير من الأزواج يسعد لسماع صوت زوجته إن هي أجادت فنون الملاطفة والمفاكهة والتجديد؛ ويمل سماع زوجته لأنها محصورة في طلب جلب الحاجات وزيارة المستشفيات والشكوى من الطقس والتضجر من أخبار العالم والإغراق في الطلبات المنهكة.

حديث الديوانيات وبه ما به وعليه ما عليه

حديث أروقة المكاتب

ولعلي أنصح بقراءة كتاب politics of office

وهناك أنواع أخرى مثل حديث المقاهي، حديث المطارات وحديث السفر تتطلب مهارات وفن كسر قوالب الثلج.

توظيف الابتلاء عند الضجر من المتحدث

عند ابتلاء أحدنا بوجوده في ديوانية يتزعمها مجموعة ثرثارين متسلطين، أو وجودنا في مجلس يحاضر فيه مُتحدث ضعيف التحضير وهزيل المعرفة، أو عند وجودنا في مقر عمل يترأسه شخص متسلط وغبي وصل منصبه بالواسطة والعلاقات، فمن الفطنة توظيف ذلك البلاء إلى نزهة في العقول ومعرفة البشر وأصناف النفوس وحقيقة أبناء بعض الطبقات الاجتماعية وسياحة في ملافظ الألسن وتشخيص أهل المعرفة، واكتشاف أحوال بعض البشر، ودرجات التفاؤل/ اليأس وتمحيص الواقع والعمل الجاد للخروج من هذا أو ذاك الوسط إن كان سيئًا باقرب فرصة ممكنة.

الإنصات والتحدث

١- كثير من المعضلات والإشكالات تنجلي وتنتهي بمجرد أن يجد كل طرف من ينصت له بصدق ويتحدث المتحدث بلباقة وإيجاز ووضوح.

٢-الإنصات الحقيقي والفعّال هو رسالة احترام للمتحدث وضمنًا تنطوي على إيحاءات مثل : ” أنت عزيز. ومهم ومحل تقدير … وكلماتك وأفكارك تهمني… ومشاعرك وأحاسيسك أقدرها…وأنا مستفيد من حديثك “.

٣- المستمع بجد لمن يحدثه لا يكرر جملة ” ممكن تعيد …. ايش قلت … ” بشكل مكرر. المتحدث يعلم متى وكيف يتحدث لكي نصغي له أسماع الآخرين بصدق. نفتح مسامعنا من أجل الفهم إذا وجدنا أن ما يتم الحديث عنه أمر يستحق؛ ،تفادي تحميل الكلمات ما لا تحتمل وسد كل أبواب سوء الظن أمور مهمة.

إجادة فنون الحديث والإصغاء تزيد مساحة الفهم والتفاهم وبذلك تقترب القلوب بالكلمات كما تنفر أيضًا بالكلمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى