أقلام

تهاني الصبيح: تمثلات الذات والمرأة ورسالة الوجود في فضاء الشعر العربي ( الحلقة الأولى)

د. حجي الزويد

تهاني الصبيح ومسيرة الكلمة:

حين يصبح الحرف معراجًا: رؤية في شعر تهاني الصبيح

في قلب الأحساء، حيث النخيل يحرس الذاكرة، والماء ينحت في الطين ملامح الخلود، وُلد صوت شعري حمل في نبراته أنفاس الأرض وحنين السماء. هناك، بين فسائل صغيرة غُرست في تربة العطاء، ارتفعت شجرة اسمها تهاني حسن عبّد المحسن الصبيح، لتصير إحدى علامات الشعر النسائي في الجزيرة العربية، وصوتًا يتجاوز الجغرافيا نحو فضاءات أرحب.

لم تكن تجربتها الشعرية مجرد بوحٍ أنثوي أو صدى لموروث عابر، بل كانت مشروعًا وجوديًّا متكاملًا، حمل في طياته أسئلة الحرية والهوية، وجسّد جدلية الحنين والاغتراب، فاستحقت أن تُلقَّب بـ خنساء هجر، وأن تُقرأ نصوصها بوصفها ميثاقًا إنسانيًّا يتجاوز حدود النوع والجنس، ليصير النص ذاته هو الهوية.

• في ديوانها الأول فسائل، زرعت البذور الأولى للقصيدة، وطرحت أسئلة الذات والهوية، كما لو أنها تُمهّد لأرض خصبة بالرموز والمعاني.

• وفي ديوانها الثاني وجوه بلا هوية، ارتفعت الأصوات لتواجه الغياب، فكان النص صرخة ضد التهميش، وإعلانًا عن أن الإنسان يُعرّف بإنسانيته قبل أي انتماء آخر.

• أما ديوانها الثالث ما تنكّر من عرش بلقيس، فقد جاء أكثر نضجًا وعمقًا، يعيد قراءة التاريخ والرموز من منظور أنثوي واعٍ، ويضع المرأة في قلب النص بوصفها شاهدة على الذاكرة وحارسة للمعنى.

لقد منحتنا تهاني الصبيح أنموذجًا للشعر الذي يوازن بين الموروث والحداثة، بين المكان والكونية، بين الذات والآخر. وفي هذا التوازن يكمن سرّ حضورها، وسبب بقاء نصوصها حيّة، قابلة للاستدعاء والتأويل، وقادرة على أن تكون مرجعًا لجيل جديد من الأصوات الشعرية النسائية.

إنها ليست مجرد شاعرة تكتب قصائد، بل امرأة تصنع هوية بالكلمة، وتفتح للقصيدة العربية فضاءً يتسع للأنثى كذات فاعلة، للحنين كقوة مبدعة، وللرمز كجسر يصل الأرض بالسماء.

نؤكد أن شعر تهاني الصبيح سيظل فسيلة تنمو في أرض الأدب العربي، وتظل وجوهها، وبلقيسها، وهاجرها، وجميع رموزها، إشارات متجددة على أن الكلمة إذا خرجت من القلب، فإنها تبقى حيّة ما بقي الزمن.

هذه القراءة محاولة للاقتراب من عوالم تهاني الصبيح الشعرية، عبر تأمل سيرتها وبداياتها، ثم الغوص في ثيماتها الكبرى: الحنين، المرأة، المكان، الروح، مع تقديم مقاربات نقدية تكشف عمق تجربتها وتنوّع أدواتها.

الميلاد والنشأة : امرأة من ضوء ونخيل

ولدت الشاعرة والأديبة تهاني حسن عبدالمحسن الصبيح في مدينة الخبر بتاريخ 13 أكتوبر 1975، ونشأت في بيئة أحسائية عريقة تحتضن النخيل والموروث والشعر. من طفولتها حملت عشق الأبجدية، وولع الكلمة، وكان بيتها الأول حاضناً لأحلامها الأدبية. وجدت دعمًا كبيرًا من والدها – رحمه الله – الذي كان يرى في النساء عماد الوطن وحضارته، فساندها، وحفّزها على القراءة، وشجعها على شراء الكتب ومطالعتها، وأعطاها الثقة لتقرأ بصوت مسموع وتواجه الجمهور بثبات.

أمها كانت رفيقة الروح، تدعو لها وتحيطها بالحنان، ومعلماتها شجعنها واحتضن موهبتها. بهذه الركائز، نشأت بين عناية الله ورعاية الأسرة، وصارت شاعرة تبحث عن ذاتها في عوالم اللغة.

في المرحلة المتوسطة، بدأ الشاعر يسكنها بقوة، إذ شعرت بشيء يجرها إلى ديوان الشعر، فتكثفت قراءاتها لدواوين مختلفة المدارس، وأخذت تكتب نصوصاً وصفتها بـ”العرجاء”، تسقط مرة وتنهض أخرى، حتى اشتد عودها ونبتت أغصانها، وصارت قصائدها تنبض بالحياة وتُقرأ على المنابر.

المسار التعليمي والمهني في حياة تهاني الصبيح:

حققت تهاني الصبيح تميزاً علمياً منذ بداياتها، حيث حصلت على المركز الأول لجائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي في المرحلة الثانوية عام 1995، وكانت الأولى على دفعتها. هذا الإنجاز لم يكن مجرد تفوق دراسي بل كان اعترافاً مبكراً بجدارتها ونبوغها.

اختارت أن تسلك طريق التعليم لتكون معلمة للمرحلة الابتدائية، فتجمع بين رسالتين ساميتين: رسالة التربية، ورسالة الأدب. كانت ترى في التعليم امتداداً للشعر، وفي الشعر وسيلة لترسيخ القيم والمعرفة التي تنقلها لأجيال المستقبل.

الإنتاج الأدبي ومسار الإبداع:

أصدرت تهاني الصبيح عدة مؤلفات، تنوعت بين الشعر والرواية، منها:

• وجوه بلا هوية (رواية): معالجة جريئة لقضايا اجتماعية تتعلق بالطبقية والزواج.

• فسائل (ديوان شعري): عملها الأول في الشعر، الذي فتح لها أبواب الجوائز.

• وجه هاجر (ديوان شعري): عملها الثاني، أهدته لوالدتها رحمها الله، وجاء مليئاً بالعاطفة والحنين.

• ما تنَّكر من عرش بلقيس  (ديوان شعري): عملها الثالث، يحتوي الديوان على أربعة وعشرين قصيدة تقريبًا.

حوار حول ما تنكّر من عرش بلقيس في المجلة العربية :

هناء هبة خولة، ووالدتك، عطفاً

على عنوان الديوان ما تنكر من عرش

بلقيس)، ما السر خلف الأسماء المؤنثة

في ديوانك، أهو انتصار للمرأة أم حنين

الذاكرة؟

أجابت: أظن أن إجابتي تملأ الاحتمالين وهو أن ورود الأسماء النسائية في الديوان هو انتصار للمرأة سيدة العزيمة والبأس والإصرار، المرأة التي ينحت صبرها ملامح

هاجر،  ويزيد إصرارها بالسعي الطويل دون توقف أو تراجع ، وتأتي فرحتها حين يُزمّ الماء وتنهمر عين الحياة، المرأة التي لم يشغلها مبرد الأظافر، ولم تتذكر وجهها ألوان المساحيق، المرأة الشامخة التي نمت على سواعدها أجيال، وتحررت من وعيها عقول المرأة القادرة على صناعة حضارة وبناء أمة، أما النبش في الذاكرة والتفتيش عن أسماء نسائية متجذرة فيها فهو أمر طبيعي، لأنه بمثابة الوقود الذي سيشعل فتيل النص، ويجعله قادرًا على عبور ممرات الضوء، بعد اجتياز كل الدهاليز المظلمة في الحياة، وديواني (ما) تنكر من عرش بلقيس) هو تجل لوجوه نسائية لا تزال ملامحها تشي بالكثير.

محطات التقدير والجوائز الأدبية:

حققت تهاني الصبيح حضورًا لافتًا في المشهد الأدبي، وحصدت جوائز مهمة، أبرزها:

•المركز الأول لجائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي 1995.

• المركز الثاني في مسابقة السفير حسن عبدالله القرشي (مصر 2018) عن ديوانها “فسائل”.

•المركز الثاني في مسابقة اليوم الوطني السعودي 2018 برعاية نادي تبوك الأدبي.

هذه الجوائز رسخت مكانتها كواحدة من أبرز الأصوات النسائية السعودية، وأكدت أن صوتها قادر على أن يتجاوز حدود المحلية إلى فضاء عربي أوسع.

ترجمات وإشارات توثيقية في مسيرة تهاني الصبيح الأدبية :

ترجم لها في معجم السرد بالأحساء

ترجم لها في معجم شعراء الأحساء المعاصرين في الفترة ( 1401 – 1430 هـ الصادر عن / نادي الاحساء الادبي

ترجم لها في كتاب معجم أعلام النساء في المملكة العربية السعودية للكاتبة اللبنانية غريد الشيخ محمد

التعريف بسيرتها الذاتية ضمن مجموعة من الأديبات السعوديات في كتاب ( ومضات سيرية ( للأستاذة الدكتورة نوال السويلم

النشاط الأدبي والثقافي: امرأة تكسر القيود

انتُخبت عضواً في مجلس إدارة نادي الأحساء الأدبي خلال الفترة من 2011 – 2019، وكانت أول سيدة تنتخب في هذا الموقع على مستوى المملكة. خلال عضويتها، أشرفت على النشاط النسائي، وأطلقت برنامج رعاية الموهوبات، الذي كان بمثابة المظلة الثقافية لفتيات وضعن أقدامهن على عتبة الكتابة، فصارت تجلس معهن مرتين في الشهر، وتمنحهن مفاتيح الإبداع، وتفتح لهن الطريق نحو عالم الأدب. كذلك،  هي عضو جميعة أدب المهنية بالمملكة العربية السعودية.

الحضور العربي والدولي: خنساء هجر… صدى المكان والزمان

لم تقف حدودها عند الأحساء أو السعودية، بل امتدت مشاركاتها إلى عواصم عربية وعالمية:

• مهرجان الشارقة للشعر – الإمارات.

•مهرجان الرمثا للشعر العربي الفصيح – الأردن (2019).

• المركز العالمي للدراسات العربية – باريس.

• مهرجان الخنساء للشعر الفصيح – عمّان.

•مهرجان حوران للشعر العربي – إربد (الأردن).

• أمسيات أدبية في البحرين ومصر والسعودية.

من أبرز محطاتها الثقافية مشاركتها في قافلة النخيل التي نظمتها أكاديمية الطائف بالتعاون مع هيئة الثقافة والأدب. وصفتها بأنها أجمل محطة ثقافية في حياتها، لأنها اختصرت الوطن في قصائد شعر، وأعادت لها قيمة الشاعر عند العرب الأوائل. رأت في هذه القافلة فرصة لتتعلم معنى التواضع من قامات شعرية كبرى، وأدركت أن الشعر لا يزال يحمل قيمة إنسانية وجماعية عظيمة.

بهذا الحضور، جسدت تهاني الصبيح صورة الشاعرة السعودية التي تمثل وطنها وترفع راية الإبداع النسائي في كل محفل.

الألقاب والهوية الشعرية: خنساء هجر التي كسرت الحصار وجعلت الشعر مرآة الحرية

لقبت بـ “خنساء هجر” يوم وقفت على منصة سوق عكاظ بالطائف وألقت قصيدتها أمام جمهور عربي عريض. كان ذلك في بداياتها، وحينها صفقوا لها بحرارة ومنحوها اللقب، الذي تبنته بفخر واعتزاز، معتبرة إياه لقبًا وطنيًا حتى النخاع. ومنذ تلك اللحظة، صارت تفاخر بأنها خنساء المملكة، تستحضر بذلك التراث الأنثوي الكبير للشعر العربي، وتعيد تقديمه في ثوب حديث.

كسر القيود وصوت الحرية: الحرية والهوية في شعر تهاني الصبيح

منذ خطواتها الأولى في عالم الأدب، أعلنت تهاني الصبيح أن الشعر هو ملاذها الأرحب والأكثر صدقًا. ورغم أنها خاضت تجربة السرد في روايتها الأولى «وجوه بلا هوية»، التي تناولت قضية الفوارق الطبقية في الزواج مؤكدة أن المحبة هي الجسر الأسمى الذي يوحّد البشر، إلا أنها رأت لاحقًا أن الرواية كانت محطة عابرة في مسيرتها. فهي تعترف بصراحة نادرة: «كنت مخطئة حين كتبت الرواية، لأنني لم أدرك أن الشعر هو دهاليز المعنى البعيد».

بهذا التصريح، تكشف أن الشعر بالنسبة لها ليس مجرد جنس أدبي يمكن أن يُضاف إلى رصيدها، بل هو قدر وجودي وفضاء تتماهى فيه الروح مع اللغة. القصيدة عندها ليست نصاً مطبوعاً على الورق، بل كيان حيّ، أمٌّ تشبهها وتشاركها العطر، وتضيء العمر كما يضيء الزعفران مفرق رؤوس الأمهات. إنها علاقة وجدانية بين الشاعرة وقصيدتها، علاقة حياة وميلاد متجدد.

ورغم ما تسميه بـ «الحصار الفكري والاجتماعي» الذي كبّل المرأة الشاعرة في الأحساء ردحًا من الزمن، لم تتوقف تهاني الصبيح عند تلك الحواجز. بل جعلت منها منطلقًا لتأكيد حضورها، متجاوزة قيود الأعراف التي حالت دون بروز أصوات نسائية كثيرة. فبينما اختارت بعض الشاعرات الصمت أو الاكتفاء بالكتابة في الظل، انطلقت هي بسرعة الصاروخ، تثبت أن الكلمة قادرة على كسر كل جدار.

لقد مثلت تجربتها إعلانًا واضحًا بأن المرأة ليست مجرد متلقية للأدب، بل صانعة له، وأن القصيدة ليست امتداداً لصوت ذكوري يحتكر المشهد، بل فضاء مفتوحًا لكل من يمتلك الشغف والقدرة على صياغة المعنى. وكأنها أرادت أن تقول من خلال حضورها: إن الشعر لا جنس له سوى الحرية.

إن كسرها للقيود لم يكن فعلًا أدبيًا فحسب، بل فعل اجتماعي أيضًا. فهي بخطابها الشعري واجهت فكرة الوأد المعنوي للمرأة الكاتبة، وأثبتت أن حضور الشاعرة ممكن بل وفاعل، إذا ما امتلكت الثقة والقدرة على اقتحام المنابر والوقوف جنبًا إلى جنب مع الرجال في ساحات الأدب والثقافة. لقد كسرت الصمت الذي ظلّ يلف كثيرًا من الأقلام النسائية، وأعادت رسم صورة الشاعرة بوصفها رمزًا للتحدي والإبداع.

وهكذا أصبح حضورها الأدبي شهادة على إرادة امرأة أحسائية اختارت أن ترفع صوتها، وأن تجعل من الشعر جواز عبورها إلى فضاءات أرحب، حيث تلتقي الحرية بالهوية، والذات بالإنسانية، في نصوص تحمل من القوة بقدر ما تحمل من الرقة.

وقد مثّلت مشاركتها في سوق عكاظ لحظة فارقة، حيث ألقت قصيدتها أمام جمهور عربي غفير، فنالت التصفيق والتتويج بلقب «خنساء هجر». لم يكن هذا مجرد تكريم شعري، بل اعتراف علني بأن المرأة قادرة على اقتحام المنابر وكسر القيود. ثم جاء حضورها في مهرجانات عربية مثل الشارقة للشعر، والرمثا بالأردن، والمركز العالمي للدراسات العربية بباريس، ليؤكد أن صوتها تخطى حدود الوطن ليصير جزءاً من المشهد الثقافي العربي.

أما دخولها مجلس إدارة نادي الأحساء الأدبي (2011 – 2019) كأول امرأة منتخبة، فقد كان بمثابة كسر آخر لجدار طالما حجب المرأة عن القيادة الأدبية. بهذا الإنجاز، لم تكتفِ بتمثيل ذاتها، بل مثلت جيلًا كاملًا من النساء السعوديات اللواتي وجدن في تجربتها برهاناً أن الشعر يمكن أن يكون جواز عبور إلى فضاءات الحرية والمشاركة الفاعلة.

