أقلام

انكشاف الخوف

مريم الرمضان

في غالبية الجلسات، حين يكون هناك حوار قائم بين أطراف متعددة، يكون تركيزي منصبًّا على اللغة غير المنطوقة.

أكون منصتة لما لا يُنطق: حركة يد، إيماءة، تثاؤب، تسرّع في الرد، نظرة عين حادّة وغاضبة، شعور بالنفور.

ولكن أكثر ما يلفت نظري هو حين أرى الخوف.

أراه في حركة اليد المرتجفة التي يحاول صاحبها السيطرة عليها، في نظراته المهتزّة، وفي توتّر فكيه حين يتحدث.

ذلك ليس قلقًا عابرًا، بل خوف من انكشاف الفراغ.

إنه لا يخاف السؤال، بل يخاف أن يُسأل.

إنه لا يخشى الخطأ، بل يخشى أن يُعرّي الصمت جهله.

الرعب الذي يخفيه هو من أن يتم انكشافه، بأنه لا يفهم اللغة المحكية.

ولذلك يستتر وراء الادعاء، ويعمل متخفيًّا على إجهاض الفكرة،

فيعمل خلف الأبواب على تعزيز المعارضة،

وتشويه الصورة العامة،

وتحويلها إلى هدفٍ غير ممكن التحقيق.

على الطرف الآخر من الطاولة، يوجد خائفٌ آخر، ولكنه ثابت كالصخر،

ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على أية كلمة تصدر من الجموع.

يرى نفسه واضحًا كالشمس،

رهينة لتوقعاته ومدى وضوح أهدافه. ولكنه أيضًا خائف.

يخاف أن يُكشف هو أيضًا،

أن يُفضَح بأنه لا يعرف كيف يصل.

هي معادلة:

أنت تجهل، إذن أنت تخاف،

ولذا تكيد وتدّعي وتقاتل لتحافظ على مكتسباتك.

إنه يخاف تسارع التغيير، فيقتله في المهد، ليبقى واقفًا غنيًّا، ولا تُكشف ثغراته.

أيهما سيكسب؟

من جعل لنفسه قناعًا من ادعاء وجيّش جموعًا معارضة تؤيد قلة معرفته، أم شامخٌ كأسد جريح يسعى لسيطرة على الجموع؟

يقول الفيلسوف الألماني يوهان غوته:

“إن أسوأ أنواع الجهل هو الجهل النشط.”

سُئل: ما الجهل النشط؟

قال: جاهل رضي عن جهله، ورضي جهله عنه.

وليس هناك أصعب من أن تكون على تضاد مع من يرى في جهله قوته!

ولن تجد جدارًا صادمًا كقوة المسيطر حين يخاف،

لأن خوفه حماية وليس هجومًا!

حين تكون على هذه الطاولة، ما الذي يجب عليك أن تفعله؟

واقع الأمر: عليك أن تصمت.

لماذا؟

إهانة المعرفة هي بسردها على طاولةٍ كلّ من فيها يريد نهشها ليُظهر قوّته؛

قوّة جهله أو… قوّة سيطرته.

لذا، من احترام المعرفة ألا تُسرد كاملة، بل أن تُعطى نبذة عنها فقط.

إن وجدتَ صدامًا، فاصمت وانسحب.

ارضَ بخسارة الجولة،

واحفظ مكتسباتك.

المعرفة تحتاج إلى أساس قوي تُعمَّر فيه، فأزح المقاومة تدريجيًّا، وثبّت أقدامها.

من يملك المعرفة بالصورة العامة،

يقبل باستحقار أطروحاته،

لأنهم، في مناسبة أخرى،

وبعد صياغة أخرى للفكرة نفسها،

تنكشف الغمّة عن الجملة، فتُفهم،

ويتحوّل الخوف إلى راحة،

والمجهول إلى معرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى