أقلام

رحلة المعرفة: من الشك إلى اليقين

أحمد الطويل

معركة الحقيقة: الإسلام في مواجهة التعددية الدينية

تنويه: هذه هي المقالة الثانية من سلسلة فكرية أسبوعية، مستوحاة من الجزء الثاني من كتاب مدخل في نظرية المعرفة وأسس المعرفة الدينية للأستاذ محمد حسين زاده (ترجمة سيد حيدر الحسيني). تكمل هذه المقالة رحلتنا الفكرية من الشك إلى اليقين، بعد استكشاف متاهة القراءات المتعددة، لنقف اليوم أمام تحدي أكبر: نظرية التعددية الدينية، وإثبات أن الإسلام هو الطريق الحق.

مقدمة:

من الصحراء إلى الواحة، وكل واحد يدلك على طريق مختلف.

تخيّل نفسك تسير في صحراء مترامية الأطراف، والضباب يحيط بك من كل جانب. كل شخص تصادفه يدلك على طريق مختلف للواحة، ويقسم لك أن طريقه هو الصحيح، بينما الآخر يصرّ على أن طريقه هو المضمون. يبدو الأمر مربكًا، أليس كذلك؟ هذه هي صورة التعددية الدينية: محاولة لإقناع البشر بأن كل طريق يؤدي إلى الحقيقة، وأن كل دين يحمل جزءًا منها.

لكن الواحة، كما نعلم، لها موقع واحد، وطريق محدد يقود إليها. وكما قال القرآن الكريم بلا تردد: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19].

فلسفة التعددية: من كانط إلى جون هيك

الفكر الغربي حاول رسم صورة “تعددية” للمعتقدات الدينية. كانط ميّز بين “الشيء في ذاته” و”الشيء كما يظهر لنا”، مشيرًا إلى أن البشر لا يصلون إلى الحقيقة المطلقة، بل يرون صورًا نسبية عنها. جون هيك استعار هذه الفكرة ووسعها، قائلاً إن كل دين هو انعكاس مختلف للحقيقة المطلقة، وكل الأديان صحيحة في جوهرها.

ولكن هذا الادعاء، رغم جاذبيته، يحمل تناقضًا صارخًا: فهو يساوي بين الحق والباطل، بين التوحيد والشرك، بين عبادة الله وعبادة الأصنام.

القرآن الكريم يضع النقاط على الحروف

القرآن يرفض هذه الفوضى الفكرية بكل وضوح: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].

الحقيقة لا تتعدد، والحق واحد. الإسلام يقدم الصراط المستقيم، لا لأنه ديننا فقط، بل لأنه الطريق الذي حفظه الله من التحريف، وأيد العقل بالتوجيه، وفتح به أبواب النجاة.

آثار التعددية: ضياع المعايير وانحراف الحق

إذا قبلنا التعددية الدينية كما يروج لها، فإن جميع الأديان تصبح متساوية في القيمة والخلاص. يصبح المؤمن كالمشرك، ويغدو الحق والباطل في مصاف واحد.

وهنا يظهر الخطر الحقيقي: التعددية ليست تسامحًا، بل تدمير لمعيار الحق. تتحول الأديان إلى أذواق شخصية، لا وحي إلهي محدد وملزم.

الإسلام: الطريق الواحد للنجاة

الإسلام لم يغلق باب العقل، بل دعمه، ووجه الإنسان للتفكر والمقارنة. لكنه رسم خطًا واضحًا: الحق واحد، والدين الحق واحد، لا تقبل منهجيات “كل الطرق صحيحة” أو “الحق نسبي”.

الإمام الباقر عليه السلام قال: “من دان الله بغير ما أمر الله فهو باطل” [الكافي، ج1، ص56].

الهداية ليست بالادعاء أو التمني، بل بالالتزام بالوحي، والتقيد بولاية الله وحججه على العباد.

الخلاصة:

الطريق يضيق ليمنحك اليقين.

في المقالة الأولى، عرفنا متاهة القراءات المتعددة، التي جعلت الباحث عن الحقيقة يتوه بين أهواء البشر وأفكارهم. واليوم، نواجه تحديًا أشد: التعددية الدينية التي تدعي المساواة بين كل الطرق.

لكن نور القرآن يزيل الضباب من جديد: الطريق الحق واحد، والحق محفوظ من التحريف، والعقل مكرّم، والهداية بيد الله.

أيها القارئ، تذكر: الحق لا يتعدد، والصراط المستقيم واحد. من اتبع الهوى ضلّ، ومن تمسك بالوحي نجى. وكل قصة من التاريخ تشهد على ذلك: المسيحية ضاعت بين القراءات المتعددة والتحريف، وأما الإسلام فقد حفظ الله كتابه، وأقام فيه الحجة، وجعل النجاة لمن تمسك به.

ولكن تمهّل… فالمعركة الفكرية لم تنته بعد! في المقالة القادمة، سنقف أمام سؤال مصيري: إذا كان الإسلام هو الطريق الحق، فهل النجاة محصورة بالمؤمنين به فقط؟ وكيف نفهم رحمة الله الواسعة؟ هذه هي المحطة الثالثة من رحلتنا الفكرية، فاستعدوا لها بشغف!

اللهم أرنا الحق حقًا فنتبعه، وأرنا الباطل باطلًا فنجتنبه، ولا تجعل للشيطان علينا سلطانًا. اللهم اجعلنا من السائرين على صراطك المستقيم، وامنحنا الثبات في الدين، واحشرنا في زمرة محمد وآل محمد الطاهرين.

المصادر والهوامش

1. القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 19.

2. القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 85.

3. نهج البلاغة، خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام.

4. الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص56.

5. محمد حسين زاده، مدخل في نظرية المعرفة وأسس المعرفة الدينية، ج2، ترجمة سيد حيدر الحسيني، دار الهدى.

6. John Hick, An Interpretation of Religion.

7. Immanuel Kant, Critique of Pure Reason.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى