السقف الذي نحتمي تحته

أمير بوخمسين
هناك من يظن أن الأخلاق تؤجل وقت الأزمات، بينما الحقيقة تقول إن الأخلاق تعرف في أشد اللحظات قسوة. وعند المحن في زمن السلم الناس تزين نفسها بالفضائل، لأن الطريق ممهد. وفي زمن الفوضى، النفوس تكشف بالرتوش. ولعل الحروب خير دليل على كشف حقيقة الانسان ومعدنه، فما نراه في الكثير من الدول والفوضى العارمة التي تسود هذه المجتمعات لدليل على هشاشة الالتزام بالقيم الأخلاقية، فمن يثبت، ومن يبيع ضميره بثمن الخوف أو الجوع أو الغنيمة.
أن الأخلاق لتهبط فجأة، ولتكتسب عبر تمارين وخطوات محددة، ولكنها تتكون عبر سنوات من التربية والإيمان والقدوة. تبدأ من البيت، وتكبر في مجتمع يحترم القانون وتزدهر حين يرى الإنسان أمامه أنموذجًا يحتذى به، الدول القوية تصون الأخلاق لأنها توفر العدل، والعدل أكبر رافعة للضمير الإنساني.
لا توجد أخلاق في الأرض لا يشعر فيها المواطن بالأمان وبحقه في العدل، والحياة الكريمة. تبدأ الأخلاق في التآكل رويدًا رويدًا، حين يسكت الناس عن الظلم، وحين يتحول الغضب من الباطل إلى عادة يومية دون فعل. تبدأ بالقبول الصغير، وتبرير السرقة باسم الحاجة، وتبرير القسوة باسم النجاة، وتبرير الصمت باسم الحكمة. حينها تتحول الفوضى إلى معيار، ويصبح القوي هو من يفرض حكمه لا من يصون حقه.
الأخلاق هي مجموعة من القيم والمبادئ التي تحدد سلوك الأفراد وتوجهاتهم. ويمكن أن نبني الأخلاق من خلال مجموعة من العوامل.. الدين والمعتقدات.. العديد من الأديان توفر إرشادات أخلاقية واضحة، مما يساعد الأفراد على تحديد ما هو صحيح وما هو خطأ. التربية والتنشئة.. العائلة تلعب دورًا رئيسًا في تشكيل القيم الأخلاقية، والأهل قدوة لأبنائهم، وسلوكهم يؤثر على فهم الأطفال للأخلاق. التعليم.. المناهج الدراسية التي تتناول موضوعات مثل العدالة، الاحترام، والتعاطف تعزز القيم الأخلاقية. التجارب الحياتية والتجارب الشخصية والتفاعل مع الآخرين يمكن أن يساهم في تطوير الفهم الأخلاقي. المجتمع والثقافة.. القيم الاجتماعية والثقافية تؤثر على الأخلاق. المجتمعات التي تعزز التعاون والتسامح تساهم في بناء أخلاق الأفراد.
لا شيء يهدم الأخلاق سوى أن يتعود الإنسان على رؤية الباطل دون ان ينكره، أو يرفضه، ويشير إليه مباشرة، عاملًا ومجتهدًا في محاربته وتغييره، فالأوطان لا تزدهر وتسمو إلا بأيد نظيفة، وقلوب واعية. ولا تبنى دون أخلاق وصوت ضمير. أما كيف تنهدم الأخلاق.. غياب القدوة.. عندما يفتقر الأفراد إلى نماذج إيجابية تتأثر قيمهم الأخلاقية سلبًا. التأثيرات السلبية.. التعرض للعنف أو الظلم أو الفساد يؤدي إلى تدهور القيم الأخلاقية. الضغوطات الاجتماعية.. أحيانًا، قد يضطر الأفراد لتبني سلوكيات غير أخلاقية نتيجة لضغوط من المجتمع. عدم التعليم.. نقص التعليم في القيم الأخلاقية يؤدي إلى سوء الفهم والسلوك غير الأخلاقي. الانفصال عن القيم.. مع مرور الوقت، التغير الثقافي أو الاجتماعي يحدث تآكل في القيم الأخلاقية التقليدية. الأخلاق ليست ثابتة، بل تتشكل وتتغير بنا ًء على عدة عوامل، وتعزيز القيم الأخلاقية يتطلب جهدًا مستمًرا من الأفراد والمجتمعات. إن نهضة المجتمعات تقاس بقدرتها على حماية القيم حين يتصارع البقاء والإنسانية. والطريق لبناء الأخلاق، يبدأ بإعادة الروح إلى العدل. فلا إصلاح دون عدالة تقتص للمظلوم وتحاسب الظالم. ويأتي دور الوعي، والتعليم، وتقديم القدوة. تحتاج المجتمعات إلى أصوات صادقة تقول الحقيقة، لا أصواتا تساوم عليها. تحتاج إلى عيون تسهر على الناس لا على السلطة، الأخلاق تُبنى حين نربط بين الإيمان والقيمة والسلوك اليومي. وتسقط المجتمعات وتنهار، حين ينسى أن الإنسان قيمة قبل أن يكون فردا في معركة أو رقما في صف. الأخلاق هي السقف الذي نحتمي تحته حين ينهار كل شيء.




