أقلام

دور الشباب في صناعة الوعي الثقافي

زاهر العبدالله

تمهيد

يُعدّ الشباب الجامعي في أي مجتمع طليعة التغيير وبوصلة الوعي، فهم يمتلكون طاقة فكرية وروحية قادرة على صياغة المستقبل. وإذا أحسنوا استثمار سنوات الجامعة، فإنهم يضعون اللبنات الأولى لبناء وعيٍ ثقافيّ يقي الأمة من الانحراف ويقودها إلى النهضة.

أولًا: الأساس القرآني للوعي الشبابي

لقد حمّل القرآن الكريم الشباب المؤمن مسؤولية صناعة الوعي، فقال تعالى:

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران: 104]

والخطاب هنا موجَّه للشباب قبل غيرهم، لأنهم الأكثر حيوية وقدرة على التبليغ والقدوة. كما أن الآية الأخرى تشدّد على ضرورة تحصين الذات والغير:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].

وهذا يشمل وقاية المجتمع من الانحدار الثقافي والفكري.

ثانيًا: وصايا أهل البيت (عليهم السلام) للشباب

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر، ومن تعلم وهو كبير كان بمنزلة الكتاب على وجه الماء) ميزان الحكمة، ج٢، ص ١٤٠٠. وقال النبي الأعظم محمد ( صلى الله عليه وآله):

(إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي! ترك شهوته من أجلي).

فضل الشاب العابد الذي تعبد في صباه على الشيخ الذي تعبد بعد ما كبرت سنه كفضل المرسلين على سائر الناس.

وعنه (ص )(سبعة في ظل عرش الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل..)

وعنه (ص )(ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقًا).

وعنه (ص )(إن أحب الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقًا).

ميزان الحكمة، ج٢، ص١٤٠١.

وعن الإمام علي (عليه السلام):

«إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك» (بحار الأنوار، ج١، ص٢٢٣)

وهذا يحمّل الشباب الجامعي مسؤولية تلقّي العلم النافع وغرس القيم الرفيعة، لأنهم في طور التكوين.

وقال الإمام الصادق (عليه السلام):

“لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غاديًا في حالين: إما عالمًا أو متعلمًا، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثِم، وإن أثِم سكن النار، والذي بعث محمدًا بالحق ” . ميزان الحكمة، ج٢، ص١٤٠١.

فمرحلة الشباب هي البيئة الأمثل التي تتيح للشباب أن يتحولوا إلى منارات خير، لا أن يضيعوا بين لهوٍ أو تقليدٍ أعمى.

ثالثًا: رؤية المرجعية (السيد السيستاني دام ظلّه)المرجعية العليا شددت مرارًا على دور الشباب الجامعي في حفظ الهوية وصناعة الوعي. ومن أهم وصايا سماحة السيد السيستاني لهم:

1. لزوم الاعتقاد الحق بالله سبحانه والدار الآخرة: فلا يفرّطن أحدكم بهذا الاعتقاد بحال، بعد أن دلّت عليه الأدلّة الواضحة وقضى به المنهج القويم.

2. الاتّصاف بحسن الخلق: فإنّه جامع للفضائل الكثيرة من الحكمة والتروّي والرفق والتواضع والتدبير والحلم والصبر وغيرها. وهو بذلك من أهم أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، وأقرب الناس إلى الله سبحانه، وأثقلهم ميزانًا يوم القيامة.

3. الإحاطة العلمية: على طلاب الجامعات والأساتذة أن يحيطوا بما يتعلّق بتخصصاتهم من تطورات في المراكز العلمية الأخرى، وخاصة في الطب، وأن يسعوا لتطوير العلوم من خلال البحوث والاكتشافات الرائدة، لا أن يكونوا مجرد تلامذة أو مستهلكين لما يصنعه غيرهم.

4. الخصال الفاضلة: مثل محاسبة النفس، والعفاف في المظهر والسلوك، والصدق في القول، وصلة الأرحام، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهود، والحزم في الحق، والترفع عن السلوكيات السخيفة.

كما أوصى سماحته بضرورة الأنس بثلاثة كتب:

• القرآن الكريم: آخر رسالة من الله إلى عباده، لإثارة العقول وتليين القلوب.

• نهج البلاغة: شرح لمضامين القرآن بلغة بليغة تحفّز على التأمل والحكمة.

• الصحيفة السجّادية: أدعية ربانية تعلم الإنسان مكاشفة النفس ومحاسبتها.

رابعًا: آفاق العمل الثقافي للشباب الجامعي

• المبادرات الطلابية: إنشاء أندية ثقافية تعزز الحوار البنّاء وتكسر الجمود الفكري.

• الإعلام الهادف: استثمار وسائل التواصل لإنتاج محتوى واعٍ يوازن بين الأصالة والانفتاح.

• القدوة العملية: أن يكون الطالب الجامعي مثالًا في السلوك والأخلاق، فيؤثر بفعله قبل قوله.

خاتمة

إن الشباب الجامعي هم صُنّاع الوعي الثقافي في الأمة. وقد وضع القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) والمرجعية الحكيمة الخطوط العريضة لمسارهم. فإذا جمعوا بين نور العلم وصدق الإيمان، تحولت الجامعة إلى مصنع قادة وعي، يضيئون دروب المجتمع ويقودونه نحو الإصلاح والنهضة.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى