
أشرف الأحمد
في عالم اليوم المتسارع، لم يعد النجاح المهني صدفة، بل نتيجة وعيٍ عميق بالذات أولاً وبسوق العمل ثانياً. كثيرون يملكون الشهادات والخبرات، لكن القليلين يملكون الوعي المهني الذي يوجّههم نحو المسار الأنسب ويجعلهم أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مهنية رشيدة ومستدامة.
ويهدف هذا المقال القصير إلى التعريف بمفهوم الوعي المهني وأهميته في حياة الفرد، وتسليط الضوء على دوره في بناء مسار مهني واعٍ ومتزن ينسجم مع قيم الإنسان وطموحاته.
ما هو الوعي المهني؟
الوعي المهني هو إدراك الإنسان لميوله وقدراته وقيمه من جهة، وفهمه لمتطلبات سوق العمل والفرص المتاحة والمهارات المطلوبة فيه من جهة ثانية. يمكن أن نشبه الوعي المهني بالبوصلة التي تربط بين “من أنا” و”إلى أين أريد أن أصل”، أو بين “ما أجيد فعله” و “ما يحتاجه العالم”. فبدون هذا الوعي، قد يجد الشخص نفسه في وظيفة لا تشبهه، أو في مسار لا يعبّر عن طموحه، أو حتى في حالة من التردد المستمر عند كل منعطف مهني.
لماذا نحتاج الوعي المهني؟
كثير من الموظفين حول العالم غير راضين عن وظائفهم. السبب؟ غياب الوعي المهني في مرحلة مبكرة من حياتهم. الوعي المهني ليس ترفًا فكريًا، بل هو ضرورة حياتية تحمي الفرد من القرارات العشوائية، وتساعده على التكيف مع التحولات المستمرة في سوق العمل.
فالشخص الواعي مهنيًا هو من يعرف القيم التي تحركه، ونقاط قوته وضعفه، ويدرك اتجاهات المستقبل، ويستثمر وقته وجهده في بناء المهارات التي يحتاجها سوق العمل. بينما يعيش غير الواعي في دائرة من التخبط والتجربة غير المدروسة.
كيف نبني وعينا المهني؟
التعرّف على الذات: ابدأ بتحديد القيم المهنية، فالقيم هي المبادئ التي توجه اختياراتنا وسلوكنا في الحياة والعمل، مثل الأمان الوظيفي لمن يبحث عن الاستقرار، أو الإنجاز والتحدي لمن يحب المنافسة والتطور، أو خدمة الآخرين لمن يجد سعادته في مساعدة الناس. ثم قيم ميولك المهنية، ومن المقاييس المشهورة لذلك مقياس هولاند للميول المهنية. ولا تنس رصد نقاط قوتك لتعززها ونقاط ضعفك لتعمل على تقويتها. استخدم الأدوات والمقاييس المناسبة لكل مجال أو استعن بمرشد مهني متخصص ليساعدك على رؤية نفسك بوضوح. رحلة التعرف على الذات ليست محطة قصيرة تنتهي بإجراء بعض المقاييس أو الاختبارات، بل هي رحلة مستمرة من التأمل والتجربة والتعلّم، يكتشف فيها الإنسان ذاته أكثر مع كل خطوة يخوضها في الحياة والعمل.
استكشاف المهن: اقرأ، اسأل، زُر أماكن العمل، وشارك في تجارب تطوعية أو تدريبية لتتعرف على واقع كل مهنة قبل أن تخوضها. ومن الجهات الداعمة في هذا المجال المرصد الوطني للعمل https://nlo.gov.sa والذي يعتبر المصدر الرئيسي والموثوق لبيانات ومرئيات سوق العمل السعودي.
تعلم مهارات البحث عن عمل: ومن جوانب الوعي المهني أيضًا امتلاك مهارات البحث عن عمل، فهي التي تمكّنك من تحويل المعرفة والمهارة إلى فرصة حقيقية. وتشمل هذه المهارات كتابة سيرة ذاتية مميزة، وبناء حضور مهني على المنصات الرقمية، والاستعداد الجيد للمقابلات، وهي مهارات أصبحت اليوم أساسًا للنجاح في سوقٍ تنافسي لا يكفي فيه المؤهل وحده.
التعلّم المستمر: سوق العمل يتغير بسرعة. المهارات التي كانت مطلوبة قبل خمس سنوات قد لا تكون كافية اليوم. كن متعلّمًا مدى الحياة. وبحمد الله منصات التعلم أصبحت كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: منصة اثرائي – ethrai.sa، معهد الإدارة العامة – ipa.edu.sa، منصة سديم – sdeem.org.
بناء شبكة علاقات مهنية: التواصل مع المهنيين في مجالك يفتح لك آفاقًا جديدة وفرصًا غير متوقعة. ومن أشهر تلك المنصات Linked In.
التخطيط للمستقبل: ضع أهدافًا مهنية واضحة، قصيرة وطويلة المدى، وراجعها كل فترة لتتأكد أنك تسير في الاتجاه الصحيح. احرص أن تتضمن خطتك الشخصية ما يناسبك مما ذكر أعلاه.
الوعي المهني مسؤولية مجتمعية
ليس الوعي المهني مسؤولية الفرد وحده، بل هو مسؤولية الأسرة، والمدرسة، والجامعة، والمرشدين المهنيين، ومؤسسات العمل كذلك. فحين يسهم الجميع في بناء جيل واعٍ مهنيًا، فإننا نؤسس لمجتمع منتج، متوازن، ومزدهر.
الوعي المهني ليس مجرد معرفة بالمهن، بل هو معرفة بالنفس وبالواقع. إنه الخطوة الأولى نحو النجاح الحقيقي في الحياة والعمل.




