لقاءات صحفية

صانع البخور الحساوي من الأحساء إلى العالمية

رباب حسين النمر : الأحساء

تتصاعد أعمدة الدخان لتعلن عن مناسبات الفرح، وتنتشر الروائح العبقة التي تاخذ بتبلابيب القلوب والأرواح، فتختلط تارة بأريج الورد، وتارة بأضواء الشموع! تختلس المواعيد وتقتحم المجالس، وتختلط بالزغاريد، زغاريد الأعياد ومواسم الأفراح، مجالس عقد القِران، وحفلات الزواج. يحل الجمال والهدوء والراحة النفسية حيثما حلّت. الجمر والمبخر صديقاه المخلصان، يستحوذ معهما على الأمكنة فتنقلب أجواؤها للاستقبال مشبعة بعطر الترحيب وأينما يكونون يكون لون الفرح وتكون رائحة السعادة. عبر الزمن في دوراته ولم يتخل عن أصالته وإن تغيرت بعض أثوابه بألوان أخرى من الإضافات الحديثة، فبقي متميز النكهة متفرد الرائحة راسخ الأصالة، فيُنعت برائحة الجدات. البخور الذهب الأسمر العودي الذي يحترق ليبث في الجو سحرًا ورقيًّا وجمالًا، وتقترن صناعته بالمهارة والإتقان، والحذق في اختيار أجود المواد التي يعجنها صانع البخور بمذاق خبرته، وسنوات تجاربه، ليقدمها للزبون على هيئة قرص كقرص الشمس استدارة، وكقلب الزهر أريجًا، فما تفاصيل قصة صنع البخور وإلى أي خبرة ومراس يحتاج.

في حي الرفعة الشمالي، وفي سوق الحرفيين بمدينة الأحساء تحديدًا، من بين عشرات الدكاكين الأصيلة المختصة ببيع المنتجات الحرفية التي يبرع في صنعها أهالي المنطقة من مختلف المنتجات، تشدك رائحة عبقة لا تقاوم منبعثة من دكان حرفيّ في الزاوية، تجذبك الرائحة وكأنك ممسوس أو مسحور، تعبر الباب الزجاجي لتجد أمامك منصة باذخة مكتنزة بأنواع البخور المُقصدر، والمكشوف، وبقش أغصان العود، وقناني أنواع كثيرة من العطور والمخلوطات، وخلف المنصة تطالعك صناديق معدنية، ومعدات كثيرة، ومواد خام وقناني وعصارات، ومطاحن. فيبدو لك أن هذا مصنع صغير، وهو المصدر المزوّد لذلك الدكان، تعود أدراجك وتخرج، تعلق نظراتك على أعلى مقدمة الدكان لتقرأ اللافتة(صانع البخور الحساوي). وخلف هذه اللوحة وانتصابها تقف قصة نجاح شامخة ترويها لكم صحيفة بشائر بكل تفاصيلها عبر الحوار الآتي خلال الأسطر التالية.

في نظرة سريعة وخاطفة لبطاقتك الشخصية، من يكون صانع البخور الحساوي ومن الذي أطلق عليك هذا اللقب؟

اسمي أحمد بن عبدالله الجدي، من سكان حي النعاثل سابقًا والآن في حي الملك فهد. الزبائن هم الذين أطلقوا علي هذا الاسم ولا سيما أهل الخليج مثل الكويتيين، فلا يدعونني إلا صانع البخور، وكانوا يقيدونني في جوالاتهم الشخصية بهذا الاسم، ثم أصبح هذا الاسم فيما بعد هو الاسم الإعلامي في الفعاليات والمهرجانات التي أشارك فيها.

من الذي علمك صناعة البخور؟

تعلمت المهنة من جدتي لأمي، أما جدتي لأبي فلم أرها، فقد عاش أبي يتيمًا منذ طفولته. تعلمتها وأنا أساعد جدتي في صناعته وأتقنتها بالممارسة.

كم عمر هذه المهنة بين يديك؟

٣٥ عامًا. بل امتهنت هذه المهنة من أكثر من ٣٥ عامًا، وكانت هي مصدر رزقي، ومردودها المادي أكثر من ممتاز، وانشغالي بها منعني من إكمال دراستي الأكاديمية، ولذلك وصلت دراسيًّا للمرحلة المتوسطة فقط. شاركت بهذا المنتج في شنغهاي بالصين وقدمته باعتباره موروثًا أحسائيًّا، وكذلك في روما عاصمة إيطاليا، وفي طوكيو عاصمة اليابان، ولقي استحسانًا قويًّا جدًّا، إضافة إلى معظم مناطق المملكة حيث شاركت به وقدمته باعتباره موروثًا أحسائيًّا عالي الجودة ويمتاز بمكوناته الطبيعية، ويكون أقل ضررًا على صحة الإنسان من بقية المصانع والشركات المنتجة للبخور بشكل عام، بسبب استخدام مواد طبيعية في صناعته بنسبة ٩٩%.

ماذا عن المساندات المادية والمعنوية، والداعم، والمحفز، والمشجع؟

أكثر شي شجعني على الإنتاج والتطور هو كثرة الطلب، وتوصيات المجربين، وتزايد عدد العملاء والحمد لله.

كيف حافظت على هذه المهنة ولمن علمتها؟

بالتأكيد دربت أولادي ولقنتهم أسرار المهنة، لأنهم هم الذين يساعدونني حين تثكر الطلبات وكذلك أسست ورشة عمل لتدريب من يريد تعلم هذه المهنة، والحمد لله دربت عدد كثير من الأحساء وجميع مناطق الخليج في هذه الورشة.

ماذا أعطتك المهنة وماذا أخذت منك؟

أعطتني الكثير مثل العلاقة مع وجهاء المنطقة، ومع أناسها فأنا أصنع البخور للكثير من العائلات، وهذا جعلني أبني علاقات قوية جدًا، وسمعة طيبة، وكسبت ثقة الناس، ويكفي أن هذه المهنة أصبحت هي مصدر الدخل الذي تعتمد عليه معيشتي مع أسرتي، ولم تأخذ مني هذه المهنة شيئًا، بل أعطتني الكثير ولم تأخذ مني شيئًا.

متى بدأ تاريخ البخور عالميًّا؟

بدايات البخور لا أمتلك عنه معلومة دقيقة، ولكن المعلومات المتداولة تشير إلى أن الأحسائيين هم أصحاب الفكرة، ومعظم العوائل كانت تصنعه، ولكن هناك أسماء معينة اتخذته مهنة وكانت تعمل على بيعه، وهناك عوائل تصنعه للاستخدام الشخصي.

متى بدأ تاريخ تصنيع البخور في الأحساء تحديدًا؟

يعود تاريخ تصنيع البخور إلى أكثر من 850 عامًا.

في أي الأمكنة ينشط سوق البخور؟

في السابق كان معظم أهل الأحساء يصنعون البخور في منازلهم من أجل الاستخدام الشخصي، والآن أصبح مختلفًا. وصار من النادر أن يوجد بالطريقة القديمة نفسها، ولو وجد في بعض المنازل أو في سوق الحرفيين بالأحساء عند صانع البخور الحساوي.

ما الفرق بين البخور الحساوي وسواه؟

الفرروقات كثيرة، ومنها أن بخور الأحساء من الموروثات العريقة، وأنه يصنع من مواد طبيعية.

ما صفات البخور الجيد؟

يعتمد البخور الجيد على صنف العود الممتاز، والزعفران الإيراني ذي الجودة العالية، وعلى مسك الغزال، ثم على تصنيعه بحب ومزاج رائق، ونفس متمكن من صناعة البخور.

أيهما أفضل: البخور الجديد أو المعتق ولماذا؟

البخور المعتق أفضل من البخور الجديد، لأنه كلما مر عليه زمن أطول يأخذ فرصته في اكتساب رائحة الزعفران. ونحن نضع على قرص البخور بعد صناعته زعفران، ومع مضي مدة من الزمن يتشرب الزعفران، ويتمازج البخور بالزعفران، وذلك بعد تغطيته بالقصدير لإبعاده عن النور فترة لاتقل عن الشهر، وهكذا يستطيع أن يحافظ على جودته لأكثر من عشرين عامًا تقريبًا.

ما مدى علاقة البخور بالعود؟

العود من المكونات الرئيسة للبخور، ولذلك كلما صار العود جيدًا صار البخور أكثر جودة.

ما المواد المستخدمة في صناعة البخور الحساوي؟

العود، ومسك الغزال، والزعفران، وسكر النبات، وماء الورد.

