وقاية النفس والأهل من نار الآخرة والفوز بالجنة

زاهر العبد الله
قال تعالى:
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّـهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]
إن المتأمل في هذه الآية المباركة يجد فيها دروس عميقة ينبغي أن نتعلّمها، حيث تقوم سلوكياتنا بحسب ما ورد في تفاسير أهل البيت (عليهم السلام).
هنا الآية المباركة ترسم للمؤمن طريق النجاة والوقاية من النار، ويمكن تلخيص الدروس المستفادة في نقاط:
١. المسؤولية الفردية: يبدأ المؤمن بنفسه أولًا، فيصلحها قبل أن يتوجّه لإصلاح الآخرين، كما قال الإمام علي (ع): (من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالاجلال من معلم الناس ومؤدبهم)(١)
وروي في صفات المتقين عنه (ع) (لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل… ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي)، وقال (لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به) (٢)
٢. مسؤولية الأسرة: المؤمن لا يكتفي بوقاية نفسه، بل عليه أن يقي أهله وعياله من النار. قال الإمام الصادق (ع) (تأمرونهم بما أمر الله وتنهونهم عمّا نهى الله، فإن أطاعوكم كنتم قد وقيتموهم، وإن عصوكم كنتم قد أدّيتم ما عليكم).(٣).
٣. الوقاية بالتربية: ليست الوقاية بالستر أو القوة المادية، بل بالتعليم والتربية على الطاعة، والتحذير من المعصية، وغرس الإيمان في القلوب.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): (افترق الناس فينا على ثلاث فرق: فرقة أحبونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا، فقالوا وحفظوا كلامنا وقصروا عن فعلنا، فسيحشرهم الله إلى النار، وفرقة أحبونا وسمعوا كلامنا، ولم يقصروا عن فعلنا، ليستأكلوا الناس بنا، فيملأ الله بطونهم نارا يسلط عليهم الجوع والعطش، وفرقة أحبونا وحفظوا قولنا، وأطاعوا أمرنا، ولم يخالفوا فعلنا، فأولئك منا ونحن منهم).(٤)
٤. شدة العقاب: النار التي وقودها الناس والحجارة ترمز إلى عذاب شديد لا يُطاق، وفيه عبرة للمؤمن أن يتدارك نفسه وأهله قبل فوات الأوان.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لكل ذنب توبة إلا سوء الخلق، فإن صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب). وعن
الإمام علي (عليه السلام): (اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم) (٥).
٥. القدوة العملية: التربية تبدأ من القدوة، لذلك قدّم الله تعالى (قوا أنفسكم) قبل (أهليكم)، إشارةً إلى أن المربي لا بد أن يكون صالحًا ليصلح غيره.
وعن الإمام علي (عليه السلام): (استدراك فساد النفس من أنفع التحقيق). وعنه (عليه السلام): (أرجى الناس صلاحا من إذا وقف على مساويه سارع إلى التحول عنها)(٦). وعن الإمام علي (عليه السلام): (من أحبنا فليعمل بعملنا وليستعن بالورع، فإنه أفضل ما يستعان به في أمر الدنيا والآخرة).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (ليس منا – ولا كرامة – من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه).(٧)
الخلاصة:
الآية تعلمنا أن الوقاية من النار مسؤولية تبدأ من الفرد وتمتد إلى الأسرة. وأن التربية الصحيحة بالعلم والعمل الصالح، والتأديب على طاعة الله، هي السبيل لحماية النفس والأهل. كما تؤكد على أن العذاب شديد، والملائكة لا تأخذهم رأفة بمن عصى، مما يجعل التربية على الإيمان ضرورة لا خيارًا.
المصادر
(١) وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج ١٦ – الصفحة ١٥١.
(٢)ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ١٩٤٩.
(٣) الکافی، ج٥، ص٦٢ .
(٤) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ١٥٤٣.
(٥) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ٩٩٠.
(٦) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٣٣٣.
(٧) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٥٠٩.