دور الصحة اليومية الإيقاعية (الساعة البيولوجية) في صحة القلب والتمثيل الغذائي

د. حجي الزويد
اضطراب الساعة البيولوجية قد يزيد خطر أمراض القلب والسمنة والسكري
في ظل أنماط الحياة الحديثة التي تتحدى إيقاع الجسم الطبيعي، تسلط جمعية القلب الأمريكية الضوء على الآثار الصحية الخطيرة الناتجة عن اضطراب الساعة البيولوجية، وذلك في بيان علمي جديد نُشر في مجلة Circulation.
يحمل البيان عنوان:
“دور الصحة الإيقاعية اليومية في صحة القلب والتمثيل الغذائي ومخاطر الأمراض”
ويستعرض كيف أن اضطراب الإيقاع اليومي قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والسمنة، والسكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم.
كما يشير إلى أن هذا الاضطراب قد ضيكون ذا صلة خاصة بما يُعرف بـ الصحة القلبية الكلوية الأيضية، وهي مجموعة من العوامل التي ترتبط بزيادة معدلات أمراض القلب والوفيات المرتبطة بها.
ما هي الساعة البيولوجية؟
الساعة البيولوجية هي نظام داخلي في الجسم ينظم العديد من العمليات الحيوية على مدار 24 ساعة، مثل النوم والاستيقاظ، إفراز الهرمونات، الهضم، ودرجة حرارة الجسم.
ويتم ضبط هذا النظام بشكل أساسي عبر الضوء الذي تلتقطه شبكية العين وتُنقله إلى منطقة “النواة فوق التصالبة” في الدماغ (Suprachiasmatic nucleus).
وفي هذه المنطقة توجد جينات وبروتينات خاصة (مثل CLOCK وBMAL1 وPER وCRY) تنشط وتتعطل بشكل منتظم، مولدة الإيقاع الحيوي للجسم.
كيف يحدث الاضطراب؟
يحدث اضطراب الإيقاع اليومي عندما لا يتطابق توقيت سلوك الإنسان (مثل النوم، الأكل، النشاط) مع ساعته الداخلية. على سبيل المثال: إذا كان الشخص من “محبي السهر” واضطر للاستيقاظ مبكرًا جدًا للعمل، فسيكون مستيقظًا في وقت يعتبره جسمه “ليلًا بيولوجيًا”، مما يؤدي إلى اضطراب في الإيقاع الحيوي.
كلمة الباحثة كريستن كنوتسون (Kristen Knutson).
“اضطابات الساعة البيولوجية ليست مجرد إزعاج بسيط كالسهر أو الاستيقاظ المبكر، بل يمكن أن تسبّب آثارًا صحية سلبية بطرق متعددة.
إنّ التوافق بين سلوكنا اليومي — متى ننام، نأكل، ونمارس النشاط — مع ساعتنا الداخلية هو أمر أساسي لدعم صحة القلب والتمثيل الغذائي.”
النقاط الرئيسة للبيان العلمي:
1. انتظام توقيت النوم لا يقل أهمية عن مدته:
حتى مع الحصول على عدد كافٍ من ساعات النوم، فإن عدم انتظام أوقات النوم والاستيقاظ قد يخلّ بالإيقاع اليومي.
الاختلاف الكبير بين مواعيد النوم في أيام العمل والعطلة، والمعروف باسم “الاختلاف الاجتماعي في الساعة البيولوجية” (Social Jet Lag)، ارتبط بزيادة خطر السمنة واضطراب سكر الدم ومرض السكري من النوع الثاني.
التوصية
: الالتزام بمواعيد نوم واستيقاظ ثابتة يوميًا يحافظ على اتزان الساعة الداخلية وصحة التمثيل الغذائي.
2. توقيت التعرض للضوء عامل علاجي مهم:
الضوء هو المنظم الأساسي للساعة البيولوجية.
• التعرض لضوء الصباح الطبيعي يعزز الإيقاع الصحي.
• التعرض للضوء الصناعي ليلًا — خصوصًا الضوء الأزرق من الشاشات — يثبط إفراز هرمون الميلاتونين ويؤخر النوم. حتى الضوء الخافت ليلًا ارتبط بزيادة خطر أمراض القلب.
3. توقيت الوجبات يؤثر على الصحة الأيضية:
ليس عدد السعرات فقط هو المهم، بل توقيت تناولها أيضًا. الأكل المتأخر في الليل أو غير المنتظم قد يسبب خللاً في “الساعات الحيوية” في الكبد والبنكرياس، ما يؤدي إلى اضطرابات في سكر الدم وزيادة الوزن.
الدراسات تشير إلى أن تناول الإفطار قبل الساعة 8 صباحًا يرتبط بانخفاض خطر السكري وتحسّن صحة القلب.
4. توقيت النشاط البدني:
التمارين تعمل كمحفّز ثانوي للساعة البيولوجية.
•التمارين الصباحية أو بعد الظهر تساعد على تقديم الإيقاع اليومي (تحسين النوم والاستيقاظ المبكر).
• أما التمارين المسائية فقد تؤدي إلى تأخيره.
وقد يؤثر التوقيت أيضًا على ضغط الدم وسكر الدم وجودة النوم، لكن الأبحاث لا تزال مستمرة لتحديد التوقيت الأمثل لكل شخص.
5. عوامل تزيد من الاضطراب:
العمل بنظام المناوبات (الليلية أو المتغيرة)، التعرض الدائم للضوء الصناعي، وقلة انتظام النوم والأكل — كلها عوامل تسبّب اختلال التوازن بين الساعة الداخلية وسلوك الإنسان، وقد أُثبت ارتباطها بزيادة خطر أمراض القلب.
6. اختلاف النمط الزمني (Chronotype):
لكل شخص “توقيته الداخلي” الخاص (صباحي أو مسائي)،
وهذا يؤثر في استجابته للضوء والطعام والنشاط.
تخصيص توقيت التدخلات الصحية وفقًا لهذا النمط قد يُحسّن النتائج ويعزز التوازن اليومي.
7. مستقبل البحث:
حتى الآن لا يمكن قياس الإيقاعات اليومية بدقة إلا في المختبر، لكنّ التقنيات الحديثة — مثل الأجهزة القابلة للارتداء والذكاء الاصطناعي — قد تمكّن الأطباء قريبًا من متابعة الإيقاع الحيوي للفرد عبر مؤشرات مثل حرارة الجلد ومعدل نبض القلب على مدار اليوم.
خلاصة الرسالة:
“لكل إنسان ساعة داخلية، وحان الوقت لنصغي إليها.”
تقول كنوتسون:
“تغييرات بسيطة — مثل النوم والاستيقاظ في نفس الوقت يوميًا، وتناول الوجبات مبكرًا، والتعرض لضوء الصباح — يمكن أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في صحة القلب والتمثيل الغذائي.”
المراجع :
• Role of Circadian Health in Cardiometabolic Health and Disease Risk: A Scientific Statement From the American Heart Association
مجلة Circulation (2025)
رقم المعرف الرقمي (DOI): 10.1161/CIR.0000000000001388
• جمعية القلب الأمريكية (AHA)




