أنت ومزارع الشرائح الهاتفية You and SIMcartel

أمير الصالح
لو قال أحدهم لك بأن هناك مضاربة وهمية على أسعار الذهب الحالية، فهل تصدقه؟!
ولو قال لك أحدهم إن هناك شيطنة وتشويه سمعة في العالم الرقمي لأبناء وطنك أو قوميتك أو دينك في بلاد الغرب، فهل تصدقه؟!
ولو قال لك أحدهم بأن هناك تضليل متعمد في رسم خريطة العالم وطريقة عرض حجم القارات في العالم مغايرة للواقع، فهل تصدقه؟!
ولو قال لك أحدهم إنه يمكنك شراء بيت بمدينة ليماسول بقبرص بدولار واحد فقط، فهل تصدقه؟!
ولو قال لك أحدهم إنه يمكنك الزواج بامرأة فاتنة الجمال في قرية بإحدى دول الاتحاد السوفيتي السابقة (شرق آسيا) دون أية تكاليف، فهل تصدقه؟!
أساليب الاستدراج في العالم الرقمي آخذة في الانتشار عبر أمور عدة وفي مجملها تلامس المال والجنس والطمع، وتستفز القناعات والعقائد.
حجم الجرائم الاخلاقية بكل أصنافِها في العالم الرقمي وصلت إلى مستوى خارج نطاق العقل، حتى قال أحد مراسلي BBC في سلسلة بودكاست الجملة التالية: No one is off limits – not even a group of nuns in Chicago. وترجمتها: ليس هناك أحد خارج نطاق الهتك حتى لو كانت مجموعة صغيرة لراهبات في مدينة شيكاغو.
حاليًّا من يملك الإعلام الرقمي وأدواته الفاعلة يسيطر على أكبر قدر من عقول الناس حول العالم. من اعتمد العالم الرقمي مصدره الوحيد والأوحد في التفاعل والحقائق وفهم العالم، وصنع القرارات فلا يلوم إلا نفسه. جملة قد يتفق البعض عليها وقد يختلف البعض فيها، إلا أن الحقيقة هي أن الغالبية تتعرض لما يسمى بعملية غسيل الدماغ بأدوات إعلامية عالمية مختلفة عبر قنوات رقمية وتطبيقات تواصل اجتماعي وراديو وقنوات فضائية ومسلسلات وأفلام سينمائية.
حديثًا برز مصطلح مزرعة شرائح SIM. وهو سلاح ناعم ورخيص في تسويق قناعات وأفكار جديدة. مصطلح (مزرعة شرائح SIM) مصطلح حديث ويرمز لمكان به مجموعة كبيرة من الجوالات المبرمجة والعاملة بنشاط في حقول التفاعل بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وفيها كل جوال بداخله أكثر من شريحة وكل شريحة فيها مئات الحسابات؛ وكل حساب يتابع ويتواصل مع الناس في عدة منصات وعدة مواقع بأسماء وهمية مختلفة. تلك الحسابات تسجل في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وتدخل مع عدد كبير من الناس في حوارات وإثارات واستفزازات ونقاشات وخلافات وإغواءات وخداع وابتزاز وتحريض وعمليات نصب وتهكم وشتم وحروب كلامية مفتوحة زمنيًّا. بعد فيروس تشرنوبل وفيروس I love you الرقميان، يبدو لي أن مصطلح SIMCARTEL آخذ أيضًا بالانتشار. وكما أن العالم الرقمي سهل أمور الناس في مجالات عدة كالسفر وحجز الفنادق والدفع الرقمي وإجراء العقود، إلا أنه عقد مشاهد الثقة والاطمئنان وزاد نسبة الضحايا الأبرياء.
إلى الآن لا توجد إحصاءات أو أرقام عن عدد مزارع الشرائح الرقمية حول العالم، ولا نعلم مدى الأضرار التي أحدثتها أو الاختراقات الاجتماعية التي زرعتها تلكم المزارع الهاتفية الوهمية. حديثًا تمكنت الشرطة الأوروبية Europol في يوم ١٠ أكتوبر ٢٠٢٥ م من رصد واحدة من هذه المزارع في دولة تُسمى “لاتفيا”؛ وتدير تلك المزرعة ما يقارب من 49 مليون حساب مزيّف يعمل على تشغيلها ٧ أشخاص فقط وهم الذين تم القبض عليهم، وهم ٧ حتى وقت نشر الخبر بموقع يوروبول الرسمي. حتمًا هكذا رقم فلكي ساهم ويساهم في تزوير الواقع، وتمرير أجندات معينة، وتحريض ضد أقليات، والتلاعب في الرأي العام للناس، والنصب والاحتيال الإلكتروني، وسرقة الأموال، وزيادة التفاعل على منصات التواصل وإثارة بلبلة في بقع جغرافية. وترويج صور إباحية وإثارة فتن ونعرات و … و… .لك أن تتخيل وجود 50 مزرعة رقمية من ذات الحجم بذات عدد الشرائح والحسابات الوهمية، أي ما يعادل (٤٩ مليون حساب وهمي X ٥٠ مزرعة SIM ) 2,450,000,000 ( مليارين ونصف من الحسابات الوهمية) ما يعادل كذا ضعف من حملة الجوالات الذكية في العالم! فما هو حجم تأثيرها في صياغة أو تفييب وعي البعض من الناس في قضايا معينة. صاحب هكذا عدد من المزارع يمكنه أن يُكذب ويروج كذبته عبر ملياري ونصف حساب وهمي. وحينذاك لا عزاء لمن غيب قيمه ودينه وخالف نصيحة وإرشاد الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) سورة الحجرات، آية 6، صفحة 516. مع وجود ما يسمى ب deep fake وجب وجوب شرعي وأخلاقي واجتماعي بتمحيص أي نبأ (خبر) قبل إعادة نشره أو تبنيه كحقيقة أو إمضاء قرار مصيري يتعلق به.
لك أن تتخيل 49 مليون حساب من موقع واحد في دولة واحدة صغيرة وذات امكانات محدودة جدًّا! هكذا حقائق وهكذا أرقام لحسابات وهمية جدير بأن نتامل في أهمية صيانة العقل والقيم والسلوك من الانجراف نحو ما يروج في الفضاء الرقمي والسيبراني. شخصيًّا أرى أنه يجب اعتماد آلية التحقق من صحة المصادر لما يتم تناقله، ويجب على كل منا التحقق عما يريد أن يعيد إرساله قبل إعادة الإرسال، إلى جانب فلترة ما يُنقل ويُعرض علينا عبر شاشات النت والتلفزة ومواقع التواصل والقنوات الفضائية. كما أنه يجب تفادي الانزلاق في الجدال الوهمي والحروب الكلامية العقيمة في عالم وسائل التواصل الاجتماعي. عزيزي القارئ تذكر أن الشخص الذي أنت على وشك الدخول معه في علاقة صداقة، علاقة حب، حوار، صفقة تجارية، استثمار، حجز سياحة، بوح، مشاركة معلومات خاصة، جدال قد يكون مجرد شريحة في مزرعة شرائح إلكترونية لشخصية وهمية هدفها سلب وقتك ومالك وجهدك ومعلوماتك ودينك وابتزازك وجذبك لقناعات تخدم أجندة صاحب مزرعة الشرائح تلك، أو توريطك في مشكلة، أو تجنيدك ضد أبناء جلدتك ودينك.
النضج والوعي وفهم الواقع مسؤولية كل فرد نحو نفسه وأسرته ومجتمعه. قريبًا سيكون هناك تحد جديد في العالم الرقمي، وحاليًّا في مجالس النقاش بالدول الصناعية المتقدمة عدة ملفات تتعلق بالجرائم الرقمية. وشخصيًّا أدعو الكل بمحاربة الأمية الرقمية وزيادة الوعي بين مستخدمي الإنترنت ولا سيما الشباب لتجنب الابتزاز والتضليل والعفن الدماغي والسرقة وهدم المبادئ والكفر بالله والعياذ بالله وإثارة الغرائز وإهدار الوقت والتورط في أية مشكلة سواء مالية أو أخلاقية أو أمنية أو دينية.
المصادر :
١- https://www.europol.europa.eu/media-press/newsroom/news/cybercrime-service-takedown-7-arrested
٢- https://podcasts.apple.com/us/podcast/the-documentary-podcast/id73802620?i=1000733796957




