دور الأسرة في تعزيز فعالية الرضاعة الطبيعي

د. حجي الزويد
وصلتني هذه الرسالة على الخاص من إحدى الأمهات:
لا أدري حقًّا ما الذي يستفيده بعض الناس من هذا الإحباط!
لقد سمعت هذا الكلام كثيرًا، ومن أقرب الأشخاص إليّ.
يقولون لي: «حليبكِ وحده لا يُغذّي».
حتى والدتي – حفظها الله – دار بيني وبينها نقاش طويل حول هذا الأمر، إذ كانت تصرّ على أنّ التمر هو الذي يقوّي الطفلة، وليس الحليب!
والحقّ أنَّ كمية الإحباط التي تتعرّض لها الأم المرضِعة أمر يفوق الوصف.
ولا أفهم سبب هذه النظرة السلبية تجاه حليبٍ خلقه الله بحكمته، وجعله رزقًا مباركًا مصمَّمًا خصيصًا لطفلها، يحتوي على كل ما يحتاجه لينمو جسدًا وروحًا.
التعليق على هذه الرسالة:
ما ورد في رسالة هذه الأم هو شعور تمرّ به كثير من الأمهات اللواتي يخضن تجربة الرضاعة الطبيعية في مواجهة مع موجة من الآراء غير المبنية على علم.
هذا من التحديات التي تواجهها الأمهات المرضعات، وتكون أكثر تحديًا إذا كانت المواجهة ضد الرضاعة الطبيعية الحصرية من المقربين جدًا للأم، كالزوج وجدات الطفل، حيث أن تشجيعهم له دور محوري في نجاح الرضاعة الطبيعية واستمرارها، والمواجهة ضد الرضاعة الطبيعة الحصرية تؤدي إلى خلاف ذلك.
الدراسات الحديثة (من منظمة الصحة العالمية وUNICEF وAAP) تؤكد أن الدعم الأسري يمكن أن يُضاعف معدلات الرضاعة الطبيعية الحصرية خلال الأشهر الستة الأولى.
سأشير إلى هذا الجانب خلال محورين:
الأول: الرد على رسالة الأم.
الثاني: إضاءات توعوية حول دور الأسرة في تعزيز فعالية الرضاعة الطبيعية.
الأول: الرد على رسالة الأم:
أرسلت إلى الأم هذه الكلمات:
المشكلة أن بعض الناس — بدافع الحب والنية الطيبة — يكرّرون كلماتٍ تُضعف عزيمة الأم بدل أن تدعمها، في حين أن ما تفعله هو أعظم هدية تمنحها لطفلها.
حليب الأم ليس ضعيفًا، ولا يمكن مقارنته بأي طعام أو تمر أو مكمل، لأنه خُلق بتركيبٍ معجزٍ يتغيّر كل يوم حسب حاجة الطفل.
فيه المناعة، والماء، والطاقة، والسكّر، والبروتين، وكل ما يكوّن دماغ الطفل وجهازه العصبي.
بل إن اللبن الذي يبدو “خفيفًا” للعين المجردة، هو ما يمنح الطفل الترطيب والطاقة الدقيقة التي لا يصنعها أي معمل في العالم.
قولهم: “ما يغذي” هو سوء فهم للعلم والفطرة.
وحين يقولون: “التمر هو الذي مقويها”، فالحقيقة أن التمر رزقٌ للأم، ولكن الحليب رزقٌ من الأم لطفلها، وهذا رزق الله يجري من جسدٍ إلى جسد، لا يُضاهيه شيء.
أنتِ تقومين بفعلٍ مقدّسٍ وفطريٍّ وإنسانيّ، وليس عليكِ أن تشرحي أو تبرّري — يكفي أنكِ تحملين طفلكِ على صدرك، وتمنحينه رزقه وطمأنينته بيديك.
استمري بثقة، فكل رضعة منكِ تُكتب حياةً جديدة في جسده وروحه.
وما يقال حولك من “تحبيط” هو مجرد ضجيجٍ أمام هذا العمل العظيم الذي تصنعينه بصمت.
الثاني: الدور الأسري في تعزيز الرضاعة الطبيعية:
تشعر الأم المرضعة أحيانًا بالإرهاق والقلق، خصوصًا في الأسابيع الأولى بعد الولادة. وجود كلمات تشجيع من الزوج والأم والأخوات له أثر مباشر في رفع هرمون الأوكسيتوسين المسؤول عن إدرار الحليب.
الأسرة المحيطة التي تبثّ الطمأنينة بدلًا من الانتقاد تُساعد الأم على الثقة بقدرتها في إرضاع طفلها، التشجيع النفسي يساعد في زيادة إدرار الحليب.
مساعدة الأم في شؤون المنزل (الطبخ، التنظيف، رعاية الأطفال الآخرين) تمنحها راحة جسدية تُسهم في استمرار الرضاعة. كذلك، فإن توفير غذاء صحي متوازن وسوائل كافية للأم يعزز من إنتاج الحليب.
عندما يرى الأطفال أو أفراد العائلة الرضاعة الطبيعية أمرا طبيعيا ومقدّسًا، ينشأ جيلٌ أكثر تقبّلًا واستعدادًا لدعمها مستقبلًا. مشاركة الجدة أو الأخوات بتجارب إيجابية مع الرضاعة تُلهم الأم الجديدة وتمنحها الأمل والاستمرارية.
كثير من الأمهات يتعرضن لتعليقات سلبية مثل “حليبك خفيف” أو “الطفل ما يشبع”، مما يؤدي إلى فقدان الثقة، كما الحال في هذه الأم المشار إليها. هنا يأتي التأكيد على أهمية دور الأسرة في نشر الوعي بأن حليب الأم كافٍ ومتكامل، وأن زيادته تعتمد على الإرضاع المنتظم والراحة وليس على الحليب الصناعي.
على الأسرة أن تكون مصدر دعم، وليس مصدر تشكيك.
الزوج هو الداعم الأول للأم المرضعة:بالكلمة الطيبة، والاهتمام براحة زوجته، والتعاون معها في رعاية الطفل، وبتفهّم التغيرات الجسدية والنفسية التي تمرّ بها. مساعدة الزوج في تهيئة الجو الهادئ للأم أثناء الرضاعة مهم جدًا لإنجاح عملية الرضاعة.
تشير الدراسات إلى أن وجود زوج داعم يزيد احتمالية استمرار الرضاعة بنسبة تصل إلى 60٪ مقارنة بالأمهات اللاتي لا يتلقين دعمًا منزليًا.
ينبغي تشجيع الأسرة للأم على استشارة أخصائية الرضاعة أو طبيب الأطفال عند وجود أية مشكلة، بدل الاستماع للنصائح الشعبية الخاطئة.
كلمات الختام:
الأسرة هي الحاضنة الأولى للنجاح في الرضاعة الطبيعية.
فكل كلمة دعم، وكل مساعدة صغيرة، وكل نظرة تفهّم، تسهم في جعل هذه التجربة أكثر راحة ونجاحًا. إن الرضاعة ليست مسؤولية الأم وحدها، بل هي مشروع أسري متكامل يشارك فيه الجميع لبناء صحة الطفل وأمانه النفسي منذ لحظاته الأولى.




