أقلام

أخلاق النحل وطباع الذباب

حسين الحاجي

في هذه الحياة لا يختلف الناس كثيراً عن الكائنات التي تُحلق فوقهم.

الجميع يملك جناحين لكن الاتجاه هو ما يصنع الفارق.

النحلة تمضي إلى الزهر وتحمل في قلبها نية العطاء فتصنع من الرحيق دواءً ومن الصمت جمالاً ومن تعبها عسلاً يداوي القلوب.

تمرّ على الشوك فلا تلعنه وتترك خلفها عطراً لا يزول لأنها تؤمن أن السمو لا يُقاس بالصوت بل بالفعل.

أما الذبابة أجلكم الله فمفتونة بالضجيج وتفرح بالهبوط أكثر مما تحلم بالتحليق وتدور حول نفسها كأنها تهرب من سكونها وتميل إلى الكدر كما تميل القلوب المرهقة إلى الشكوى ، تمرّ على الزهور فلا تراها لأن العيون التي لا تحب النور لا تراه.

تعيش على ما يُفسد وتغادر دون أن يفتقدها أحد فحضورها إزعاج ورحيلها راحة.

هكذا الناس

منهم نحلات تعرف طريقها وتمضي بخفةٍ ووعي ، تبني ولا تهدم وتزرع ولا تقتلع ، تبحث عن الجميل لتكبر به لا عن القبيح لتلوّث نفسها به.

وجودهم مريح وكلماتهم طيبة وأفعالهم تشبه النسيم في يوماً حاراً طويل.

ومنهم ذباب بشري ، يفتش في الظلال عن الأخطاء ويرى الزلات تحت المجهر ويتجاهل الجمال الذي يملأ الصورة.

يتكلم عن الفضائل بلسانٍ لا يعيشها ويظن أن كثرة النقد تعني الفهم وأن الضوضاء دليل ذكاء.

الحكمة البسيطة التي تتوارى خلف المشهد تقول :

إن العيون لا ترى إلا ما يشبه قلوبها وأن النقاء قرار لا صدفة وأن الجمال يبدأ من الداخل لا من المشهد.

فكن نحلةً في قولك وسلوكك ،

تجمع من الأيام رحيقها وتترك خلفك طيبها

ولا تكن ذبابةً تطنّ حول ما يفسد وتغيب بلا أثر.

امضِ في الحياة كما تمضي النحلة لا تؤذي أحداً ولا ترفع صوتك ولكن دع أثرك يتحدث عنك.

فالعظماء لا يُقاسون بما قالوا بل بما تركوا من عطرٍ بعد رحيلهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى