أقلام

تهاني الصبيح: تمثلات الذات والمرأة ورسالة الوجود في فضاء الشعر العربي ( الحلقة الثانية)

د. حجي الزويد

ملامح التجربة الشعرية ومساراتها:

تجلّى إبداع تهاني الصبيح في ديوانيها الشعريين «فسائل» و«وجه هاجر»، وهما محطتان أساسيتان في مسيرتها الأدبية. الأول جاء ليؤكد حضورها في المشهد الشعري السعودي والعربي من خلال لغة صافية وصور متجددة، بينما حمل الثاني طابعاً شخصياً عاطفياً أهدته لوالدتها رحمها الله، فغلب عليه الحنين والرثاء العميق الممزوج بالرمزية الوجودية.

قصائدها تنبض بالرمزية والصور المتدفقة، فلا تأتي الصورة عندها مجرد زخرف بلاغي، بل بنية دلالية تفتح النص على مستويات متعددة من التأويل. النص عندها أشبه بمرآة تتقاطع فيها الذات مع الجماعة، والبوح الفردي مع الرمز الكوني.

في قصيدتها وتر تقول:

وترٌ أنا فلتعزفي الوترا

ولتسكُني الإلهام لو حضرا

هنا يتحول الشاعر ذاته إلى وتر، أي إلى أداة موسيقية تعزف على قيثارة الوجود. الصورة تتجاوز بعدها العاطفي لتصبح استعارة عن معنى الكتابة نفسها، حيث يُختزل الشاعر في فعل العزف، وتتحول القصيدة إلى موسيقى روحية تتردد في أذن القارئ.

وفي ذاكرة الطين نجد بعداً وجودياً متجلياً:

وأنا التي استسقت وأنت سحابها

تهمي ودمعي في لقاكَ غزيرُ

هذه الصورة تجمع بين البعد الوجداني والبعد الرمزي؛ فالعلاقة بين الأنا والآخر تُصوَّر من خلال ثنائية الأرض والمطر، العطش والسحاب، الدمع واللقاء. وهنا يتحول الحنين الشخصي إلى استعارة عن رحلة الإنسان في البحث عن الارتواء الروحي واليقين.

أما في ريح يوسف، فتقول:

يا ريح يوسف من يجاري لهفتي

لو للحنين مسافة ونطاقُ؟

يوسف في هذا السياق ليس مجرد رمز قرآني، بل يتحول إلى استعارة عن الشوق الإنساني الكوني، وعن الحنين الذي يتجاوز الفرد ليصبح شعوراً إنسانياً عاماً. الريح التي تحمل أثر يوسف تصبح رمزاً لانتقال الذاكرة والرغبة عبر الزمن والمسافة، وكأنها جسر يربط الماضي بالحاضر.

إن هذه النصوص تكشف عن لغة متينة محكمة السبك، قادرة على الجمع بين البساطة والإيحاء. فهي لغة مألوفة في مفرداتها لكنها عميقة في صورها ودلالاتها، تحمل في طياتها قدرة على النفاذ إلى الوجدان وتحريك الفكر في الوقت ذاته.

التجربة الشعرية عند تهاني الصبيح أيضاً مشبعة بالموروث الديني والتاريخي؛ فهي تستدعي يوسف وهاجر وزمزم لا لتكرر الحكاية، بل لتعيد إنتاجها شعرياً في سياق معاصر. الموروث يتحول عندها إلى رمز مفتوح يضيء أسئلة الغربة، والحنين، واليقين، والحرية.

إلى جانب ذلك، توازن الصبيح بين التجربة الذاتية والهم الجمعي. فهي حين تكتب عن فقدها الشخصي أو عن حنينها الخاص، تجعل النص أفقاً يتسع لتجربة القارئ أيضاً، فيرى القارئ ذاته في مرآة نصوصها. بهذا، يتحول شعرها إلى جسر يربط بين الأنا والآخر، بين الفرد والمجتمع.

تجربتها الشعرية أيضاً تجربة تجديدية؛ فهي وإن ظلت وفية للشعر العمودي من حيث البنية، إلا أنها تُدخل عليه صوراً ورؤى حديثة، فتجعله ينبض بالمعاصرة دون أن يفقد أصالته. هذا المزج بين التقليد والابتكار هو ما يمنح قصائدها قدرة على التواصل مع الأجيال المختلفة.

بهذا، يمكن القول إن تجربة تهاني الصبيح ليست مجرد محطة فردية في المشهد الشعري السعودي، بل هي إضافة نوعية تثبت أن الشعر النسائي قادر على أن يكون صوتاً فلسفياً وجمالياً ووجودياً في آن واحد، وأن المرأة الشاعرة تستطيع أن تعيد صياغة الموروث بلغة جديدة، تفتح النص على أفق الحرية والدهشة والبحث الدائم عن المعنى.

مقارنة بين «فسائل» و«وجه هاجر»:

ديوان «فسائل» كان بمثابة الإعلان الأول عن صوت تهاني الصبيح الشعري. العنوان ذاته يحيل إلى معنى النمو والبداية، حيث الفسيلة رمز للحياة الجديدة، وللانتماء إلى جذور راسخة في الأرض. في هذا الديوان، تتجلى لغة البدايات المفعمة بالأمل والاندفاع، وتسيطر عليه صور الطبيعة والنماء والتجذر في المكان الأحسائي. موضوعاته تميل إلى التأمل في الوطن، والذاكرة، والعاطفة الإنسانية، مع حضور واضح للموروث والرمز الديني الذي يثري النص ويمنحه عمقاً.

أما ديوان «وجه هاجر»، فقد جاء أكثر نضجاً من حيث التجربة والأسلوب. إذا كان «فسائل» يحمل ملامح النمو والانطلاق، فإن «وجه هاجر» يعكس الحنين والفقد، وقد أهدته الشاعرة لوالدتها رحمها الله، فغلب عليه طابع الرثاء المشبع بالرمزية. هاجر هنا ليست فقط رمزاً دينياً، بل استعارة عن الغربة والحنين والرحيل، وعن الأمومة بوصفها طاقة وجودية خالدة. في هذا الديوان، يتعمق الجانب الوجداني والوجودي، وتظهر نزعة فلسفية أوضح، حيث تتحول التجربة الشخصية إلى تأمل عام في قضايا الحب، الغربة، واليقين.

من الناحية الأسلوبية، نجد أن «فسائل» يبرز العفوية والاندفاع الشعوري، مع ميل أوضح إلى الإيقاع العمودي التقليدي، بينما «وجه هاجر» يتسم بـ رصانة لغوية أكبر، واعتماد متزايد على الرمزية والاستعارة الممتدة. هنا تظهر قدرة تهاني الصبيح على المزاوجة بين بساطة العبارة وعمق الدلالة، بحيث يغدو النص قابلاً للقراءة على مستويات مختلفة.

إذن، يمكن القول إن ديوان «فسائل» هو جذور التجربة، بينما ديوان «وجه هاجر» هو ثمار النضج. الأول يعبّر عن بدايات شاعر يبحث عن صوته، والثاني يكشف عن شاعرة ناضجة استطاعت أن تحوّل فقدها الشخصي إلى نصوص تحمل أبعاداً وجودية ورمزية عميقة. وبينهما تتشكل الهوية الشعرية الكاملة لتهاني الصبيح، التي تجمع بين الانتماء إلى التراث والبحث عن حداثة تعبيرية تجعل من الشعر رحلة إنسانية كونية.

الموروث والرمز:

قصائد تهاني الصبيح مشبعة بالرموز، فهي لا تكتفي بالتعبير المباشر، بل تبني نصوصها على شبكة من الدلالات المستمدة من الموروث الديني، والتاريخي، والشعبي. شخصيات مثل يوسف وهاجر وزمزم تتحول عندها إلى صور شعرية متجددة تعبّر عن قضايا إنسانية كبرى: الغربة، الحنين، اليقين، والبحث عن المعنى.

• يوسف في نصوصها ليس فقط نبي الجمال والحلم، بل استعارة عن الشوق الإنساني العابر للزمن، وعن الحلم الذي يرافق الإنسان رغم عتمة السجن والتيه. حين تقول:

«يا ريح يوسف من يجاري لهفتي»، فإنها تجعل من يوسف رمزاً للحلم البعيد الذي يظل يسكن الروح، ويستحضر الوفاء وسط الغياب.

• هاجر تتحول في شعرها إلى أيقونة للغربة والصبر. في ديوان وجه هاجر، تعيد إنتاج القصة القرآنية لتصبح رمزاً لكل إنسان يبحث عن ماء اليقين في صحراء الحياة. بكاؤها في الصحراء لا يُقرأ فقط كحدث تاريخي، بل كصورة أنطولوجية عن العطش الروحي الذي لا يرتوي إلا بالسعي.

• زمزم، بدوره، يتجاوز كونه عين ماء مباركة، ليصبح رمزاً للتجدد والارتواء الداخلي. هو عندها استعارة عن الطمأنينة التي تُفجَّر بالسعي، وعن اليقين الذي يروي الروح وسط قلق الحياة.

وليس الموروث الديني وحده ما يشكل خلفية نصوصها، بل أيضاً الأمثال الشعبية والصور الأحسائية المحلية. فهي ابنة بيئتها التي تمزج بين النخيل والصحراء، بين الورد والقرى، لتجعل من تفاصيل المكان رموزاً شعرية. فالنخلة قد تظهر بوصفها رمزاً للثبات والكرامة، والصحراء استعارة عن الغربة، والمطر رمزاً للتجدد والانبعاث.

إلى جانب الرموز، تستند نصوصها إلى تقنيات بلاغية مثل التشبيه والاستعارة. التشبيه يمنح الصور وضوحاً وقوة، بينما الاستعارة تفتح النصوص على عوالم رمزية أوسع. مثال ذلك قولها في ذاكرة الطين:

«وأنا التي استسقت وأنت سحابها»، حيث يتحول الآخر إلى سحاب، والذات إلى أرض عطشى، في صورة كثيفة تختصر تجربة الحب والحنين والبحث عن اليقين.

كما أن التناص مع القرآن الكريم والحديث الشريف يثري نصوصها بمنحها عمقاً روحياً ولغوياً. فهي تستعير من النص المقدس لا لتكراره، بل لتوظيفه في سياق معاصر يربط الماضي بالحاضر، والمقدس باليومي. وهذا التناص يمنح قصائدها بعداً وجودياً، لأنها تستدعي الرموز الدينية لتجيب عن أسئلة إنسانية: الغربة، الفقد، الحب، الحرية.

بهذا، يتحول شعر تهاني الصبيح إلى جسر بين الموروث والحداثة. الموروث ليس أثراً جامداً، بل طاقة حية توظفها لتفسير التجربة المعاصرة. والرمز عندها ليس زخرفاً جمالياً، بل مفتاح دلالي يفتح النصوص على معانٍ جديدة، ويجعل القارئ يشارك في عملية التأويل.

في النهاية، يمكن القول إن قصائدها ترسم خارطة رمزية حيث يتحول الحب إلى نهر يغمر، والحنين إلى غيم يظلّل، والقصيدة إلى جسر يعبر به القارئ نحو المعنى. هذا البعد الرمزي يمنح شعرها قدرة على أن يعيش طويلاً، لأنه يترك مسافة بين النص والقارئ، مسافة هي مجال التأمل والدهشة والتجدد،

رؤية تهاني الصبيح النقدية:

تصرح تهاني الصبيح بجرأة أن النقد في المشهد الأدبي السعودي لا يرقى دائماً إلى مستوى النصوص، بل إنه في كثير من الأحيان يخضع لمنطق العلاقات الشخصية والمجاملات أكثر مما يستند إلى أدوات علمية أو منهجية نقدية دقيقة. هذا الموقف يكشف عن وعيها العميق بمشكلة ضعف المؤسسة النقدية في العالم العربي عموماً، والسعودي خصوصاً، حيث يطغى الانبهار بالحدث الأدبي أو بشخصية المبدع على قراءة النصوص قراءة متأنية تكشف عن بنياتها الجمالية والفكرية.

وترى أن تجربتها الشعرية – رغم حضورها في المحافل المحلية والعربية – لم تُدرس بعد دراسة نقدية معمقة تكشف أبعادها المختلفة، سواء من حيث بنيتها الجمالية أو رموزها أو بعدها الفلسفي. فهي تدرك أن حضورها الجماهيري والجوائز التي نالتها لا تكفي لترسيخ اسمها أدبياً إذا لم يرافقها تفكيك نقدي جاد يضيء منجزها ويضعه في سياق الحركة الشعرية السعودية والعربية.

تطمح إلى أن تجد ناقداً يتعامل مع نصوصها بجدية، بعيداً عن المجاملات التي قد تُلمّع النصوص شكلياً لكنها تحجب نقاط القوة والضعف معاً. بالنسبة لها، النقد ليس تهديداً، بل فرصة لإعادة ترتيب الأدوات الشعرية، ومساءلة الذات، والانطلاق بروح جديدة نحو فضاءات أرحب من الإبداع. إنها ترى في النقد مرآة لا بد أن ينظر فيها الشاعر، لا ليبحث عن المديح، بل ليختبر صلابة نصوصه وقابليتها للاستمرار.

كما تعي أن غياب النقد الجاد قد يترك النصوص في دائرة الاستهلاك اللحظي، حيث يتفاعل معها الجمهور في المهرجانات والأمسيات، ثم تُنسى دون أن تُثبت مكانتها في الذاكرة الأدبية. من هنا، تؤكد حاجتها إلى دراسات أكاديمية وأطروحات جامعية تعالج شعرها من زوايا متعددة: التناص، البعد الوجودي، الجمالية اللغوية، والرمزية.

رؤيتها للنقد تتجاوز ذاتها أيضاً؛ فهي لا تتحدث عن تجربتها وحدها، بل تشير إلى أزمة عامة في المشهد الأدبي السعودي، حيث ما زال النقد في أحيان كثيرة أسير الذائقة الشخصية أو الانطباعات السريعة. وهي تؤمن أن الحركة الأدبية لا تكتمل إلا بثلاثة أضلاع: المبدع، المتلقي، والناقد، فإذا ضعف ضلع النقد اختل التوازن وأصبح النص أسيراً لقراءة مبتورة.

بهذا الموقف، تكشف تهاني الصبيح عن نضج فكري يوازي نضجها الشعري، فهي لا تبحث عن الاعتراف المجامل، بل عن النقد الحقيقي الذي يفتح النصوص على احتمالات جديدة. إنها باختصار ترى النقد جزءاً من رحلة الإبداع، لا مجرد تقييم خارجي، بل حواراً داخلياً مستمراً بين النص والقارئ والناقد، يتيح للشعر أن ينمو ويتجدد مع الزمن.

الحرية والهوية في منظورها الشعري:

ترى تهاني الصبيح أن الحرية هي الشرط الأول لولادة الشعر، إذ لا يمكن للقصيدة أن تتنفس في فضاء مكبّل. الشاعر عندها طائر يحلّق بجناحين من حب ورحمة، ويصبح صدى لمن لا صوت له، وحارساً لقيم الجمال والنقاء. لذلك فهي تعتبر أن الحرية ليست مطلباً خارجياً فحسب، بل حالة داخلية تنبع من وعي الشاعر بدوره ومسؤوليته.

وقد عبّرت عن ذلك بوضوح حين قالت: «الشاعر لا يولد إلا حراً». هذا التصريح يكشف عن إيمانها بأن الحرية شرط إبداعي وجودي، وأن النص المقيد لا يمكن أن يكون شعراً حقيقياً مهما بلغ جمال صياغته.

أما في مسألة الهوية، فهي ترفض تماماً تقسيم الأدب إلى ذكوري وأنثوي، معتبرة أن النص هوية مستقلة بذاته، وأن القصيدة لا تُختزل في جنس كاتبها. تقول في أحد حواراتها: «القصيدة روح الشاعر وتجليات أفكاره وصوره، ولا تنتمي إلى جنس أو تصنيف». بهذا الموقف، تحرر النصوص من التصنيفات الضيقة، وتعيد الاعتبار للقصيدة كعمل فني مفتوح على جميع القراء.

حتى في نصوصها، يتجلى هذا الوعي بالحرية والانتماء الإنساني. ففي قصيدتها وتر تقول:

وترٌ أنا فلتعزفي الوترا

ولتسكُني الإلهام لو حضرا

هنا يظهر الشاعر في صورة وتر موسيقي، لا رجل ولا امرأة، بل أداة إنسانية للعزف والإبداع. وفي ديوان وجه هاجر، حين تستدعي رمز هاجر، فهي لا تستحضرها كأم فقط، بل كرمز كوني للغربة والصبر، مما يجعل الهوية الأنثوية عندها منفتحة على معانٍ إنسانية أوسع.

بهذا المعنى، يمكن القول إن الحرية والهوية عند تهاني الصبيح ليستا شعارات، بل فلسفة كتابة، تجعل شعرها مساحة انعتاق من القيود، ومنصة للبوح الإنساني الشامل الذي يعانق المختلف والمتعدد.

مقارنة مع الشاعرات العربيات:

•فدوى طوقان: رأت الحرية من زاوية نضالية مرتبطة بالوطن والاحتلال، فجعلت شعرها مساحة مقاومة وصوتاً سياسياً يعبّر عن معاناة الشعب الفلسطيني. الحرية عندها حرية جماعية قبل أن تكون فردية، وهو ما جعل قصائدها تنبض بالرفض والتحدي.

• نازك الملائكة: ارتبط مفهوم الحرية لديها بالتجديد الشعري. حررت القصيدة العربية من الوزن التقليدي وأطلقت حركة الشعر الحر. عندها الحرية تعني التحرر من قيود الشكل وبناء أفق جديد للقصيدة.

• سعاد الصباح: وظفت الحرية في بعدها العاطفي والشخصي، فكان شعرها مساحة للتعبير عن الأنوثة والحب والذات، مما جعل هويتها الشعرية مشبعة بالبُعد الوجداني الفردي.

• تهاني الصبيح: تميزت بأنها جمعت بين هذه الأبعاد الثلاثة (الوطني، التجديدي، الشخصي) وأضافت إليها بعداً وجودياً فلسفياً. فهي ترى الحرية شرطاً أنطولوجياً للقصيدة، وترفض في الوقت نفسه أن يُحصر النص في هويته الجندرية. القصيدة عندها إنسانية شاملة، حتى وإن انطلقت من تجربة ذاتية أو نسائية

هوية النص الشعري عند تهاني الصبيح:

في نصوص الشاعرة تهاني الصبيح يتجلى الحس الأنثوي الرقيق ممتزجاً بالقوة الرمزية التي تمنح القصيدة عمقاً واتساعاً.

العاطفة عندها تتحول إلى صورة كونية، فالحب نهر يغمر الوجدان ويعيد تشكيل الروح، كما تقول: «وترٌ أنا فلتعزفي الوترا».

أما الغربة فتتجسد في صورة هاجر التي تعكس الرحيل والبحث عن الجذور، كما في ديوانها «وجه هاجر».

اليقين عندها مدار للتجلي الروحي ومنطلق لاتساع الأفق، كما نلمس في قولها: «وبلغتُ من فعل اليقين مداركاً».

قصائدها تمزج بين البوح الشخصي والرمز الجمعي، فتجعل التجربة الذاتية مرآة للهم الإنساني العام.

الاستعارات التي تستخدمها ليست مجرد زخرف لغوي بل مفاتيح لفهم المعنى العميق للنص.

خيالها الشعري خصب، يستعير من الموروث الديني والتاريخي، كما في قولها: «يا ريح يوسف من يجاري لهفتي».

وفي موضع آخر، تستدعي رموز الكون لتفتح النص على آفاق كونية: «قلبٌ أنا حول المجرّة سافرا».

بهذا تصبح نصوصها فضاءً للتأمل في قضايا الحرية، والوجود، والحنين، والانتماء، فتغدو رحلة فلسفية وجدانية تتجاوز حدود اللحظة الفردية.

صورها الشعرية جسور بين الذات والعالم، وبين الماضي والحاضر، وبين التراث والحداثة، كما في «ذاكرة الطين»: «وأنا التي استسقت وأنت سحابها» حيث يتحول الحنين إلى صورة مطرية مشبعة بالرمز.

قصائدها تحاكي الروح بقدر ما تخاطب الفكر، وتستدعي القارئ إلى المشاركة الوجدانية والفكرية معاً.

هذا التمازج بين العاطفة والرمز يمنح نصوصها بعداً وجودياً يجعلها أبعد من مجرد كلمات موزونة، لتصبح مرآة لهويتها وامتداداً لوعيها الإنساني العميق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى