أقلام

الهوية الوطنية والذاكرة التراثية في شعر شباب عكاظ: دراسة تحليلية لنصوص الشعراء الفائزين( الجزء الثاني)

محمود المؤمن

المحور الثاني: الثراء التراثي

ويتضمن ثلاث ركائز:-

الشخصيات – الأماكن – سوق عكاظ (ملتقى ثقافي)

مقدمة المحور الثاني:

يمثل التراث العربي ثراءً متعدد الأبعاد، يتجلّى في شخصياته، وأماكنه، وملتقياته الثقافية، حيث تصبح النصوص الشعرية بمثابة مرآة تعكس التاريخ والهوية والفكر الجمالي. الشعراء في نصوصهم لا يقتصرون على ذكر الماضي، بل يحركونه ويعيدون استدعاء أفعاله، ويستحضرون رموزه، ويحيون مساحاته، فيصورون التراث كطاقة حية تتفاعل مع الحاضر

الركيزة الأولى: الشخصيات في الثراء التراثي

مدخل:

استدعت النصوص الشعرية الشخصيات لتروي التاريخ وتؤطر الهوية؛ من النبي ﷺ وسام إلى هابيل وقابيل والفلاح، ومن الغزل إلى صعاليك العصر، حيث جسدت القدوة والرمز والإلهام والفعل المقاوم، وحولت أفعالها وروحها ومكانها إلى نسيج حيّ من الذاكرة التراثية والشعرية.

استحضر حيدر العبدالله النبي محمد ﷺ، مؤكدًا على القدوة الإلهية والاختيار الإلهي:

حسْبُنا أَنَّ لَدَيْنا المُصْطفى،

ولنا الأرضُ التي اللهُ اصطفى لَهْ

ثم استدعى حيدر العبدالله سام، رمز الفعل البشري والجلال الإنساني:

منذُ (سامَ) الأبِ والناسُ هُنا،

يبْذُرونَ المجدَ، يجْنُونَ الجلالَة

وبع ذلك جسَّد العبدالله صراع الحب والخطيئة الإنسانية بين هابيل وقابيل:

فِكرةُ الحُبِّ التي أبْدَعَها

قلْبُ هابيلَ، حَرسْناها هُنَا لَهْ!

فِي دِمانَا وطنُ الكلِّ الذي

لَمْ ولَنْ يرضَى لِقابيلَ اخْتِزالَهْ

وقد وظَّف حسن طواشي الغزل، مجسّدًا الرقة والانسجام العاطفي:

لَيْلايَ سِرْبُ عبيرٍ بتَّ تُقْرِئُها

مِنْ نَاي حِبْرِكَ ما لا يُتْقِنُ الغَزَلُ

واستحضر خليف الشمري الصعاليك وسيد الأزد، مجسّدًا التمرد الشعري والمواجهة الرمزية للسلطة التاريخية:

إنا صعاليكُ هذا العصرِ يا أبتي

أجسامنا ذبُـلَـتْ.. شَحّـتْ عطايانا!

نُصادق الورقَ المحمومَ..

نسرقُـهُ .. همّاً

ونُهـديهِ.. ما أقسى هدايانا!

يا سيّدَ الأزْد.. شِعري لا يطاوعني

أفِق! نريدُ لهذا الشِـعر  عِصياناً..

أفِقْ.. فقلبُ الليالي راجفٌ..

وأنا طفلٌ

وصِدقي غدا زُورًا وبهـتانا

وجعل حيدر العبدالله من الفلاح، رمز البذل والإبداع المرتبط بالأرض:

كَمْ زَرعْناهُ بِأحْلامِ النَّدَى،

وشَرِبْنا مِنْ سَواقِيهِ زُلالَهْ

وَطَنٌ كالقمحِ، إِنْ أعْطَيتَهُ

نِيّةَ الفلاحِ، أعْطاكَ غِلالَهْ

واستدعى علي الدندن الفلاح، مضيفًا بعدًا إنسانيًا وعاطفيًا للبذل والانتماء:

سيفنى -ليبقى الحبُّ- كلُّ مدجَّجٍ

بقامةِ ليلاهُ، وأعطافِ خوْلَتِهْ

إذا عشقوا أنثى.. تطولُ نخيلُـهمْ

فلا يعشقُ الفلاحُ من دونِ نخْلَـتِـهْ..

وأبرز إياد الحكمي الأبطال الوطنيين، مجسّدًا الفخر بالوطن والارتباط بالماضي المجيد:

هنا مشى ملأٌ أعلى أَمارَتُهُم

قالوا فلم يذروا ماتوا فما اندثروا

هم قد أحاطوا بكُنهِ الطينِ هم عرفوا

معنى جلالتِهِم إذ إنهم بشرُ

واستدعى حسن طواشي المارقين، مجسّدًا التهديد الفكري والعداء للوطن:

الحقدُ يَغزو بِقَيحِ الفكرِ شُرفَتَنا

و المَارِقُونَ على أفْكَارِهمْ حَبلُوا

أغْبَى البَرَايا أُناسٌ يَدْفعونَ إلى

أعدائهمْ تُرْبَةَ الفِرْدَوْسِ إنْ بَخلُوا

خلاصة الركيزة الأولى:

تتجلّى الشخصيات في النصوص الشعرية كقوى فاعلة، قديمة أو أسطورية أو رمزية، مستدعَاة لتجسيد التاريخ والهوية والشعر، حيث يحوّل الفعل الشعري—استحضارًا وتمثيلًا وتمجيدًا وتمردًا—هذه الشخصيات إلى طاقة إبداعية ملموسة على مستوى الزمان والمكان والرمزية

الركيزة الثانية: الأماكن في الثراء التراثي:

مدخل :

الأماكن في التراث ليست مجرد مواقع، بل رموز حية تفاعلت مع الإبداع الشعري والذاكرة الثقافية، حيث استحضر الشعراء مكة والحراء والطائف ووادي عبقر وذي قار لتمثيل القداسة والجمال والطبيعة والإلهام الشعري في بوتقة واحدة

استحضر حيدر جواد العبدالله مناطق المملكة العربية السعودية، مجسّدًا سحر الأرض وبهجة المكان، مستدعيًا الأفق والجنوب والشمال، مجسّدًا الموسيقى واللون والإبداع في الطبيعة:

مِنْ خليجِ اللُّؤلُؤِ الغَضِّ إلى

أحمرِ المرجانِ هُدْبٌ وَاكْتِحالَة

وَكَأَنَّ الأُفْقَ عُرسٌ، فابْتَهِجْ

يَا جَنوبَ الحبِّ، وافْرَحْ يا شَمَالَهْ

أَلْهِمينَا يَا حِجَازَ اللهِ، يَا

هَجَرَ النَّخْلَةِ، يَا نَجْدَ الغَزَالَة

من لَذِيذِ اللّحْنِ (مُوسِيقى)، مِنَ الْـ

ـلَونِ سِحْرًا، ومِنَ الإِبْداعِ حَالَة

واستدعى ناجي حرابة مكة وزمزم والكعبة وحجر إسماعيل، مضيفًا بعدًا مقدسًا للأماكن، ومجسّدًا سموها الروحي وموروثها الشعري:

تَفِيْضُ عَلى جَنْبَيْكَ مِنْ (زَمْزَمِ) التُّقَى

جَدَاوِلُ مِنْ قَلْبٍ (بِمَكَّةَ) أُتْرِعَا

لِقَامَتِكَ الفَرْعَاءِ هَامٌ مُقَدَّسٌ

تَخُرُّ لَهُ الهَامَاتُ هَيْمَا وخُشَّعَا

فَتَاجُكَ – شَاءَ اللهُ – أَضْلاعُ ( كَعْبَةٍ )

وبـ( الحَجَرِ ) الأَسْنَى اسْتَطَالَ مُرَصَّعَا

واسترسل ناجي حرابة بعد ذلك ذاكراً غار حراء، مركز الوحي والإلهام، ليجسد البداية الروحية للرسالة الثقافية:

هُنَا ذَاتَ وَحْيٍ فَوْقَ ثَغْرِ (حِرَائِنَا)

تَفَتَّقَ آيٌ فَجَّرَ الحَرْفَ مَنْبَعَا

سَقَى وَطَنِيْ مَاءَ الهُدَى صَافياً فَمَا

عَلا سَعَفٌ فَوْقَ النَّخِيْلِ سِوَى دُعَا

واستحضر ناجي حرابة وادي عبقر، مؤكدًا رمزية المكان في الشعر وصور الخيال:

هُوَ الشِّعْرُ نَبْعُ البِيْدِ، رَاحِلَةُ الهَوَى

كِنَانَةُ صَدْرٍ، (عَبْقَرٌ)، رَاحَتَا دُعَا

وذكر حسن طواشي وادي عبقر، مجسّدًا جمال المشهد وربطه بالذاكرة الموسيقية والشعرية:

أدِرْ بطرفِكَ تُبْصِرْ هالَتَيْ قمرٍ

وعَبقراً منْ مَرايَا الضَّوْءِ يُخْتَزَلُ

فاقْبِضْ مِنَ الرَّمْلِ أنْغَاماً وذَاكرةً

مِمَّنْ على الصَّخرة الأبْهَى رؤىً نُسِلُوا

واستدعى علي الدندن ذي قار، موثقًا حضور المكان في الشعر وربطه بالصحارى والحقول:

خُـزامى حقولِ الشعرِ طعمُ شفاههِ

تودُّ الصحارى لو تفوزُ بقُبْلَتِـهْ

يسيرُ.. ضلوعُ الرملِ تحرسُ خطوَهُ

وأصداءُ “ذي قارٍ” تـرُنُّ برُكْبَتِـهْ

خلاصة الركيزة الثانية:

تجسّد النصوص المكان كحامل للمعاني والذكريات والإبداع، حيث تلتقي القداسة والجمال والإلهام الشعري ليصبح جزءًا من الهوية الثقافية والتراثية. .. يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى