أريحية

السيد فاضل آل درويش
طريقة التعامل مع الأصدقاء والمحيط الاجتماعي تشكّل عماد الحكم على العلاقات بالقوة والترسّخ أو الترهل والضعف وصولًا إلى القطيعة، والاحترام والتفاهم أسس مهمة لاستكمال تلك العلاقة وبنائها على أرض قوية تستطيع أن تواجه مختلف الظروف والصعوبات الحياتية ونقاط الاختلاف، وطريقة التعامل بالحسنى أو اتصاف الشخص بالصعوبة أو الحساسية المفرطة تشكل عوامل قوة أو هدم، ويتصف البعض بالأريحية والبساطة في التعامل بمعنى أن الحديث معه لا يحتاج إلى التكلّف وانتقاء العبارات بدقة، كما أن الهفوات (الكلمات المحرجة أو القاسية غير المقصودة) لا تشكّل حجر عثرة في علاقتهما، وإنما يتم تجاوزها بهدوء مع اعتذار الطرف الأول وتسامح الآخر، وهذا يعني أن العفوية في التعامل لا يقصد بها البساطة الدالة على الفوضى والأحاديث السطحية عديمة الجدوى ، بل هي قدرة نفسية على الانسجام مع المحيط الاجتماعي والتفاعل معه بعيدًا عن التكلف والمدعيات الزائفة، فيكفي في اضطراب العلاقة الاجتماعية تحولها إلى مشهد التحقيق وكثرة الأسئلة والاستفسارات عن المقصود بهذه الكلمة وذاك الموقف، وتحول الطرف الآخر إلى أسلوب التبرير وإيجاد الذرائع، بما يشير إلى أنها علاقة قد حُكم عليها من البداية بالإزعاجية وصعوبة التعامل واتجاهها إلى الانقطاع يومًا ما، فليس هناك من سبب يدعو أحدنا إلى حياة الضغوط النفسية والاعتلال من صحبة شخص يصعب التعامل معه (يسميه البعض المعقّد)، ومن الطبيعي أن يبحث هذا الشخص في بيئة أخرى عن أشخاص يتعامل معهم بعيدًا عن التكلف والانزعاج النفسي؛ ليجد من ينسجم معهم ويتقبلون بساطته والإنصات لما يقوله والتفاعل معه.
التعامل بوجوه مقنّعة كما يصنع البعض بحيث يعطي كل موقف وشخص ما يحبه ويرتاح له (يعطيه جوه التسليك كما يقال) يعد لونا من ألوان التلون الاجتماعي، فالعلاقة الصادقة تقوم على الصراحة والشفافية والتناصح والتفاهم، فالعلاقة السلسلة وتلحيوية تتصف بالأريحية في التعبير بعيدا عن التكلف وتنميق الكلام، بل ويتعدّى الأمر إلى التفكير المسبق لأي حديث أو جلسة لتصاغ تفاصيله بحسب تقبّل الطرف الآخر، وهذا لا يعني – بالطبع – رفع حواجز الاحترام والتقدير والمحاسبة على كل موقف أو كلمة تصدر منا، ولكن وجود بعبع اسمه التخطيط الدقيق المسبق ووضع الاحتمال للردود يعد مؤشرًا على الاعتلال النفسي والاجتماعي، فالعلاقة الأريحية تعني تلقائية في التعامل وحرية في الكلام وطرح التصورات ووجهات النظر وبسطها أمام الآخرين دون خوف من مواقف متشنجة أو كلمات قاسية بسبب اختلاف وجهات النظر مثلًا، وأسلوب التهكم وعدم تقبل وجهة نظر الآخر أو سوء الفهم المستمر وصولًا إلى الإقصاء، تحدث عند الفرد حالة من الاغتراب والاستيحاش الداعي له إلى الانسحاب بهدوء.