إن كسرها للقيود لم يكن موقفًا عابرًا، بل جوهر تجربتها كلها. فهي في كل نص وأمسية وظهور، تؤكد أن الإبداع لا يعرف حدوداً، وأن المرأة حين تحمل قلمها تصبح صوتًا لوطن بأكمله. لقد رفعت صوتها بوصفها شاعرة أحسائية سعودية، وأثبتت أن الشعر ليس فقط فنًّا، بل أيضًا رسالة تحرر وصوت حرية.

أصوات من قصائدها: الحرية في نصوصها

في قصيدتها «وتر»، تعبّر عن انطلاق الروح نحو فضاء الإبداع، وكأنها تؤكد أن الحرية تبدأ من أول حرف:

وترٌ أنا فلتعزفي الوترا

ولتسكُني الإلهام لو حضرا

أما في قصيدتها «ريح يوسف»، فإن الشوق والحنين يتحولان إلى نداء كوني، لا تحدّه قيود المكان أو الزمن:

يا ريح يوسف من يجاري لهفتي

لو للحنين مسافةٌ ونطاقُ؟

وفي «ذاكرة الطين» نلمس استعارتها الحرية من المطر والخصب، حيث تجعل اللقاء شلالًا يفيض بلا عوائق:

وأنا التي استسقت وأنت سحابها

تهمي ودمعي في لقاكَ غزيرُ

هذه النصوص تكشف أن الحرية عندها ليست شعارًا اجتماعيًا فحسب، بل هي تجربة شعرية وجودية. الحرية تتحول إلى نهر، وإلى ريح، وإلى وتر موسيقي، لتصبح القصيدة نفسها مرادفًا للانعتاق والانطلاق

الحرية جوهر الإبداع عند تهاني الصبيح:

إن مسيرة تهاني الصبيح هي رحلة شعرية بحثت عن الانعتاق منذ بداياتها، فواجهت الحصار الاجتماعي والفكري، وتخطت حدود المكان لتصعد نحو فضاءات عربية ودولية. روايتها «وجوه بلا هوية» كانت بداية سؤالها عن الإنسان والعدالة، لكن الشعر هو الذي جسّد حريتها الحقيقية، لأنه الفضاء الذي وجدت فيه ذاتها وصوتها.

قصائدها لم تكن مجرد نصوص أدبية، بل بيانات شعرية عن الحرية: فهي الوتر الذي يعزف، والريح التي تهب، والسحاب الذي يفيض. في هذه الصور تتجلى فلسفتها العميقة، حيث تتحول الحرية إلى قدر وجودي لا ينفصل عن الشعر، ويتحوّل الشعر بدوره إلى مرآة للحرية

تجربة الشاعرة تهاني الصبيح ليست مجرد مسار إبداعي، بل هي رحلة تحرر ووعي. منذ خطواتها الأولى وهي تعلن أن الشعر هو وطنها الأوسع، وأن الكلمة هي جناحها للتحليق. في قصائدها، تتجسد الحرية رمزًا ومعنى: فهي وترٌ يعزف، وريح يوسف تهب بالشوق، وذاكرة طين تفيض بالمطر. هذه الصور ليست زخارف جمالية، بل بيانات شعرية عن الانعتاق والبحث عن المعنى.

لقد جعلت من الشعر مرآة للحرية، ومن الحرية هوية للشعر. وبذلك تميزت نصوصها بقدرتها على الجمع بين العاطفة والرمز، بين الموروث والحداثة، بين الذات والإنسانية جمعاء. فقصائدها لا تقف عند حدودها الشخصية، بل تنفتح على القارئ لتمنحه فرصة أن يرى ذاته فيها.

إن تهاني الصبيح اليوم تمثل أنموذجًا للمرأة السعودية التي كسرت الحصار ورفعت راية الإبداع عاليًا، لتؤكد أن الشعر لا يمكن أن يكون إلا حرًا، وأن الحرية لا تكتمل إلا حين تتحول إلى قصيدة تُنشدها الأرواح وتتناقلها الأجيال.

جيلًا بعد جيل. يتبع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى