تقدير مفرط

السيد فاضل آل درويش
ورد عن أمير المؤمنين (ع): الإعجاب يمنع الازدياد)(غرر الحكم: الحكمة ٨٩٩).
يحتاج الفرد إلى دراسة معمقة حول ذاته وفهم وإدراك لحركتها النفسية والوجدانية والفكرية ومدى قدرتها على السير في طريق التكامل واكتساب الفضائل والحفاظ على النزاهة من الرذائل والعيوب، وهناك اتجاهات ومسارب قد تتجه نحو النفس بسبب عوامل ذاتية تتعلق بلجم العقل الواعي عن حركته واللهث خلف أهواء النفس الأمارة بالسوء ونزواتها وحركة الغرائز المتفلّتة، كما أن العامل الخارجي المتمثّل بالمكر الشيطاني وتزيين الآثام عبر نقاط الضعف البشري والتعلّق بالمظاهر المادية واللهث خلفها، ومع تعدد عوامل الهدم للبناء القوي للنفس البشرية يكمن العجب والغرور وتضخم الذات المهلك، ولا يمكن إدراك المخاطر والأضرار الناجمة عن هذه الآفة إلا عند إدراك كونها مرض شرس يفتك بالنفس ويرديها إلى السقوط في الهاوية، وكفى بالإعجاب بالنفس ضررًا أنه يستشعر معه الفرد بلوغ القمم العالية في جميع جوانب قدراته وإمكاناته ومهاراته وهمًا وجريًا خلف السراب، ومعها يرفض فكرة وجود مستويات ودرجات أعلى وأقوى مما هو عليه ويمكنه بالعمل المثابر والهمة العالية أن يصل إليه، وهذا ما يقطع عليه طريق ومسير التكامل والترقي مقتنعًا بأنه الأقوى والأفضل في كل شيء!
وهذا ما يفتح الباب لبحث الأضرار والخسائر اللاحقة بالنفس البشرية جراء الإصابة بهذا الداء العضال، للوقوف على الآثار المترتبة على فقدان الاتزان النفسي والوجداني والبناء العقلي وانهيار منظومة القيم في العلاقات الاجتماعية، حيث النظرة الدونية (تقزيم الآخرين والاستخفاف بقدراتهم) والتعامل المتعالي الذي يفقده جسور المحبة والانسجام، حيث تطغى عليه حالة الانبهار والرضا التام عن نفسه مهما صدر منه من كلام أو تصرفات، إذ لا يمكنه الاعتراف بالخطأ وارتكاب الزلل مهما كان وضوحه بل يتعلل بالتبريرات الواهمة، كيف وهو يحمل وهم بلوغ الكمال والنجاح في كل ما يصدر منه.
منشأ الاغترار والإعجاب بالنفس هو شعور نفسي بالتفوق والتميز والظهور الفريد، وهذا الشعور يتطوّر ويتدرج نحو السلبية من خلال التعامل المتعالي مع الغير والإجحاف بملكاتهم وإمكاناتهم.
والإمام (ع) يركّز في هذه الحكمة على أحد مخاطر الإعجاب بالنفس وتوهم الكمال المتمثل بالقناعة ببلوغ أعلى درجات النجاح والتعلّم وممارسة المهارات، وهذا ما يستدعي منه التخلي عن فكرة تطوير وتحسين قدراته وعدم الانخراط في البرامج التعليمية، فيشكل الاغترار عائقًا أمام تفحّص ذاته وإمكاناته للوقوف على أوجه التقصير والأخطاء ومن ثَم محاسبة نفسه، فيمنعه عن تطوير نفسه في جميع الجوانب المعرفية والثقافية والأخلاقية والاجتماعية وغيرها، وبلا شك أن أهم مصادر التقدم والنمو في قدرات الإنسان هو النقد الذاتي مما يجعله عامل إسناد وتقدم وارتقاء، والمعجب بنفسه يفتقد هذا المقوم والمحرك مما يجعله يعيش ظلامية وضياع وتدهور وخسائر متلاحقة، فلا هو بالذي يتقبّل فكرة المراجعة الذاتية لتصرفاته فضلًا عن القناعة بوجود أخطاء ينبغي العمل على تصحيحها، كما أنه يرفض رفضًا تامًا تقبّل النقد والنصيحة من الآخرين.