(مجموعة مختلف الملائكة) للشوكان مزيج السردية النورانية بالألوان النثرية

هاني الحجي
جمعني ذات لقاء حديث مع الأديب كاظم الخليفة عن إعادة كتابة الموروث سرديًا، وتحدثنا عن بعض الأعمال السردية التي تناولته، ومحاولة التجديد فيه. وأشار أثناء الحديث عن محاولة فنانة وأديبة اسمها زهراء الشوكان لدبها مجموعة قصصية تناولت فيها الموروث الديني الاجتماعي برؤية أدبية معاصرة.
تحمست لقراءتها ووصلت لي عن طريقه نسخة مهداة بتوقيع مؤلفته مشكورة.
بعد قراءتي للمجموعة التي تضمنت مقالين للزميلين طاهر الزارعي وزكريا العباد وجدت فيها نصوصًا تحاول التجريب في عصرنة الموروث، وإعادة إنتاج الأحداث التاريخية التي عاشها رموزه الدينية والتاريخية، والتي تشربناها منذ ولادتنا بمروياتها الشعبية، وكنا نتساءل في نقاشاتنا الأدبية هل يمكن الاشتغال على إعادة إنتاج الموروث وتجديده سرديًا كما فعل الشعراء؟!
تضمنت مجموعة (مختلف الملائكة) الصادرة عن دار كلمات للنشر والتوزيع نصوصًا مشبعة بشاعرية امتزجت فيها الحروف الروحانية بألوان الفرشاة النثرية لترسم لوحات سوريالية مستلهمة من الأحداث والشخصيات التاريخية. تعاطت فيها الكاتبة مع النصوص بشاعريتها النثرية وتجربتها في الفن التشكيلي لا بالعناصر السردية المتعارف عليها، ولذا برغم استكشاف كنه جماليات النصوص للوقائع التي تناولتها، إلا أني كمتلقٍّ مهتم بالسرد لي وجهة نظر تختلف مع تجنيس النصوص (بالقصصية) حيث غابت عن بعض النصوص عناصر القصة، رغم وجود الصور البلاغية التي أبدعت فيها الكاتبة، وهذا لا يمنع من جمالياتها الأدبية التي هي أقرب للنصوص السردية النثرية.
حاولت الكاتبة في نصوص المجموعة الاشتغال على (الأدب الروحي) بتجريبها في قراءة الموروث الحكائي التاريخي بأدوات نثرية وتجديدها بمفردات عصرية، وتسريدها لصيرورة الحدث التاريخي، وثم تأصيلها جماليًا للتعبير الأدبي عن الوقائع ورموزها الدينية -كما في نص ( غضب) (حسرة) (تمايز).
أبدعت الشوكان بنثريتها الشاعرية في الكتابة عن الموروث بمزيج من التفاعل والتزامن بين الشخصيات والتراث المدون تاريخيًا والمحكي شعبيًا، وقدمت للمتلقي ذائقة جمالية للحكاية التاريخية متجاوزة نمطيتها المروية فوق المنابر مثل نصوص (حسن) (رايات سماوية) (فمر فوق التراب).
“يترقبون الفرج متلهفين للغيث، فانبض الله لهم الغيث من بين أصابعه..!!)
كما اشتغلت الكاتبة على إثراء نصوصها بالمفردات الروحية، ولعبت في سرديتها على تفكيك أحداث الماضي ووقائعه وأثثته بتراجيديا عصرية بنصوص تجلت في سماء المعنى، وفي الوقت نفسه صممت أطرًا للشخصيات الدينية من خلال إعادة سرديتها في إطارها الديني والارتقاء بها تجاه النقاء والطهر الجواني في كل النصوص تقريبَا.
كشفت الكاتبة في مجموعتها عن علاقة الرموز الكونية –حسب نصوص المجموعة- وتفاعلهم الوجداني مع محيطهم، وما تم تناقله من موروثهم كما في نصوص (تورق) (لقاء) (وقوع في الحق).
من زاوية أخرى قدمت خطابًا له دلالاته ورمزيته في تزامن عرفاني بين الذات الساردة والشخصيات المسرود عنها، وهي كما أشار زكريا العباد في كلمته محاولة جريئة لنقل التجربة الروحية والتاريخية لهذه الرموز وإيصالها للمتلقي بطريقة فنية.
“حين اشتكى الظمأ
كل شيء تألم لعطشه
حتى عنقه؟!
رواه حين…..
فاض له دما..؟!”
يتضح أيضَا أن الكاتبة في سردها للنصوص تنهل مفرداتها من مصطلحات (الفن التشكيلي) التي زخرت بها المجموعة، وأفرزت نصوصًا متنوعة ومعزوفات موسيقية بنغمات شعرية وتضمنت رسائل روحية ونورانية تجاه الرموز في تناولها لمناقبهم وحياتهم الإشراقية والأخلاقية بلوحات فنية معبرة، وتصوير مواقفهم الإنسانية بسرديات نثرية.
” أعياه الظمأ عاليا..
كوردة بيضاء، في يد والده..
أمطروه بما فاضت به قلوبهم
حتى أينع البياض..
دمًا قانيًا..
خضب عنان السماء!”
يستشف القارئ الواعي لنصوص المجموعة أنها مشبعة بفيوضات إيمانية ومجردة من حمولات الزمان والمكان، ومحلقة مع سير الرموز الدينية في فضاءات سموها الروحي، وتفتح نوافذَا لكشوفات حقائقهم النورانية.
مثل نصوص ( بركة) (سحر) (ولادة نور)
برأيي أن المجموعة بداية لمشروع إعادة قراءة الموروث سرديًا مزجت فيه الكاتبة نصوصها بلغة (نثرية سردية)، واستخدمت جماليات أدبية “كالخيال الإبداعي” واستنطاق المعاني وتكثيف الصور، والكتابة بحروف نورانية. ويمكن إدراجها ضمن الأدب الروحي، لأن لأحداث التاريخية والرموز التي تناولتها المجموعة لا تقرأ إلا بتهيئة النفوس للتحليق في فضاء جمالياتها الروحية، وذلك بتقكيكها للدلالات الرمزية للموروث المحكي شعبيًا.