
السيد فاضل آل درويش
لطالما تواردت الأسئلة الكثيرة لفهم حقيقة الإنسان والتعرف عليه بدقة، والإجابة على هذا التساؤل المهم كانت محط نظر الأفكار المتنوعة لمختلف المدارس الناظرة لتكوين الإنسان من جانب مادي وروحي، كما يُلحظ فيه حركته بين قيادة العقل الواعي والمدرك لحقائق الأمور وتبعاتها وتحمل مسؤولية النتائج والعواقب، أو الانقياد للدوافع الغريزية والأهواء المتفلّتة التي تلقيه إلى هاوية الرذائل والنقائص، فلا يمكن فهم حقيقة الإنسان دون إدراك الأبعاد الثلاثية له ( البدن – النفس – العقل ) ومدى الانسجام والتفاعل والتآزر بينها في طريق التكامل والتوازن الفكري والوجداني والانفعالي، وهذا وجود الإنسان والتجارب التي خاضها في مختلف ميادين الحياة كاشفة عن مسار أخلاقي وسلوكي ينمّ عما يختزله في داخله من قيم ومعانٍ وأفكار، ودون شك أن النفس بما تحمله من غرائز وأهواء تواجه معركة وصراعًا مع مدركات العقل الواعي في مختلف أحاديثه وقراراته وخطواته وتصرفاته، ومتى ما قرّر أن يكون إنسانًا نبيلًا وكائنًا مكرّمًا فهذا يعني كبح لجام النفس الأمارة بالسوء وتفعيل الضمير الحي والتحلي باليقظة النفسية تجاه ذاته والعوامل المؤثرة فيها من حوله، والسقوط في الهاوية والإبحار بعيدًا عن الكمال الإنساني هو الغرق في مستنقع الشهوات دونما حساب و إن أدّى ذلك إلى التحوّل إلى الحياة البهيمية دون مراقبة أو محاسبة.
البدن هو المكوّن الظاهري للإنسان الذي يتفاعل مع العالم المحسوس وله أهمية محورية، فهو الأداة التي تنفّذ الأوامر الصادرة من النفس أو العقل، إذ هو الوسيلة التي تتحقق بها الشهوات أو الفضائل بحسب ما ينقاد له الفرد في حركته وسلوكه.
وأما النفس فهي ساحة الصراع ومفترق الطرق بين الخير والفضيلة أو الشر و الظلم، والنفس مركّبة من غرائز وشهوات متعدّدة وهي ضرورية لبقاء الإنسان، ولكنها قد تتحوّل إلى أدوات تدمير إذا انفلتت من الضوابط العقلية والأخلاقية مثل حب المال المفرط الأنانية والتكبّر.
ولذا نجد التحذير القرآني من حالة الفجور والانغماس في الشهوات والانسياق التام خلف الأهواء دون وازع (ضابط) مهما كانت النتائج.
العقل هو المكوّن الأكثر سموًّا وتجريدًا في الإنسان، وهو الملكة التي تُمَكِّن الإنسان من إدراك الحقائق والتمييز بين الخير والشر، وتحكيم العقل لا يعني قتل المشاعر أو كبت الرغبات الطبيعية، بل يعني توجيهها في مسارات متّزنة تحقق التوازن بين مطالب الجسد وغايات الروح، ولهذا فإن الإنسان الكامل هو من استطاع أن يُخضع نفسه لحكم العقل لا أن يُخضع عقله لأهواء النفس، والكمال الإنساني ليس حالة تُكتسب مرة واحدة بل هو تزكية النفس من الأهواء والمشاعر السلبية وتحكيم العقل.
إن هذا التصوّر ثلاثي الأبعاد للإنسان ( بدن – نفس – عقل ) يمنحنا رؤية واضحة لطبيعتنا، ويساعدنا على فهم أسباب السقوط أو الارتقاء الأخلاقي، فحين يُغفِل الإنسان عقله و يسلّم نفسه لشهواتها يصبح عبدًا لنزواته، أما إذا رجع إلى عقله وتحمّل مسؤولية قراراته فإنه يضع قدميه على طريق الإنسانية الحقّة.