صالات أفراح وأطعمة تجمل الحال وأكثر(الحلقة الأولى)

أمير الصالح
هل تتذكر أحداث وإعداد حفلات الزفاف التي دُعيت إليها وحضرتها في العام الماضي؟! هل تتذكر نوع الموائد والأطعمة التي تناولتها في المناسبات المختلفة التي دُعيت إليها خلال الشهر الماضي؟! هل تتذكر في أية حفلة زفاف ممن دُعيت إليها في خلال شهر يناير الماضي، وتناولت فيها كنافة نابلسية مثلًا؟!
في الغالب الأعم سيكون الجواب لتلكم الأسئلة هو: لا ؛ لا أتذكر!
في مناسبات الزفاف واللقاءات الاجتماعية والضيافات الأسرية الكبرى والعقائق وحفلات التخرج، يسعى صاحب الدعوة (الداعي) وأفراد أسرته بكل ما أوتوا من قوة وجهود وموارد في رسم السعادة والفرح والألفة مع أهاليهم وأحبائهم وأبناء مجتمعهم وأصدقائهم والمدعوين عبر الاهتمام بالبذل السخي في عدة نواح وتدارس أدق التفاصيل لإنجاح المناسبة ورسم البهجة في القلوب وترك انطباعات وذكريات محمودة؛ تارة عبر الدعوة لأكبر عدد من الناس، وتارة عبر تقديم أزكى الأطعمة، وتارة عبر تعدد الأصناف والأطباق لتلكم الأطعمة، وتارة عبر تنوع الفقرات الترويحية، وتارة عبر انتقاء أكبر وأفخم قاعة أو منتجع أو صالة في مدينته. في هذا المقال، سأسلط الضوء على مفردة التجمل في الطعام وانتقاء القاعة الأفخم والأقرب والأكثر نضارة وتألقًا وتميزًا في الخدمة.
في جنبة إطعام الضيوف وانتقاء نوع الضيافة في ليلة الزفاف على سبيل المثال، تتطارح الآراء بين معظم الأهالي حول أنوع الضيافة ( موالح وحلويات) وأنواع الولائم (بوفيه مفتوح/ ولائم رز مع لحم/ كلاهما في الوقت ذاته) ووقت تقديمها وعدد الضيوف المدعويين وحجم القاعة المنتخبة وتصنيفها ( قاعة فندق/ قصر ضيافة/ قاعة أفراح مختصة/ مجلس كبير/ منتجع) وموقعها ( قريبة/ قريبة نوعًا ما)؛ وتباعًا ينطرح النقاش حول عدد (١٢ / ١٥/ ٢٠/ ٢٥/ ٣٠… إلخ ) ونوع الذبائح ( النعيمي/ النجدي/ الحري/ السواكني) وحجمها (تقريبًا ٢٤ كيلو جرام أو ١٦ كيلو جرام) وأصناف الضيافة الباردة والساخنة والمقالي والمقبلات والمشروبات والبخور والعطور والعود والورود إلى جانب القهوة والشاي والتمر. حينذاك يلف ويدور ذهن وأفكار صاحب الدعوة (العريس وأهله) في أفلاك عدة دوائر كبيرة وكثيرة. فما بين إدارة سقف التكلفة وإرضاء مذاق المدعوين وضمان حسن ضيافتهم والتجمل معهم بضمان كفاية الطعام في إطعام المدعوين كلهم، وضمان سعة المكان واتساع مواقف السيارات، وسهولة الوصول للقاعة، وملاصقة قاعة ضيافة الرجال بقاعة ضيافة النساء، وترتيب فقرات الزفاف وتهيئة اللجان المختلفة لإدارة الحفل على أتم وجه. ومع كل ذلك، قد يقع نوع من سوء التقدير سواء في عدد الحضور أو كمية الطعام، أو وجود صيانة بأحد الطرق المؤدية للقاعات، أو تزاحم المناسبات في تلكم الليلة، أو تقلب الطقس المفاجئ. فحينذاك البعض من الداعين يقع في حرج شديد و يتأثر نفسيًّا بسبب هذا أو ذاك التعثر أو الإخفاق غير المقصود والخارج عن إدارة تحكمه وسيطرته. فينقلب الحدث لديه من شعور غامر بالسعادة إلى شعور بنوع من أنواع خيبة الأمل!! وهنا ولكون معظم أبناء المجتمع لا يحملون ثقافة تأكيد الحضور قبل فترة كافية من إبرام المناسبة من جهة، ولا يلتزم البعض بجدول الحضور المعلن لاستقبال المدعوين أو وقت التحاقه لضمان خدمة تقديم وجبات الطعام له خلال الوقت المُعلن، فإنه لزامًا على أبناء المجتمع في هذه الجنبة قبول مصطلح: ” المعذرة منكم، ترى الأمور قل الفناجيل وكثرة عدد الرجاجيل”، أي لا تثريب على صاحب الدعوة لمن أتى متاخرًا عن وقت تقديم الطعام.
أثناء الإعداد للمناسبة يسمع صاحب الدعوة (العريس أو والده) تعليقات وتوصيات ومشورات عدة من قبل البعض، ومنها:
١- أهم شي انك تتجمل وتجيب صواني مملوءة باللحم بمعدل ٤ -٥ صوان للذبيحة؛ وشخص آخر يقول
٢- أهم شي إنك تجلب لحم نعيمي ذا حجم صغير وذا جودة مميزة؛ وشخص آخر يقول:
٣- أهم شي المطبخ الذي يعد الطعام بكون الشيف (كبير الطباخين) العامل به طباخ محترف ومميز، وشخص آخر يقول:
٤- اترك كل القيل والقال، وتعاقد مع الصالة الفلانية وريح بالك. صحيح تكلفك أموالًا أكثر ، بس حط فلوسك بالشمس واجلس مرتاح.
وشخص آخر يقول: خل الطعام يزيد ولا يقصر ……وشخص آخر يقول: ضع في حسبانك ما لا يقل عن (س) من إعداد الذبايح للطوارئ …وشخص آخر يقول: أهم شي اختيار الصالة، فإن البعض يأتيك فقط وفقط إذا الصالة كشخة أو المكان قريب …. إلخ.
ينبرئ في ذهن صاحب الدعوة بعد سماع تلكم التوصيات أو التعليقات عدة تساؤلات، ومنها:
س١: هل كلمة ” تجمل ” هي سر رسم صورة الفرح في ليلة الزفاف على وجوه المدعوين، أم كلمة حسن التنظيم لليلة الزفاف؟ أم بساطة الأمور وبشاشة الوجه؟ أم وجود فلان وعلان، أم موقع وتصنيف قاعة الأفراح؟ أم نوع اللحم وجودة الطبخ … أم … أم ….الخ، ما سر نجاح المناسبة؟! ماذا عن نفسية العريس ونفسية العروس من كل ذلك النقاش والحوار؟!
كما تنبرئ تساؤلات عن سلوك البعض بعد ضيافتهم وحسن استضافتهم بالتعليق منهم أو التحدث في أماكن أخرى بعد الانصراف:
– الانتقاد تارة على نوع الطعام ودرجة سخونة الأكل أو نوع اللحم أو طريقة الطهي أو عدد مواقف السيارات في الصالة أو عدد الحضور أن كانوا كثيرًا أو قليلًا.
توصيات لكل الأطراف:
يا مسلم لا تقتل المتعة: سواء بالدين على نفسك كعريس أو النقد اللاذع من بعض المدعوين.
– نهيب بأبناء المجتمع ولا سيما المدعوين في أية مناسبة بتفادي التعليقات المثبطة لمعنويات الداعي وأسرته في يوم وليلة المناسبة، لكيلا تُسرق الفرحة من وجوههم. فإنهم تجملوا معك وخصوك بالحضور في حفلهم فتجمل معهم بحسن الكلام، ولا تقتل المتعة يا مسلم.
– السعي من كل الأطراف من أبناء المجتمع لعمل تغذية راجعة feedback لصاحب الصالة لتحسين خدماته بعد انصراف الحضور أو في يوم آخر.
– المشاركة الفعالة في تحصين أبناء المجتمع من استغلال وجشع أصحاب بعض مزودي الخدمات (الجلوات/ الضيافة/ الكوشة/ القاعات/ المطابخ/ …إلخ ) عبر ثقافة تأكيد الحضور وإنجاح ثقافة حصر الأعداد للمناسبات لتفادي الهدر.
– كتابة ونشر التجارب لأبناء المجتمع عند التعامل مع قاعة أفراح، وكالة سفر، مطاعم ومطابخ ، محل تجاري، ورشة إصلاح سيارات لتفادي منابع الاستغلال/ الهدر/ المشاكل/ …. مثلما نقوم بتدوين ملاحظاتنا وإعطاء تقييم عن خدمات الفنادق في تطبيقات رقمية مثل booking
خِتاما
سيطال النقد كل داع إذا أحاط نفسه بأنواع معينة من البشر؛ وعليه ننصح بفلترة المدعوين لتفادي سماع ما قد يزعج مسامع الداعي الذي تكلف وبذل وأكرم واجتهد وثابر لإنجاح المناسبة. ويعيد ويؤكد أهل الفراسة والخبرة على ضرورة الأمور التالية:
١- كل شخص هو أبخص بامكاناته المادية ونوع ضيوفه، فلا يمد أحدهم رجليه أطول من لحافه. فهناك ضيافة في الزفاف لحشود كبيرة بقاعات فخمة جدًّا قد تكلف بالمتوسط ستمائة (٦٠٠) ريال سعودي/ للضيف الواحد؛ وهناك ضيافة راقية تكلف بالمتوسط مائتي (٢٠٠) ريال سعودي/ للضيف الواحد وهناك ضيافة تكلف بالمتوسط مائة (١٠٠) ريال سعودي/ للضيف الواحد وهناك ما دون ذلك بدرجات وما هو أكثر بدرجات. وكل شخص أبخص بنفسه وإمكاناته.
٢- ضرورة السعي لتأصيل ثقافة تأكيد الحضور قبل وقوع المناسبة بوقت كاف ليتسنى لصاحب الدعوة إعداد الترتيبات المناسبة واللائقة بالضيوف المحترمين.
٣- المتغيرات الاقتصادية بمداخيل الأشخاص بالضرورة تفرز متغيرات في سلوكيات الاستهلاك؛ وعليه كل شخص يجب أن يقيس قبل أن يغوص في بحور الإنفاق المتعددة، فإن من غاص ولا قاس لن يأمن على نفسه من الغرق في بحر الديون والكمبيالات والهموم والضغوط والتشتت والمزاج المتعكر / المتقلب.
٤- التجارب الملموسة في بعثرة الأوراق للمناسبات تدعو إلى وجوب مركزية التنسيق وإعداد القوائم عند إطلاق الدعوات لأية مناسبة لضمان السيطرة وتفادي المفاجآت وسد الثغرات وردم الخروقات.
هنا وددت أن أدون التالي: شخصيًّا أرفع القبعة لبعض القاعات وأصحاب القاعات المحلية في حواضرنا بالمنطقة الشرقية والمميزة بالفخامة والممتازة بالخدمة والترتيب وإعداد الطعام وصاحبة المصداقية والانضباط والنظافة؛ فإني لاحظت سرور ورضا عدد كبير من الناس بالتعامل معهم، وأدعو الله لهم بدوام التوفيق والبركة. وأجد أن إحدى أهم ميزات تلكم الصالات إشراف المالك بنفسه على الصالة مع وجود الإداريين الأكفاء. فأولئك المُلاك الأوفياء للمجتمع والمباركون يهتمون بالشجرة (المجتمع ) كاهتمام بالثمرة (مبيعات القاعة) في الوقت ذاته.
وفي المقابل ومن واقع المسؤولية الأخلاقية نبهني البعض- وأنقل تنبيههم لمن لديهم مناسبة قادمة- إلى تفادي التعامل مع القاعات / الصالات التي يعتمد إداريوها (ولا سيما الجشعين منهم) في استخدام آلية إصدار فواتير متفرقة أثناء انعقاد الحفل في حق الزبون على أتفه الأمور بادعاء أن هذا أو ذاك الأمر هو خارج ما تم الاتفاق عليه وتحت ذرائع مختلفة لسحب أكبر قدر من أموال الزبون؛ وهي ما تعرف في علم إدارة العقود بمتغيرات في الطلب change order. وقد يصل حد التكلفة النهائية بسبب هذا التخطيط إلى الضعف أو أكثر من أصل قيمة العقد المُبرم. فحينذاك تُختطف الفرحة والبهجة من قلب ووجه صاحب الدعوة ووالديه.




