
عماد آل عبيدان
وجوه من القطيف
الوجاهة ليست صدر المجلس، الوجاهة ظهر يسند الناس.
في القديح، حيث تتداخل أصوات المؤذّنين مع خرير العيون القديمة، ويمتزج ظل النخل بعطر التاريخ، وُلد السيد شرف بن حسن بن صالح السعيدي (أبو علوي) عام 1377هـ، في بيت متدين عرف بالكرم وحسن التربية. هناك، في أزقّة البلدة التي تشبه حكاية الزمن، تفتّح وعي الطفل على فكرة بسيطة عميقة: أن الكلمة نور، وأن الإنسان لا بما يملك، إنما بما يُعطي.
البدايات…وعيٌ يُزهر من الحرف
بدأ رحلته في الكُتّاب يحفظ شيئًا من القرآن الكريم، ويتعلم الحروف على أرض طينية و ألوح الخشب. كان التعليم في بيئته عبادة وكرامة، فواصل طريقه بثبات رغم محدودية الفرص. التحق بمدرسة سلمان الفارسي في القديح ليتقن القراءة والكتابة، ثم نال الابتدائية عام 1389هـ، فالمتوسطة بمدارس القطيف عام 1393هـ، ومنها إلى المدرسة التجارية بالدمام التي تخرج منها عام 1396هـ. وحقق الترتيب الثاني على مستوى المملكة
لم يكتفِ بذلك، فتابع دراسته الجامعية منتسبًا أثناء عمله حتى نال بكالوريوس الإدارة العامة من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، جامعًا بين واجب الوظيفة وساعات المذاكرة في رحلة جسّدت صبره الدؤوب وإيمانه بأنّ الطموح لا يشيخ ولا يهرم.
من المصرف إلى الكهرباء… الإدارةُ عقلٌ ورسالة
بدأ مشواره المهني في بنك الرياض (1396–1402هـ)، متنقّلًا بين قسم المحاسبة وإدارة الحسابات والضمانات حتى تم ترشيحه مساعدًا لمدير فرع تاروت أثناء افتتاحه بجانب المرحوم محمد سعيد المسلم، حيث كان من المساهمين في افتتاح فرع البنك بتاروت.
ومن عالم الأرقام والقيود انتقل إلى عالم الطاقة والعمل الوطني، فالتحق عام 1402هـ بـ الشركة السعودية للكهرباء (سكيكو)، حيث خدم ستًّا وعشرين سنة حتى عام 1427هـ، وتقلّد مناصب قيادية بارزة، منها مدير دائرة الرواتب المركزية بالمنطقة الشرقية.
شارك في أكثر من ثلاثين دورة تدريبية داخل المملكة وخارجها في مجالات الإدارة والتخطيط والتطوير، حتى غدا مثالًا في الانضباط والدقّة والقيادة المتزنة. وفي رجب 1427هـ اختار التقاعد المبكّر، ولكنه لم يتقاعد من العطاء؛ إذ انتقل من كهرباء الأبراج إلى إنارة القلوب والمجتمع.
جمعيةُ مضر… مدرسةُ العمل الخيريّ المؤسّس
منذ عام 1398هـ، انطلق متطوعًا في جمعية مضر الخيرية بالقديح، وانتُخب بعدها بعام عضوًا في مجلس إدارتها. ومنذ تلك اللحظة بدأت مسيرة الصعود: أمين صندوق، نائب رئيس، فرئيس حتى عام 1413هـ، ثم عاد إلى الرئاسة بين 1427 و1433هـ. فتراكمت خدمته في مجلس ادارة جمعية مضر الخيرية عشرين عامًا.
في عهده تغيّرت فلسفة العمل الخيري؛ إذ نقل الجمعية من “ردّ الفاقة” إلى “صناعة التنمية”، فأطلق مشروعات استثمارية وتجارية جعلت من الجمعية كيانًا مستدامًا لا يعتمد على التبرعات الطارئة. وكان يؤمن أن:
«الخير لا يُدار بالعاطفة وحدها، إنما بالعقل والنظام والتخطيط السليم.»
تحت قيادته تأسّس أول مركزٍ لرعاية المكفوفين في محافظة القطيف، ونشطت اللجان واتّسعت البرامج، فصار العمل الإنساني أنموذجًا للحوكمة الرحيمة والعقل المؤسسي المنظّم. لم يكن يدير مؤسسة بمالها فحسب، كونه كان يُنظّم الوجدان الجماعي لأهل بلدته.
نادي مضر… مدرسة الانتماء والهوية
في موازاة العمل الخيري، كان السعيدي حاضرًا في نادي مضر الرياضي والثقافي منذ شبابه، لاعبًا ومشرفًا على لجانه الرياضية والثقافية. رأى في النادي مدرسة للانتماء والتعاون، ومختبرًا يصنعُ الرجال قبل البطولات.
كان يُحفّز المتفوّقين ويسأل — بلهجة أبٍ ومربٍّ —:
«أين حصيلة القديح في منصّات التميّز؟»
فكانت كلماته جرسًا يوقظ الحماسة في مدارس البلدة وشبابها.
المجلس البلدي…بتحول الوجاهة إلى مسؤولية
انتُخب عضوًا ثم رئيسًا للمجلس البلدي بمحافظة القطيف، فجمع بين التجربة الإدارية والروح الإنسانية، وجعل من المجلس منبرًا للفعل لا للقول. وفي زمن رئاسته كان حاضرًا في كل قضية تمسّ الناس والمكان، صوتًا متزنًا، ورؤيةً تحمي المصلحة العامة.
عين الغرّة… نداء الأرض الذي لبّاه الوجيه
في 20 ربيع الأول 1440هـ، شهدت حديقة عين الغرّة في القديح هبوطًا أرضيًا مفاجئًا، لتنكشف فجوة بعمق خمسة أمتار وعرض ثمانية، في موضع العين التاريخية التي كانت تسقي بساتين البلدة.
تحركت بلدية القطيف للفحص، ولكن السيد شرف — بحسه التاريخي وانتمائه العميق — بادر فورًا لمناشدة هيئة السياحة والتراث الوطني بعدم طمس الموقع، معتبرًا العين رمزًا لهوية المكان، وموروثًا لا يُدفن. تناولت الصحف المحلية الحدث بعنوان لافت:
«هل تُسكت البلدية بوادر ثورة عين الغرّة في القديح؟»
كان صوته حينها ضمير البلدة، إذ رأى في الهبوط الأرضي صرخةَ هوية تستنجد بأبنائها. الواقعة ما كانت حادثًا جيولوجيًا، إذ كان يقظة رمزية لضمير المجتمع، والوجيه هو أوّل من لبّى النداء.
الوجاهةُ الفاعلة… بين الإدارة والإنسان
لم يقف عطاؤه عند حدود المنصب؛ فقد كان عضوًا في لجنة اصلاح ذات البين بهيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية وتم تكليفه من قبل مقام امارة المنطقة الشرقية سكرتيرًا للجنة التنفيذية المؤقتة لجمعية المعاقين بالقطيف ( تحت التأسيس ) وعضوًا في لجان إصلاح ذات البين، وشارك في اللقاءات الوطنية للحوار الفكري، حيث شارك في الجلسة التحضيرية للحوار الوطني : الخدمات الصحية بين «المطالب» و«التطلعات» بتاريخ ٢٣ ذي القعدة ١٤٣٠، كما حضر ضيفًا ومتحدثًا في منتدى الثلاثاء الثقافي.
في كل هذه الأطر، ظلّ صوته متّزنًا، يجمع بين التجربة العملية والرؤية الوطنية، بين خبرة الإدارة وإنصات الحكمة. وما يزال يقدم خدماته لمجتمعه حيث يصلي على جنائزهم ويلقن موتاهم ويصلي صلاة الهدية وصلاة جعفر على موتى الاهالي من ابناء بلدته القديح.
البيتُ المضيء… امتداد الأثر في الأبناء
يُفاخر المجتمع بأنّه والد الاستشاري الدكتور علوي شرف السعيدي استشاري التخدير والعناية المركزة بمدينه الملك عبد العزيز الطبيه للحرس الوطني بالرياض، وهو أحد الكفاءات الطبية المرموقة في المنطقة. وكذلك ابنه السيد هاشم أحد الخطباء الذي يرتقي منبر الحسين عليه السلام ذلك الامتداد الأسري الذي هو استمرار لنهج قوامه الحبّ والنظام والإيمان بالعلم والعمل وليس بالنسب فقط.
خلاصة السيرة… من كهرباء الوظيفة إلى إنارة القلوب
من بنك الرياض إلى الشركة السعودية للكهرباء، ومن جمعية مضر إلى المجلس البلدي، ومن نادي مضر إلى منتدى الثلاثاء، ومن إدارة الأرقام إلى لغة القلوب — امتدت مسيرته كجسرٍ بين النظام والإنسانية.
لم يسعَ إلى الأضواء، ولكنّ الأضواء لحقت بخطاه. لم يرفع صوته، بل رفع الناس من حوله.
إنه السيد شرفُ الاسم والمقام، وسعيدُ الأثر والمآل.
« الوجاهةُ ليست تصدر المجالس، الوجاهةُ ظهرٌ يسند الناس.»
▪️ المراجع:
– معجم أعلام القطيف
– منتدى الثلاثاء الثقافي
– صحيفة القطيف اليوم
– جهات الإخبارية
– صُبرة نيوز
– توثيقات مرئية وميدانية (عقيل الجارودي، يوتيوب، وجهات محلي.
ة)