أقلام

قراءة في فلسفة الفرصة الثانية

عواطف الجعفر

خلق الله تعالى الكونَ بكل مكوّناته على مبدأ الفرصة الثانية، السارية المفعول إلى ما شاء الله، مع توفّر الأسباب المناسبة لتلك الفرصة.

فنحن نرى الشمسَ مثلًا، تُمنَح فرصةً ثانية للإشراق، صالحةً للاستخدام كل يوم بإذن الله تعالى.

كما أودع الله في قلوب مخلوقاته الرغبةَ في المحاولة من جديد، فنرى في عالم الحيوان ـ على سبيل المثال ـ كيف تسعى الحيوانات المفترسة إلى الفرصة الثانية والثالثة لافتراس فريستها، تحقيقًا للبقاء على قيد الحياة.

وإذا انتقلنا إلى الإنسان، فحاله كحال الكون والمخلوقات الحية، إلا أن فلسفة الفرصة الثانية عنده أكثر تعقيدًا بسبب الصراع بين عرش العقل وعرش القلب.

العقلُ يحكم بضرورة منح الفرصة الثانية لجميع مجالات الإنسان النفسية والدينية والأسرية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، بشرط توافر الأرضية المناسبة التي تضمن تحققها ونجاحها.

أمّا القلب، فيتقلّب في قراراته، فلا يمنح الإنسان فرصةً ثانية إلا بعد مراجعة “الملفات القديمة” المنتهية الصلاحية، مما يجعل حكمه بالرفض غير منصف أحيانًا.

فالقلب عندما يغلق باب الفرصة الثانية، يكون محقًّا ومخطئًا في آنٍ واحد؛ مخطئًا كما أشرنا سابقًا،

ومحقًّا حين لا تتوافر شروط الاستحقاق لتلك الفرصة، لوجود موانع قوية تمنعها من الولادة مرة ثانية.

ومن الحكمة بمكان أخذ فترة راحة تسمى (استراحة محارب) في ما يخص معارك الحياة الحالية إلا عند الضرورة، والأنشغال ببناء الشخصية قوية داخليًّا، لتكون أرضية قوية للحروب القادمة.

فإعادة هيكلية الشخصية بشكل أفضل هي من أهم مصاديق الفرصة الثانية بالحياة، فالإيجابية لا تُولد من فراغ، بل تبدأ من تغيير الأفكار

تجاه الذات، وتجاه الآخرين، وتجاه الحياة نفسها.

حين تتبدّل الرؤية الفكرية نحو أمر ما، تتبدّل معها القناعة التي تشكّلت حولها، فتنقلب من سلبية مدمّرة إلى وعيٍ جديد (فرصة ثانية).

.ثم يتغيّر المعتقد، ومن بعده الشعور، ثم السلوك، فيتغيّر الإنسان من الداخل إلى الخارج.

وحين نتحدث عن الإيجابية،

فنحن لا نعني حياةً خالية من السلبية تمامًا، بل نعني التحرر من السلبيات المدمّرة، تلك التي تنهك الروح وتخرّب العلاقات، مثل:سوء الظن، القلق المزمن، التوتر والغضب المدمر في غير وجه حق، الطمع، تحقير الذات، اليأس، الخوف الذي يشل الحياة، الجهل الذي يعمي البصيرة. كلّ هذه السلوكيات تمنع الإنسان من التطور، وتحرمه من التمتّع بنِعم الله — سواء كانت مادية أو معنوية.

في حين أن الفرصة الثانية هي ولادة للصورة الأيجابية

مثال على الإيجابية:

أن أؤمن أن رحمة الله تسبق غضبه،

وأن الله أرحم بي من نفسي.

ذلك الإيمان وحده كفيل بزرع الأمل في قلبي، وفتح نوافذ التفاؤل أمامي.

فالإيجابية هي الوجه الآخر للتفاؤل،

فإن كنت سعيدًا، فتابع السير.

وإن لم تكن، فابدأ من الفكرة:

غيّرها، ثم رتّب حياتك على ضوء جديد.

ختامًا

الفرصة الثانية ليست تكرارًا للماضي، بل وعيٌ جديد يمنحنا فرصة أن نكون أفضل مما كنا بشرطها وشروطها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى