هناء الحداد: إبداع يعيد تشكيل المهدرات.. ويصنع فخامة مستدامة

دلال الطريفي : الأحساء
في عالم تتنافس فيه الأقمشة على الحضور قبل الأسماء، وتتحول الموضة فيه من ترف بصري إلى خطاب ثقافي يحمل القيم والهوية، تبرز المُصممة السعودية هناء الحداد كأحد الأصوات الإبداعية التي نقلت التصميم من حدود الزينة إلى فضاء الرسالة.
رحلة بدأت من فستان فرح صنعته بحب، وانتهت إلى فلسفة تصميمية تعيد تعريف الفخامة بمعايير الاستدامة، وتحوّل «الهوت كوتور» إلى مساحة وعي قبل أن يكون منصة عرض.
في هذا الحوار، نقترب من تفاصيل تجربتها، ونتعرّف إلى فلسفة التفرّد، ونكشف كيف تلتقي الحرفية بالفكرة، والتراث بالمستقبل، ليولد عملٌ يرتديه الجمال وترافقه الروح.
– في البداية.. كيف تعرّفين القارئ عن نفسك وعن رحلتك الأولى في عالم الموضة والأزياء؟
أنا هناء الحداد، مصممة أزياء ومدربة معتمدة، ومؤسسة لإحدى العلامات التجارية التي تنسج الفخامة بخيوط الحصرية وتطرّزها بمبادئ الاستدامة. رحلتي لم تبدأ من منصة عرض، بل من قلب مناسبة عائلية، حين وقفت أمام تحدٍ عاطفي: فستان فرح أختي الصغيرة.
بحثت، تعبت، ثم قررت أن أكون أنا المصممة. صنعت لها فستانًا لا يُنسى، وكانت تلك اللحظة شرارة البداية، حين رأيت الإبهار في أعين الجميع، وسمعت التصفيق قبل أن يُرفع الستار.
– ما الذي جذبكِ إلى مجال “الهوت كوتور” تحديدًا، رغم صعوبته واعتماده على الإبداع اليدوي الدقيق؟
الهوت كوتور ليس مجرد خياطة راقية، بل هو مسرح الأرواح الحرة.
كنت دومًا أبحث عن التفرّد، عن كسر القوالب، عن اللعب بالخامات كما يلعب الشاعر بالكلمات، كل غرزة أضعها هي نبضة من قلبي، وكل تصميم هو قصيدة تُروى على جسد امرأة، حين أرى الانبهار في عيون من حولي، أعلم أنني لم أخطّ مجرد فستان، بل لحظة لا تُنسى.
– وصفتِ الموضة بأنها “لغة ثقافية” و”مسؤولية اجتماعية”.. كيف تنعكس هذه الرؤية في أعمالك وتصاميمك؟
الموضة بالنسبة لي ليست زينة، بل ترجمة بصرية لما نحمله من قيم ومشاعر، أستلهم من بيئتي، من تفاصيل الحياة اليومية، وأعيد تشكيلها بذوقي الخاص، محافظًة على الوقار والجمال، وهي مسؤولية؛ لأن كل قطعة أقدمها تحمل رسالة: دعم، حب، ومساهمة في الخير، سواء بهدية لأحبتي أو بمردود يُفتح به باب من أبواب العطاء.
– تجمعين في فلسفتك بين الفخامة والاستدامة.. كيف استطعتِ مواءمة هذين البعدين في التصميم دون التضحية بالجانب الجمالي؟
هنا يكمن سر تصاميمي: أن تكون القطعة فاخرة، لكنها واعية.
أحرص على استغلال كل خامة، وأبتعد عن الكلف الجاهزة لأصنع بصمتي الخاصة، تصاميمي لا تُقلّد؛ لأنها تُولد من مزج غير مألوف، من خامات تُعاد تشكيلها، ومن رؤية تجعل من كل قطعة تحفة فنية قابلة لإعادة التكوين، متعددة الاستخدام، نابضة بالحياة.
– إلى أي مدى تلعب البيئة المحلية والعادات التراثية دورًا في تشكيل أفكارك الإبداعية؟
إلى مدى لا يُقاس.
التراث هو جذوري، والبيئة هي ألواني، أدمج بين الحرفية القديمة واللمسة العصرية، فأخلق تصاميم تحاكي الماضي وتغازل المستقبل، وتروي حكاية وطن في كل غرزة.
– كيف تتعاملين مع عملية استلهام الأفكار وتحويل المهدرات إلى قطع فنية مترفة بروح عصرية؟
بعد أن أضع اللمسة الأخيرة على التصميم، أبدأ رحلة جديدة مع المهدرات، أجمعها كما يجمع الفنان ألوانه، وأجرب، وأبتكر، وأختار الأجمل.
النتيجة؟ قطعة خارجة عن المألوف، تنبض بالجرأة وتُدهش كل من يراها.
– ما أبرز التحديات التي واجهتكِ خلال تأسيس العلامة، خصوصًا أنها قائمة على مبدأ الحصرية والاستدامة؟
أكبر التحديات كانت نُدرة الأيدي الماهرة، وغياب المعامل التي تليق بجودة الرؤية.
هذا النمط مكلف، ويستهدف فئة نادرة، لذا كان عليّ أن أُبدع بالخامات، وأعتمد على مهاراتي الحرفية لأصنع من القليل الكثير، ومن التحدي فرصة.
– شاركتِ بعدد من الفعاليات الوطنية، مثل “فستان المليون وسبعمئة غرزة” و“عرض النوافير المضيئة”.. ما القصة الفنية التي وقفت خلف كل تجربة؟
فستان المليون وسبعمئة غرزة كان رسالة حب جماعية، عرض في مناسبة ملكية، واحتضنت فيه فريق الغربية في منزلي، لأضع لمستي الخاصة.
أما عرض النوافير المضيئة، فكان تجربة عالمية، قدمت فيها تصاميم من كولكشن “خيول عروق الذهب”، بتنظيم مبهر من نور آل جميح، وكانت لحظة فخر لا تُنسى، كتبت فيها فصلًا جديدًا من الإبداع.
– اليوم تتجهين نحو “الأزياء التكييفية” لذوي الهمم.. كيف بدأت هذه المبادرة وما الأثر الإنساني الذي تطمحين لتحقيقه؟
بدأت حين دُعيت للمشاركة في مبادرة “بهاء”، فشعرت أنني أمام رسالة سامية.
دمج ذوي الهمم في المجتمع ليس مجرد هدف، بل ضرورة. هم مدرسة في الإصرار، وجودهم يزرع الحماس، ويطرد اليأس، ويخلق مجتمعًا قويًا بكل أفراده.
– ما أبرز المعايير التصميمية التي يجب أن تتوفر في الأزياء التكييفية حتى تجمع بين الجمال والوظيفية؟
أن تكون مريحة، سهلة الارتداء، جميلة، وفاخرة.
هذه هي المعايير التي أحرص على أن تتجسد في كل تصميم تكييفي، ليكون قطعة تُحتضن لا تُرتدى فقط.
– كيف يمكن للتعليم الأكاديمي المتخصص أن يدعم المصمم في الانتقال من فكرة التصميم إلى رؤية عالمية؟
التعليم الأكاديمي هو البوصلة التي توجه المصمم نحو الطريق الصحيح، يكشف له أين توقف الآخرون، ويمنحه الأدوات ليكمل المسير، ويختصر عليه الزمن باستخدام أحدث التقنيات؛ ليصنع من فكرته رؤية تُبهر العالم.
– ما التقنيات المستقبلية التي ترغبين في توظيفها ضمن مجموعاتك القادمة؟
إلى جانب تقنيات التشكيل، الحرق، التنسيل، والتطريز اليدوي، أرغب بتوظيف الذكاء الاصطناعي فهو يلهمني، يختصر الوقت، ويمنحني نتائج تفوق الخيال، وتفتح لي أبوابًا جديدة من الإبداع.
– برأيك، هل يمكن للموضة السعودية أن تصبح علامة عالمية مؤثرة في مجال الاستدامة؟ وما الدور الذي تطمحين للقيام به في هذا التحول؟
نعم، وبكل يقين.
السعودية غنية بالخامات، متنوعة في الطبيعة، ومليئة بالموارد القابلة لإعادة التشكيل.
– ختامًا.. ما رسالتك للمصممات الشابات اللواتي يسعين لإطلاق بصمتهن الخاصة في سوق الأزياء؟
أقول لكل مصممة: أطلقي العنان لإبداعك، آمني بموهبتك، وتعاوني مع من حولك.
بصمتك الخاصة هي قوتك، وتراثنا البكر هو كنزنا الذي ينتظر أن يُكتشف.
لا تخافي من التفرّد؛ فالعالم لا يُصفق إلا لمن يجرؤ على أن يكون نفسه.
في ختام هذا الحوار، تتوجه صحيفة بشائر بخالص الشكر للمصممة هناء الحداد على حضورها المُلهم، وإضاءتها لتجربتها التي جمعت بين الذائقة الفنية والرسالة الإنسانية.
نسأل الله لها دوام التوفيق والسداد، وأن يكتب لعلامتها مزيدًا من التميّز والانتشار، وأن يجعل ما تقدمه من عطاء وإبداع لبنة في رفعة صناعة الموضة السعودية عالميًا.
دمتِ فخرًا للإبداع السعودي، ونقلة واعية نحو أزياء تحمل جمال الفكرة بقدر ما تحمل جمال القماش.





