الشيخ الصفّار: أنسنة المدن مسؤولية جماعية وليست حكرًا على صناع القرار

جيهان البشراوي: القطيف
شدّد سماحة الشيخ حسن الصفّار في خطبة الجمعة من محافظة القطيف على أهمية أنسنة المدن، وجعلها بيئة أكثر قربًا من الطبيعة الإنسانية، مؤكدًا أن مسؤولية بناء المدن الإنسانية لا تقتصر على الجهات الرسمية والمخططين، بل تمتد إلى كل فرد يعيش فيها.
واستهلّ سماحته خطبته بالتذكير بقول النبي ﷺ: «يا عباد الله اتقوا ظلم العباد، فمن ظلم أحدًا كان الله خصمه يوم القيامة»، داعيًا إلى تجنّب الظلم بكل أشكاله. ثم تلا قوله تعالى:
﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: 37].
وانطلق الشيخ الصفّار من الآية الكريمة متحدثًا عن تاريخ تطور الحياة الإنسانية منذ العصور الحجرية، مشيرًا إلى أن الإنسان بدأ بالاستقرار في مناطق تتوفر فيها المياه والزراعة، ومنها نشأت المدن الأولى.
وأوضح سماحته أن المدن كانت في بدايتها مجتمعات زراعية صغيرة تحوّلت تدريجيًا إلى مراكز صناعية وتجارية مزدهرة. ولفت إلى أن نسبة سكان المدن لم تتجاوز 2.5٪ في القرن التاسع عشر، لكنها قفزت إلى أكثر من 55٪ عام 2009، ويتوقع أن تبلغ 70٪ بحلول عام 2050 وفق تقارير الأمم المتحدة.
وبيّن أن هذا التحول الكبير نحو الحياة الحضرية جلب معه تحديات اجتماعية ونفسية، منها ارتفاع تكاليف المعيشة، وضعف الروابط الاجتماعية، وتراجع المساحات الخضراء، مما جعل المدن الحديثة – كما وصفها – “كتلاً من الإسمنت والآلات” بعيدة عن الطبيعة والفطرة الإنسانية.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة خصصت يوم 31 أكتوبر من كل عام ليكون اليوم العالمي للمدن، بهدف لفت الأنظار إلى آثار التوسع العمراني وضرورة إيجاد حلول إنسانية تحقق التوازن بين التطور والتعايش.
وأضاف الشيخ الصفّار أن المملكة العربية السعودية كانت من أوائل الدول التي تبنّت مفهوم أنسنة المدن عام 2018م، من خلال إنشاء هيئات تطوير المناطق وعقد مؤتمر دولي في المدينة المنورة لمناقشة هذا التوجه التنموي.
ودعا سماحته المواطنين والمقيمين إلى أن يسهموا في جعل مدنهم أكثر جمالًا وحيوية، قائلًا:
“المدينة هي بيتك الكبير، فحافظ على نظافتها وجمالها، وعزّز روابطك بأهلها.”
كما أثنى على المبادرات المجتمعية مثل “نظّف الكورنيش”، مشيرًا إلى أن هذه الأعمال التطوعية تعبّر عن الإيمان الحقيقي، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: «أماطة الأذى عن الطريق صدقة».
وختم خطبته بالتأكيد على أن جمال المدن لا يُقاس بالمباني وحدها، بل بمدى إنسانيتها، داعيًا إلى جعل مدننا نظيفة، آمنة، ومفعمة بالمحبة والألفة بين الناس.




