
السيد فاضل آل درويش
عش الزوجية هو بناء عاطفي وروحي ترسو أركانه على الرحمة والحب والاحترام المتبادل، وللأسف كثير من العلاقات الأسرية تنهار بسبب غياب المشاعر الصادقة وتغلب لغة العناد والأنانية على ثقافة الحوار والتغافل ( التجاوز عن الزلات البسيطة ) والتراحم والتفاهم حول نقاط الخلاف.
العناد داخل العلاقات – خصوصًا الزوجية – لا يُنتج إلا مزيدًا من الجفاء ويُراكم الإحباطات الصغيرة التي تتحول لاحقًا إلى حواجز نفسية بين أفراد الأسرة، وفي المقابل فإن البيت الزوجي يحتاج قلبًا واسعًا يستوعب الآخر ويقدّر ضعفه ويحتوي تقلباته، ولا يهاجمه عند كل لحظة ضعف أو خطأ وكأنه يتصيّد الزلات.
الحياة المشتركة لا تخلو من الاختلافات لكن تجاوزها لا يكون بالمكابرة وتجاهل وجود الآخر ومشاعره، فالكلمة الطيبة تهدّيء الخواطر وتفتح قناة للتفاهم وتبادلوجهات النظر بعيدًا عن الانفعالية والتأزّم، فالكلمة الطيبة ضرورة عاطفية تبني الجسور وتخفّف التوترات بين الزوجين، الكلمة الطيبة تخلق شعورا بالأمان وتعزّز الروابط النفسية بين الأزواج، فالتواصل الإيجابي هو مفتاح الاستقرار العاطفي داخل الأسرة والكلمة اللينة قادرة على نزع فتيل كثير من النزاعات قبل أن تبدأ.
في العلاقات الزوجية تعد لغة الاحترام قوام العلاقة وأساس استقرارها وترسّخها ورسوها على شاطيء الأمان، الاحترام يظهر في نبرة الصوت وفي الإنصات وفي اختيار الكلمات، وفي القدرة على التقدير حتى وسط الخلاف وغيابه يقود سريعًا إلى التحقير ومن ثَمّ انهيار جسور التواصل بين الطرفين.
التغافل عن الزلات البسيطة لا يعني قبول الإهانة أو السكوت عن الظلم بل هو مهارة راقية يتقنها الناضجون نفسيا ووجدانيًّا، والذين يدركون أن تضخيم الزلات الصغيرة هو طريق سريع لتآكل المشاعر وجفافها، ففي كل علاقة هناك سلوكيات مزعجة وتفاصيل يومية قابلة للنقد، ولكن الحكيم هو من يميز بين ما يستحق الوقوف عنده وما يمكن تجاهله للحفاظ على صفو العلاقة، بل إن التغافل أحيانًا يكون أذكى من المواجهة لأنه يمنح الآخر فرصة للمراجعة الذاتية دون إشعال النزاع ويحفظ الهيبة ويعكس نضجًا في إدارة الخلافات.
الإهمال بين الزوجين لا يحدث فجأة بل يتسلل بصمت حين يظن كل طرف أن الآخر سيفهم لوحده أو ليس الوقت مناسبًا الآن، ثم تتحول العلاقة تدريجيًّا إلى شراكة باردة تخلو من الدفء الذي يُبقيها على قيد الحياة وتدخل علاقتهما نفق البرود العاطفي.
علينا أن ندرك أن الحفاظ على البيت مسؤولية مشتركة تتطلب وعيًا ونضجًا وقدرة على ضبط الذات، فإذا أراد كل طرف أن ينتصر على الآخر خسر الطرفان وهذه حقيقة تغيب عندما تحتدم المشاكل وتغيب لغة التفاهم بين تفاصيل الخلافات، والدور البنّاء في العلاقة الزوجية يعني العمل المشترك على بناء جسور التفاهم والمحبة والثقة، والقدرة على معالجة نقاط الخلاف مع مراعاة ظروفهما والوصول إلى الحلول الممكنة والمرضية.