
د. حجي الزويد
ماذا يحدث إذا كان الطفل يرضع طبيعي وصناعي في الوقت نفسه؟
تعتقد بعض الأمهات أن الجمع بين الرضاعة الطبيعية والصناعي يحقق نوعًا من التكامل الغذائي لأطفالهن، فجانب النقص في الرضاعة الطبيعية يتم تعويضه بالحليب الصناعي، وهذا واقعًا غير صحيح ومجافٍ للحقيقة، فالرضاعة الطبيعية تحقق تغذية متكاملة للطفل الرضيع، وموارد إدخال الحليب الصناعي بجانب الرضاعة الطبيعية ضيف جدًّا ولدواع طبية يحددها الطبيب المختص.
لذا، فإن الجمع بين الرضاعة الطبيعية والحليب الصناعي (التغذية المزدوجة) لا يحقق تكاملًا غذائيًا وهو ذو فوائد محدودة، وقد يسبب الحليب الصناعي أضرارًا صحية كما نشير إلى ذلك.
يمكنني تقسيم الأضرار الناتجة عن التغذية المزدوجة إلى قسمين: أضرار تمس الرضاعة الطبيعية نفسها، ونتيجة لذلك أضرار على الطفل الرضيع.
أولًا: الأضرار المحتملة على الرضاعة الطبيعية:
1. انخفاض إنتاج حليب الأم:
الحليب الصناعي يُشبع الطفل لفترة أطول، فيرضع من الأم مرات أقل، وهذا يؤدي إلى قلة الرضاعة الطبيعية وبالتالي يقل تحفيز الثدي لإنتاج الحليب، فيضعف الإدرار تدريجيًا.
2. رفض الطفل للرضاعة الطبيعية: (حيرة الحلمة):
حلمة الرضاعة الصناعية أسهل في المص، فيميل الطفل إلى رفض الثدي أو يصبح مزاجيًا أثناء الرضاعة، وهذه المشكلة تظهر كثيرًا عند البدء بالحليب الصناعي قبل عمر 6–8 أسابيع.
3. اضطراب مواعيد الرضاعة:
اعتماد الطفل على الحليب الصناعي يجعل جدول رضاعته غير منتظم، مما يربك الأم ويصعّب الحفاظ على الإرضاع المنتظم.
ثانيًا: الأضرار على الطفل:
1. اضطرابات في الجهاز الهضمي:
الانتقال بين نوعي الحليب يسبب غازات، مغص، إمساك أو إسهال، خاصة عند اختلاف نوع الحليب الصناعي أو تغييره المتكرر، وواقعًا تردني كثير من الاستفسارات يوميًّا حول هذا الجانب، وغالبية الحالات تكون حالات إمساك وارتجاع، وقبل التواصل معي تم وضع الطفل على أنواع مختلفة من الحليب لشركات عدة، وكان توجيهي في هذه الحالات التي تواصلت معي هو إيقاف الحليب الصناعي، ففي إيقافه حل جذري لهذه الأعراض، و قد استجابت كثير من الامهات لذلك واختفت تلك الأعراض.
2. زيادة خطر التحسس أو الحساسية من بروتين الحليب البقري:
التعرض المبكر لبروتينات الحليب الصناعي قد يثير الحساسية عند بعض الأطفال، حتى مع التحسينات التي أحدثتها شركات الحليب على البروتين الموجود في منتجاتها فلا يزال بعيدًا عن خصائص حليب البروتين في حليب الأم.
3. اختلاف في امتصاص الفيتامينات والمعادن:
حليب الأم متوازن طبيعيًا، بينما الصناعي يحتوي على أملاح ومعادن أكثر تركيزًا، مما قد يجهد الكلى إن لم تُحسب الكميات بدقة. على سبيل المثال، حليب الأم يحتوي على كمية قليلة من الحديد، ولكن امتصاصه ممتاز وأفضل من امتصاص الحديد في الحليب الصناعي.
4. زيادة احتمال الالتهابات:
الدراسات العلمية أظهرت أن الأطفال الذين يعتمدون على الحليب الصناعي لديهم:
• زيادة في التهابات الجهاز التنفسي (الزكام، التهاب الأذن)
• زيادة في التهابات المعدة والأمعاء
• ارتفاع بسيط في نسب دخول المستشفى خلال السنة الأولى من العمر
كلما طالت فترة الرضاعة الطبيعية (حتى الجزئية)، قلّت هذه المخاطر تدريجيًا
لذا، فإن الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا فقط لديهم مناعة أقوى؛ وإن إدخال الصناعي يقلل من هذا التفوق المناعي.
سنشرح ذلك بشيء من التفصيل.
أولًا: حليب الأم يوفر مناعة حيوية للطفل ليست موجودة في الحليب الصناعي:
حليب الأم ليس مجرد غذاء، بل سائل مناعي حيّ يحتوي على:
• الأجسام المضادة (IgA, IgG, IgM)
• خلايا مناعية حية (خلايا T وبلعميات)
• عوامل مضادة للفيروسات والبكتيريا (مثل اللاكتوفيرين والليزوزيم)
هذه المكوّنات تغطي جدار الأمعاء وتشكل “درعًا واقيًا” أو ما يعبر عنه بالغلاف الذهبي الجهاز الهضمي الذي يمنع دخول الميكروبات، أما الحليب الصناعي، فيفتقر إلى هذه العناصر المناعية الحيوية، فيبقى جدار الأمعاء أقل حماية وأكثر نفاذية للجراثيم.
ثانيًا: اختلاف تأثير الحليب على المايكروبيوم المعوي (Gut Microbiome):
الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا يمتلكون بكتيريا نافعة (مثل Bifidobacteria وLactobacilli) تهيمن على أمعائهم، وهي تفرز أحماضًا خفيفة تحمي من الجراثيم الممرضة، بينما الأطفال الذين يرضعون حليبًا صناعيًا، تتكوّن لديهم أنواع بكتيرية مختلفة وأقل توازنًا، مما يجعل بيئة الأمعاء أكثر عرضة للالتهاب والعدوى.
وهذا الاختلاف في المايكروبيوم يفسّر لماذا الرضع بالحليب الصناعي أكثر عرضة لالتهابات الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي.
وخلاصة جميع الدراسات تتفق على أن حليب الأم:
• يحوي خلايا وعوامل مناعية حية.
• يغذي البكتيريا النافعة ويقوّي جدار الأمعاء.
•يقلل خطر التهابات الجهاز التنفسي والهضمي بنسبة ملحوظة مقارنة بالحليب الصناعي.
الإدخال المبكر جدًّا للحليب الصناعي: وهم “التعويد على الحليب الصناعي:
ومن الأمور التي لاحظتها، هو إدخال الحليب الصناعي في سن مبكر جدًّا، خلال الأسبوع الأول أو الشهر الأول من عمر الطفل، وتفسير تلك الأمهات لذلك، كي يتعود الطفل على ذلك، لأنهن يرين أنه إذا تأخر إدخال الحليب الصناعي لاحقًا، قد يرفضه الطفل واقعًا.
أود الإشارة إلى هذا الخطأ الكبير الذي تقدم عليه بعض الأمهات من ناحيتين: علمية ونفسية:
من الناحية الصحية والعلمية:
إن إدخال الحليب الصناعي في الأيام أو الأسابيع الأولى من عمر الطفل ليس له أية فائدة طبية، بل قد يسبب مشكلات متعددة:
1.يضعف الرضاعة الطبيعية مبكرًا
لأن معدة المولود صغيرة جدًا (بحجم ملعقة صغيرة تقريبًا في الأيام الأولى)، وإعطاؤه الحليب الصناعي يشبعها سريعًا، فيرضع من الأم أقل، فينخفض التحفيز لهرمون البرولاكتين المسؤول عن إدرار الحليب، فتبدأ الأم تشعر بأن حليبها “قليل”، فتزداد كمية الصناعي — فيدخل الطرفان في دائرة مغلقة من الفطام المبكر.
2. يغيّر المايكروبيوم المعوي الطبيعي للرضيع:
الدراسات أوضحت أن إدخال الحليب الصناعي خلال أول شهر من العمر يغيّر تركيبة بكتيريا الأمعاء ويؤثر في نضج المناعة، ما يزيد قابلية الطفل لاحقًا للالتهابات والحساسية
3. يزيد خطر التحسس من بروتين الحليب البقري:
لأن الجهاز المناعي في هذا العمر غير مكتمل النضوج، والتعرّض المبكر لبروتينات الحليب البقري قد يثير حساسية مستقبلية لدى بعض الأطفال.
4. قد يسبب اضطرابات هضمية مبكرة:
مثل المغص، الغازات، الإمساك، والارتجاع، نتيجة اختلاف تركيبة الحليب الصناعي عن حليب الأم، كما تقدم الحديث عنها بالأعلى.
ثانيًا: من الناحية النفسية:
الاعتقاد الشائع بأن “الطفل يجب أن يتعود على الصناعي حتى لا يرفضه لاحقًا” هو فكرة خاطئة مبنية على الخوف لا على العلم، فالطفل لا “ينسى” الرضاعة الصناعية ولا يرفضها لاحقًا إلا إذا كانت الرضاعة الطبيعية ناجحة ومريحة له.
والجانب الخطير في الموضوع، هو أن إدخال الصناعي مبكرًا بدعوى “التعويد” يربك الطفل في طريقة المصّ بين الحلمتين، ويؤدي أحيانًا إلى ارتباك الحلمة (nipple confusion)، مما يجعل الطفل يرفض ثدي أمه لاحقًا بدل أن يتعوّد عليهما معًا.
التعويد الحقيقي ليس على الزجاجة، بل على الحضن، والدفء، ورائحة الأم، ومن يرضع من حليب أمه، لا يحتاج أن “يتعوّد” على غيره، ثم إن تعريض الطفل للحليب الصناعي مبكرًا يحرمه من درع المناعة الطبيعي في حليب الأم، ويغيّر بكتيريا أمعائه، ويزيد فرص التحسس والالتهابات.
ما قبل الختام:
وقبل أن أختم الموضوع، أشير هنا إلى أبرز الأسباب التي وجدتها خلال تواصل الأمهات معي حول سبب لجوءهن إلى إدخال الحليب الصناعي في غذاء أطفالهن:
احتمالية وجود ظرف لديها، كخروجها للتسوق، أو لموعد في المستشفى أو لحضور مناسبة اجتماعية مثل حفلات الزواج أو حضور شبكة وما شابه ذلك.
هذه الأسباب ليس أسباب علمية تدفع لإدخال الحليب الصناعي، حيث يمكن استخدام عملية الشفط مسبقًا وتخزين الحليب لاستخدامه خلال ذلك الظرف.
ولدي شواهد على أمهات كان لديهن توأم، وأمهات جامعيات وأمهات موظفات لم يعطين أطفالهن أية قطرة من الحليب الصناعي، حيث كن يلجأن إلى عملية الشفط وتخزين الحليب لاستخدامه في حال عدم وجودهن.
الختام :
إن دمج الرضاعة الطبيعية مع الصناعية ليس في صالح الطفل، بل قد يكون في ضرره، خاصةً إذا كان يحصل على كفايته من حليب أمه وينمو بشكل طبيعي، فكل رضعةٍ صناعيةٍ يتناولها، تسلبه فوائد تلك الرضعة من حليب أمه التي لو أخذها، لنال منها غذاءً ومناعةً لا يُعوَّضان.