أقلام

درب الأمان برؤية 2030

عماد آل عبيدان

الطريق هو شريان حياة يضخ الأمان في عروق المدن، ويضيء وجه الوطن بحركة منظمة تسري في عصب التنمية.

فلا تعتقد أنه طبقة من الإسفلت تمتد عليه المركبات ليس إلا، فهو منظومة فكر ورؤية تعكس حضارة الأمم بقدرتها على تنظيم السير قبل السرعة، وعلى حفظ الأرواح قبل عبور المسافات.

ولأننا في وطن يخطو بخطى واثقة نحو مستقبل متفرّد برؤيته 2030، كان لا بد أن تمتد الأفكار لتصنع واقعًا جديدًا في هندسة الحياة اليومية، لا في الأبراج والاتصالات والتقنية وحدها، فالشوارع هي التي تعبر قلوب الناس وطمأنينتهم وتطلعاتهم.

ومن بين تلك الأفكار البديعة التي ولدت من وعي هندسي وإنساني في آن، جاءت فكرة المسار المستقل للشاحنات، كما طرحها المهندس عبد العزيز السحيباني، لتغدو مشروعًا حضاريًا واعدًا يستحق التنفيذ الفعلي لا أن يبقى في حدود المقترحات.

إن تخصيص مسار موازٍ للطريق السريع، بأساس خرسانـي متين يصمم خصيصًا للشاحنات، هو استثمار في الحياة ذاتها.

فهو يخفف الازدحام، ويقلل من تآكل الطرق، ويمنع كثيرًا من الحوادث التي يذهب ضحيتها الأبرياء بين عجلات السرعة وأثقال الحديد.

بهذا المشروع، تتنفس المدن من جديد، وتستعيد الشوارع خفتها، وتستريح الأرصفة من ضجيج ثقيل طالها منذ عقود.

وفي الرياض، العاصمة التي تعد قلب التطوير في المملكة، تتكامل الرؤية ذاتها بأفكار هندسية نوعيّة.

فها هو أحد المختصين في الحلول الفنية، الدكتور عبدالعزيز النويصر، وفي لقائه مع قناة الإخبارية، وبعد نشره مقالته One Way في جريدة الرياض، يقترح سبعة حلول فنية لتخفيف الاختناقات المرورية وتحسين جودة الحياة، تبدأ من إعادة توزيع الحركة المرورية، وتنظيم التقاطعات، واستحداث محاور بديلة، وتوظيف التقنية في إدارة الزحام.

تلك المقترحات التي أطلقت في الرياض تفتح الأفق لتطبيق الفكرة التي بين أيدينا — المسار المستقل للشاحنات — بوصفها أحد الحلول الجوهرية التي تتجاوز حدود العاصمة لتشمل جميع مدن المملكة.

فلنتخيل هذا المشهد البديع:

شاحنات تسلك طريقها الخاص بسلاسة، لا تزاحم السيارات الصغيرة والخفيفة، ولا تعرقل سيرها، بينما تواصل المركبات الصغيرة طريقها بانسياب وطمأنينة.

لا اختناق، لا خطر، لا تهالك في الأسفلت، ولا أعصاب مشدودة على امتداد الطريق.

ذلك ليس حلمًا بعيدًا مع عقول وابداع وأفكار ورؤى تتداخل في مشروع واقعي تلوّح به رؤية المملكة 2030، يمكن أن يبدأ من الرياض كنموذج وطني يشاد به في التخطيط الحضري، و يعمم على سائر مدن وشوارع المملكة.

ولعل أعظم ما تحققه مثل هذه الخطوة أنها تعيد ترتيب العلاقة بين الإنسان والطريق؛ فإذا قلت الأخطار زُرعت الطمأنينة، واذا فصلنا الثقل عن السرعة زُرعت الحياة في التفاصيل الصغيرة:

في لحظة الانطلاق، وفي عودة الأب إلى أسرته، وفي سلامة راكب لم يعد يخاف المفاجآت، وفي طالب أو موظف يصل إلى وجهته بارتياح وهدوء وأمان وطمأنينة.

إن الطريق يُعد مساحة للسير ومساحة للسكينة، ومرآة لقيمة الإنسان في عيون بلده ومسؤوليه.

فعند مرور المسافر على طريق يشعر فيه بالأمان، يدرك أن راحته تلك تزرعها الدولة في كل خطوة من خطواته.

ومع كل شاحنة تمضي في مسارها الخاص، تقل حوادث الطريق، وتخف تكاليف الصيانة، ويتسع صدر الوطن لرحلات أكثر أمنًا وأمانًا وتنظيمًا.

وفي جوهر الرؤية الوطنية، يمزج التطوير بين بناء الطرق الحديثة وزراعة ثقافة احترام الحركة وتقدير الوقت وحفظ الأرواح.

وهنا تبرز أهمية إدماج التقنية والمراقبة الذكية والإدارة المرورية الحديثة لتكتمل منظومة الطريق الآمن الذي تحلم به المدن وتستحقه.

فالرياض اليوم تمضي بتجارب حيّة تضعها في مقدمة مدن العالم في إدارة المرور، وتفتح الباب لتطبيق كل فكرة جريئة تعيد التوازن بين السرعة والأمان.

ومن العاصمة، يمكن أن تمتد التجربة إلى الدمام وجدة والقصيم وسائر مناطق المملكة، ليكون المسار المستقل للشاحنات جزءًا من لغة جديدة في هندسة المدن الذكية التي تبشّر بها رؤية 2030.

ذلك المسار وعد حضاري بأن طرقنا لن تبقى ترهقها الأوزان الثقيلة، وأن الأرواح لن تبقى فريسة الازدحام والفوضى وخطر الطريق.

هو وعد بأن يمر المواطن على الطريق فيشعر أن وطنه يفكّر فيه، ويحميه، ويصنع له دربًا يليق بأمانه وحمايته.

فلتضاء اللوحات قريبًا باسم هذا المسار،

ولتُفتتح الطرق الجديدة على إيقاع الحياة لا على صخب الحوادث والقلق.

فكل فكرة تخفّف الزحام هي طريق إلى السكينة، وكل طريق يحافظ على الأرواح… يضيء في القلب درب الأمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى