الحوراء (ع) مدرسة الفكر والعطاء

السيد فاضل آل درويش
منابت وجذور المعرفة والطهارة والعفة وجمالية الأخلاق في شخصية السيدة زينب (ع) تمثّل إشراقة النور من الدوحة النبوية، إذ نشأت في بيت اصطفاه الله تعالى ليكون منشأ ومنبع الهداية للحق والتوحيد والفضيلة وظلال الرحمة و أنوار الإيمان، لقد كانت السيدة زينب (ع) ثمرة تربية وعناية ربّانية ارتسمت على ملامح شخصيتها وتألقها في ميادين المعرفة والعمل المثابر والخطى الثابتة في ظل تحديات الضغوط والصعوبات الحياتية، وكانت (ع) مثالًا خالدًا للمرأة الواعية والباعثة لروح الحياة الحقيقية والعمل في ميدان القرب من الله تعالى والسعي لرضاه، فهي – بحق – نموذج حي وفاعل ومؤثر للفتاة في تألق شخصيتها وطلبها لعلياء التكامل الفكري والتوازن النفسي والوحداني، وتحقيق الذات وفق المعايير القرآنية الداعية والموجّهة لمحراب الطاعة والعبادة و أداء الحقوق الإلهية، وتجلّت منها (ع) تلك المضامين والمعاني السامية للعبادات في ميدان التعامل مع الآخرين ومراعاة احتياجاتهم والانخراط في ساحة العطاء المادي والمعنوي، كيف وقد شعّت معالم السمو والرفعة في شخصيتها (ع) التي جمعت فيها بين الوعي والمعرفة العقلية والاستقامة السلوكية والعفاف، فقلبها النابض بالإيمان قادها نحو مواجهة أصعب وأعتى الظروف بالصبر والتسليم والرضا بقضاء الله تعالى، دون أن يمنعها ذلك من أن تكون فاعلة ومؤثرة في ساحة العمل.
لقد نشأت الحوراء زينب (ع) في أحضان بيت يجتمع فيه الصفاء الروحي مع الكمال الإنساني، وفي هذا الجوّ المتألّق تشكّلت شخصيتها وتفتّح وعيها على قيم سامية من التقوى والمعرفة والعدالة الاجتماعية والرحمة وبلسمة حاجات وآلام المكروبين والمحتاجين، لقد كانت تتربّى في مدرسة الوحي التي تصوغ الإنسان ليكون خليفة الله تعالى في الأرض بنضج عقله وتكامله الأخلاقي والوجداني.
ومن يتأمل في سيرة الحوراء زينب (ع) يجد فيها أنموذجًا متكاملًا للتربية الإيمانية والأخلاقية التي تقوم على التوازن بين العلم والعمل والعبادة، فالوعي الفكري من أهم مباديء الاقتداء بسيرة الحوراء (ع) كيف وهي العالمة والفهمة، والعفاف والحياء من أهم معالم الإيمان عندها بما يرسم معالم الفضيلة، كما أن الصبر والثبات هو من أهم الأسس التي تُبنى عليها شخصية الشباب الذي يواجه الضغوط الحياتية بالصبر والتكيف مع الظروف الصعبة دون أن يداهمه التشاؤم واليأس.
لم تكن السيدة زينب إلا مدرسة فكرية وروحية كما وصفها الإمام السجاد (ع): (أنتِ بحمد الله عالمة غير معلّمة، وفهِمة غير مفهَّمة)، وهذا الوصف العميق يكشف عن سموّ عقلها ونقاء بصيرتها فقد كانت تمتلك علما لدُنيا مستقى من نور النبوة والإمامة.
كانت الحوراء المربية و المعلمة والملهمة والقدوة، حيث ربّت من حولها على الثقة بالله تعالى وتدبيره وحكمته والصبر وغرست في النفوس الأمل رغم الصعاب، لتعلّمنا كيف يمكن للمرأة أن تكون محورا في التربية الرسالية والنهضة الاجتماعية إذا امتلكت الوعي والإيمان والخُلُق.