ما مدى تأثير جودة هذه المواد أو عدم جودتها في النتيجة النهائية للبخور؟

الجودة عامل رئيس سواء كان في نهاية البخور أو في بدايته، صحيا هناك مواد كيماوية صناعية تضر المصابين بالربو أو التحسس التنفسي فلا تناسبه قلة الجودة. والمواد الطبيعية أقل ضررًا على الصحة.

كيف تختار الجمر؟

تزدحم الأسواق بمنتجات الجمر من مختلف الشركات المصنعة، مثل الجمر الدائري، ومعظم أنواعه جيدة، ولكن هناك ملاحظة مهمة لكل مستخدمي البخور، من المهم جدًا إطفاء الجمرة بعد انتهاء عملية التبخير لأنها تؤثر على مستوى ثبات البخور، ولها من جانب آخر تأثير صحي، وكذلك أثر من جانب السلامة. ولذلك يجب إطفاء الجمرة بعد عملية التبخير لأن بقاء الجمرة يعد عدوا للبخور بعد انتهائه، وكذلك مكيف الهواء، فجهاز التكييف يفلتر الهواء من جديد ويسحب رائحة البخور ويقلل من مستوى ثباته، وكذلك الجمرة تسحب الروائح المنتشرة في الجو وتقلل مستوى ثباتها، سواء أكانت عودًا أو بخورًا. ولا بأس من عمل المكيف أثناء التبخير ولكن من المفترض إطفائه بعد انتهاء عملية التبخير حتى أترك فرصة لثبات رائحة البخور وعدم استنشاق دخانه لأنه مضر بالصحة، المكيف يسحب الدخان ورائحة البخور، بسبب الفلتر. الدخان يعد كربونًا ضارًا، والمكيف يفلتر الهواء، ويسحب عن ما لا يقل عن ٥٠ % من رائحة البخور، وما يتبقى منه لا يكفي أن يستقر في المكان، ولا سيما إذا كان مقدار البخور قليلًا، وعندما نطفئ جهاز التكييف فإن المقدار القليل يكفي للثبات والاستقرار.

قارن بين البخور والعطر برائحة البخور؟

المقارنة تكون من المستهلك، ولكن من الممكن أن يكون لي رأي في ذلك لأن البخور العتيق والمنتج القديم يقتصر على رائحة العود ومسك الغزال، وعلى نكهة حلى السكر، وعلى نكهة الزعفران، ولذلك تربطنا رائحته بعبق الماضي وبرائحة الجدات والأمهات، ورائحة البيوت القديمة في الزمن الماضي الجميل، أما المضاف إليه العطور فهو منتج حديث ومطلوب، وله جمهوره، ويعد جيدًا، وهناك كثير من العطور تمزج بالعود والزعفران، فتعطي نكهة مقاربة لنكهة الماضي، وتعد الأحساء من المناطق المرتبطة بالبخور منذ قديم الزمان، ولو عدنا لمنصة إكس سنجد تقريرًا بعنوان (طريق البخور)، في سوق المشقر، وهو من أقدم الأسواق في شبه الجزيرة العربية، وهو أقدم من سوق عكاظ، وكان البخور الأحسائي يصدر لجميع أنحاء المعمورة، ولكن لكل عائلة إضافاتها ولمساتها، ولكل بيت اجتهاداته، فبعض البيوت تضيف اللبان للبخور، ولكن يبقى الفرق شاسعًا بين روائح الجدات وروائح الأمهات، فهناك فرق فرائحة الأم منكهة بالعطورات الحديثة، ورائحة الجدة مقتصرة على مسك الغزال، والزعفران. ويتميز مسك الغزال ويتفرد عن أي مسك آخر في البخور مع مزيج العود والزعفران، فالكثير يعدها رائحة البخور ولكن الحقيقة أنها رائحة مسك الغزال الحقيقية، وعادة ما تكون رائحة مسك الغزال غير مستحبة، ولكن بعد مزجها بالزعفران والعود ومعالجته يتحول إلى هذه الرائحة الطيبة. وبحكم ممارستي للمهنة حينما أشتمه فأنا أدرك بأني أشتم رائحة مسك الغزال وليس رائحة البخور.

مسك اللقاء : وقد اقتص من وقته الثمين جزءًا ليس باليسير في ازدحام ورشته بالمهام، وتكاثر طلبات الحزبائن تتقدم صحيفة بشائر بالشكر الجزيل لصانع البخور الحساوي المبدع أحمد الجدي متمنية له مستقبلًا حافلًا بالنجومية وإحراز نجوم المجرات انطلاقًا من نجومه السبعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى