المعلم والمدارس الأهلية

فاضل هلال

فقال تعالى: (وَمَنْ آتَاهُ الْعِلْمَ فَقَدْ آتَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة: 269].

تحية طيبة لك من القلب أيها المعلم الفاضل المتميز والرجل المتألق، صاحب الرسالة القدسية الذي لطالما أغدقت علينا من علمك وكنت قدوة وأنموذجاً يحتذي به الطلاب، ولطالما تعلمنا منك الكثير من القيم ومن المعارف ومن العلوم ومن الآداب والأخلاق، نِعم المُربي أنت ونِعم الأب الذي يساند ويؤازر الآباء في تهذيب وتعليم وتنشئة جيل متعلم على مدار الرحلة الدراسية والتعليمية. إني وبكل اعتزاز واحترام أرفع لك معلمي العزيز القبعة تقديرًا وفخرًا بك. فهل أنت يا معلمي الفاضل بقلبك الكبير وفكرك التطلعي الواسع وأخلاقك الرفيعة وصبرك الجميل لا تستحق مني التقدير؟ بل تستحق أكثر من ذلك.

وإننا في هذا المقال أحببنا أن نتطرق ونتكلم عن ذلك المعلم في المدرسة الخاصة والأهلية، فهل هو نفسه ذلك المعلم في المدارس الحكومية؟ أم مُختلف عنه؟

قال تعالى‏:‏ ‏{ ‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏} ‏ [‏المجادلة‏:‏ 11‏]

نحن نعلم وعلى يقين بأن مهنة التعليم مهنة رسالية وتعليمية وتثقيفية، تعتمد على قدرات وإمكانات وطبيعة فكرية وقدرة عقلية وجسدية للمعلم. فجميع الحواس في الجسم تعطي إيماءات تساعد المعلم على إيصال المعلومات للطالب على مستوى عقلي وفكري وثقافي لجميع الفئات. فهي مهنة متعبة جدًّا ومتجددة وتحتاج كمًّا كبيرًا من الثقافة والمعلومات والمعارف المختلفة. وإن المعلم يتعامل مع شريحة كبيرة من الطلاب داخل صف دراسي بمختلف المستويات العقلية والفكرية والثقافية التي تتطلب منه الكفاءة الكبيرة والدرجات العلمية المؤهلة للتدريس التي تساعده على إيصال المعلومة لجميع الطلاب، مع مراعاة الفروق والقدرات العقلية لكل طالب ويجب عليه أن يعمل بكل إخلاص وذمة ويمارس هذا العمل طول يومه العملي دون ملل ولا تعب. كما يجب عليه التركيز في عمله وأن ينسى جميع الضغوط الخارجية والمشاكل المجتمعية وغيرها مما يعرقل ويضعف أداءه الوظيفي، إضافة إلى المتابعة والتحضيرات في المنزل. وهذا ينطبق على جميع المعلمين في المدارس التعليمية. فهل هنالك فرق بين المعلم في المدرسة الخاصة الأهلية والمعلم في المدرسة الحكومية؟

قد يلجأ الشخص المُحب لمهنة التدريس للالتحاق بوظيفة معلم في مدرسة خاصة كخيار بديل يتناسب مع اختصاصه ومؤهلاته العلمية والدراسية التي تؤهله لمهنة التعليم، وقد يقبل براتب متدن جدًا في بداية الأمر اعتقادًا منه بأنها فترة مؤقته حتى يلتحق بالوظيفة الحكومية. وفي هذه الفترة يكتسب الخبرات والدورات التعليمية والثقافية المتطورة التي تدعم موقفه كمعلم ممارس كفء، وتؤهله للتعليم أو تعطيه الأولوية في التدريس، وذلك بسبب امتلاكه القدرات والكفاءات الأفضل في أسلوب التعليم والتدريس والإبداع، والتي من المفترض أن تمنحه الأولوية للالتحاق بالوظائف التعليمية كمعلم لديه الجاهزية والخبرة العملية في المجال نفسه، ولكن مع الأسف لم تسنح له الفرصة بأن يلتحق بالكادر التعليمي الحكومي، وقد تطول مدة انتظاره للوظيفة الحكومية وتنطوي السنين به ويكبر في العمر و يفكر في الزواج وتكوين أسرة.

فهل مع هذا الدخل البسيط الذي لا يؤهله في الغالب لحياة بسيطة لرجل عازب سيؤهله لتكوين عائلة ولا سيما في زمننا الحاضر مع ارتفاع المعيشة والحياة بصورة عامة وقد تطول فترة التحاقه بالمدرسة الخاصة والأهلية حتى يلتحق بالتوظيف الحكومي أو يستمر في المدارس الأهلية. إن السنين تمضي بنا دون أن نشعر بها وتضيع علينا الفرص ونكبر في العمر دون أن نحقق شيئًا لمستقبلنا.

أسئلة مُحيرة:

لماذا يُعامل المعلم في المدارس الخاصة والأهلية تارة بنظام الشركة وتارة بنظام مكتب التعليم؟

لماذا يُحرم المعلم في المدرسة الأهلية من الإجازات الطويلة الممنوحة للمعلمين الحكوميين ويُطبق علية نظام الموظفين في مقر الشركة وليس المدرسة مع أن رواتب موظفي الشركة التعليمية (وليس المعلمين في المدرسة) أعلى بمراحل من رواتب المعلمين؟

لماذا رواتب المعلمين في المدارس الخاصة متدنية جدًا؟ مع العلم بأنها تربح الملايين من الطلاب، وتتقاضى دعمًا مقدمًا من الدولة.

وقفة تأمل:

فلو قسناها بالعقل وبصورة مبسطة لتعجبنا كم هو أدنى راتب موظف سعودي دون شهادة؟

وكم هو راتب موظف سعودي يمتلك شهادة متوسطة وثانوية؟ وكم هو راتب الموظف السعودي الجامعي؟

ما هي مستويات الشهادة الجامعية (بكالوريوس) وما مقياسها؟ ولماذا يختلف الراتب فيها من مؤسسة لمؤسسة ومن وشركة لشركة؟ أمور محيرة

إن رواتب المعلمين في المدرسة الخاصة لا يكفي لشخص عازب فكيف يكفي لشخصٍ متزوجٍ أو شخصٍ مغتربٍ من منطقة بعيدة وساكن بالإيجار. هذا الراتب لا يؤهل لا للزواج ولا للحياة الكريمة والبسيطة ولا للمستقبل.

نحن فقط نتمنى المساواة في الإجازات الممنوحة من الدولة للمعلمين وإعادة النظر في تعديل الأجر الشهري الذي يتقاضاه المعلم في المدارس الخاصة لا سيما وأنه يعمل ساعات وفترات زمنية مقاربة أو أكثر من المعلم في المدارس الحكومية، إضافة إلى أنه يُعامل تارة بنظام الشركة وتارة بنظام مكتب التعليم وذلك فيما يخدم مصلحة الشركة التعليمية التي يعمل لديها. هذا المعلم الذي يربي ويعلم الأطفال منذ نعومة أناملهم إلى أن يتخرج الطالب منهم من الثانوية العامة بما يقارب عقودًا من السنوات فيلتحق بالجامعة ويتخرج بشهادة بكالوريوس أو دكتوراه ويتوظف مهندسًا أو طبيبًا أو موظفًا حكوميًّا أو عاملًا أو في أية منشآت صغيرة وبراتب أفضل من راتب هذا المعلم المسكين الذي قضى عمره في خدمة الطلاب والتعليم، فقط لحبه لوظيفة التعليم.

في الختام

إن أقل راتب للسعودي هو 4000 ريال سعودي، وهو الحد الأدنى للأجور الشهرية في المملكة العربية السعودية، وذلك عند احتسابه ضمن نسبة التوطين في برنامج نطاقات، هذا هو راتب العامل السعودي الذي لا يقل عن 4000 ريال في الشهر وبشهادة ابتدائي أو متوسط، فهل يعقل أن يكون راتب المعلم الحاصل على البكالوريوس أو الماجستير إضافة للدورات التدريبية، هذا المعلم الذي يربي وينشئ أجيالًا تخدم المجتمع بجميع فئاته العملية والعلمية هل من العدل أن يتقاضى مثل راتب موظف الكاشير أو موظف الكوفيهات أو العمال أو حراس الأمن؟ هذا الراتب الذي لو أخذت منه نسبة الضريبة والإيجار الشهري وتسديد الفواتير وتعبئة الوقود لما كان كفاية لرجل أعزب فكيف يؤهل المتزوج.

إن غالبية الشركات التعليمية أو جميعها شركات ربحية همها الأول والأخير هو تحصيل المال ونسبة الأرباح التي تحصدها نهاية العام الدراسي من أولياء الأمور، وتقليص رواتب المعلمين وعدم الزيادات سوف يرفع من نسبة أرباحها، مما يجعلها تستمر بإعطاء المعلم السعودي (أقل راتب مخصص للسعوديين 4000 ريال) حسب قرار الدولة.

نصيحة لك معلمي في المدارس الخاصة:

إذا كنت تطمح لحياة كريمة وسعيدة في حياتك فلتكن المدارس الأهلية آخر قراراتك في التوظيف لأنهم ومع الأسف ينظرون لك نظرة الموظف المؤقت لا المؤهل الذي يمر عليهم مرورًا سريعًا فيشغل الوظيفة مؤقتًا ثم يغادرهم، ولن يتمسكوا بك مهما كانت إمكاناتك وقدراتك الوظيفية وتقييمك المتميز، وذلك لوجود خريجين تربويين جدد في كل عام متقدمين للوظائف.