أقلام

همسة مع الكاتِبِ والكتابة

عبدالله بن علي الرستم

في رفوف المكتبات، وبين أسماء المؤلفين الكثيرة، وكثرة الإصدارات التي تطبعها دور النشر بشكل متوالي، تبرز بعض أسماء الكتب التي تحمل عناوين رنّانة، وأغلفة جميلة، وكأن لسان حال المتابع لحركة الإصدارات هذه، يقول: (إن هناك مؤلّفين أفذاذاً وُلدوا من جديد، وأن التأليف ليس حكراً على أستاذ جامعي، أو شيخ جوامعي) معتبراً هذا الإنجاز في حركة التأليف حالة صحّيّة.

نعم .. التأليف ليس حكراً على أحد، وأن الساحة تَسَعُ الجميع، وأن أرحام الأمّهات لم تُعقم لتَلِدَ الكثير من الكُتّاب والمؤلّفين، إلا أن ما يؤسف له أن كماً كبيراً من تلك الأوراق المطبوعة تفتقد الكثير من المعايير والمواصفات المهمّة الواجب توافرها في الكاتب/الباحث، وأن للكتابة أصولاً حريٌ بالكاتب معرفتها؛ ليتسنى له مواصلة مشوار الكتابة بشكل أفضل، ويكون في مصافّ الكتّاب الكبار. ولا بأس بالإشارة إلى بعض النقاط المهمة التي حريٌ بأن تكون في الكاتب قبل أن يفكّر في الكتابة، مثل:

(1) العناية باللغة العربية إجمالاً: حيث يُلاحظ في كثير من الكتب افتقاد كتّابها إلى تطبيق قواعد اللغة العربية، ويكاد لا تخلو صفحة من أخطاء نحوية أو إملائية، بالإضافة إلى أن تعلّم علوم اللغة إجمالاً تساهم في صياغة البحث بشكل جذّاب، ويساعد القُرّاء في اقتناء ما يكتبه، وبدون اللغة لا يستطيع أن يكون لكتابه حضورٌ يليق بجهده.

(2) تكريس القراءة: من المتعارف أن كلَّ شخصٍ إذا أراد ممارسة شيء ما، عليه أن يبدأ فيه بشكل تدريجي لكي يحقق ما يصبو إليه بشكل أفضل، كقيادة السيارة وممارسة الرياضة وغيرها، والحال ذاته في الكتابة، فلا بد للكاتب أن يكون قارئاً ومطّلعاً على الموضوع الذي يريد الكتابة فيه لكي تتحقق لديه ملَكة الكتابة، فالكتابة من فراغ تعني محتوىً هزيل ينفّر القُرّاء عن اقتناء ما يكتبه.

(3) التوثيق: يغفل أو يتجاهل الكثير من الكُتّاب مسألة توثيق المعلومة، خصوصاً إذا كانت معلومات سابقةً لزمانه، أو حتى إذا كان الكاتب ممن عاصرها، فلكل فنٍّ طريقة في التوثيق، كالاعتماد على المصادر الموثوقة، وطريقة عرضها في حواشي الكتاب وآخره من كتابة اسم الكتاب صحيحاً والمؤلف وسنة النشر وذكر اسم المحقق إن استلزم الأمر، وغيرها من المعلومات المرتبطة بمسألة التوثيق، أما إرسال المعلومات بدون ضوابط التوثيق فلا يخدم القارئ في شيء.

(4) الإكثار: يلاحظ على بعض المؤلّفين الإكثار في طباعة ما يخطه قلمه، وهذا وإن كان أمراً جيداً إلا أنه مشروطٌ بمحتوىً يناسب حجم الكتاب والمعلومات الواردة فيه، فكم قرأتُ كتباً لأشخاص مُكثرين في التأليف ومحتويات تلك الكتب لا ترقى إلى توثيقها في كتاب، فضلاً عن المعلومات المضمّنة، وفي الطرف الآخر أقرأُ لكتّاب مكثرين إلا أن مؤلفاتهم تنضح بالمعلومات الثريّة والأفكار المتجددة، والصياغة الجاذبة.

(5) هيكلة البحث: من المسائل ذات الأهمية الكبيرة في الكتاب هي الهيكلة، أي: كيفية ترتيب المواضيع وتسلسلها، وما يتفرّع منها من مسائل، فبعض العناوين الرئيسية غالباً ما يتفرّع منها أفكار ذات صلة كالتمهيد للفكرة وطريقة سرد الفكرة واستخلاص النتائج ونحو ذلك، ولذا بعض الكتّاب لا يعلمون شيئاً عن هيكلة البحث، وكأنه يخاطب نفسه فيما كتبه، أو أنه يرصف الأفكار والمواضيع بما يوافق مزاجه دون مراعاة لهذه المسألة الفنّية.

(6) الأفكار الجديدة: على الكاتب أن لا يعتدّ بما يطرحه في قِبَال وجود دراسات مماثلة تتميّز بالرَّصانة؛ بل عليه أن يطرح ما لديه ويجعل الحُكم للقارئ، نعم .. من حقه أن يفتخر بما سطّره قلمه، إلا أن ذلك مصحوبٌ بمعايير لو توفّرت فيما كتبه فله الحق أن يفتخر ويعتدّ، خصوصاً إذا كانت فكرة الكتاب أو البحث بِكراً، أو رأيٌ جديد يعتمد على المصادر والقرائن المهمة التي تعزز من رأيه الذي ذهب إليه أو أو، أما أن يعتدَّ بما كتب وهو يفتقد لأبجديّات ذلك كلّه، فهو يساهم في تهميش القُرّاء له بشكل تدريجي.

(7) الاجتزاء: يمارس بعض الكُتّاب في كتاباته الاجتزاء، أي: أن يأخذ الفكرة أو العبارة التي تناسب مزاجه ورأيه من المصادر أو من أفواه الناس، ويتجاهل الآراء الأخرى المطروحة في بحوث مشابهة، وكأنه يريد الوصول إلى غاية ونتيجة قد حدّدها قبل أن يكتب أول كلمة في كتابه، وهذا مع الأسف منتشرٌ بنسبة كبيرة بحسب اطّلاعي، والكتاب الذي لا يساعدك في استفزازك لقراءة كلّ ما فيه فقد لا يحظى بعناية القُرّاء؛ لأن النتيجة كُتبت في أوّل سطرٍ من الكتاب أو اختصرها عنوان الكتاب.

(8) العناية بالطباعة: من المسائل المهمة في عصرنا الحاضر أن شريحةً من الكتّاب لا تعير بالاً بمسائل الطباعة ومتعلقاتها، حيث يكتشف القارئ أن الكاتب هو المصمم وهو المصحح اللغوي وهو المخرج وهو …الخ، نعم لو كان يملك هذه المهارات فلا بأس بها وهذا أمرٌ نادر الحدوث، إلا أن بعضهم لا يعرف مقاسات الصفحة المطلوبة، ولاعن لوحة مفاتيح الحاسوب وما تحويه من مفاتيح ذات أهمية في الإخراج، حيث إن بعضهم يتجاوز كل المتخصصين في هذه المسائل الفنيّة ويقوم بأدوار غيره وهو يجهل هذه الجزئية، إما هروباً من التكلفة أو عدم مبالاته بهكذا شؤون فنية، أو أنه يعتزُّ بالمحتوى ويتجاهل الإخراج وإما لأسباب أخرى.

ختاماً:

لم تكن النقاط آنفة الذكر هي كل معايير الكتابة ومواصفات الكاتب؛ بل هي إشارة إلى نقاط تساهم في صناعةِ كاتبٍ أو باحثٍ بمعايير أفضل، بالإضافة إلى أنه توجد على أرفف المكتبات الكثير من الكتب التي تتناول هذه الجزئية بشكل مفصّل، فما على الباحث إلا أن يتعلّم من أخطائه، وذلك عبر اتّساع صدره للنقد، وأن لا يُكابر ويتجاهل آراء الآخرين فيما كتبه، فالكاتب المبتدئ كالطفلِ لا يستطيع المشي منذ أول يوم؛ الحال ذاته في الكاتب عليه أن يتدرّب شيئاً فشيئاً ليكون له حضورٌ في الساحة الثقافية ويكون كاتباً فذّاً من خلال العناية بما يكتبه سواءً في المحتوى أو اللغة أو أي شيءٍ له صلةٌ بذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى