
د. حجي الزويد
أحمد العيثان: كاتبٌ حمل الحرفَ رسالةً وجعل من الأحساء ذاكرةً تُحكى وقيمًا تُروى
وُلِد الأديب أحمد معتوق محمد العيثان في بلدة القارة بمحافظة الأحساء في غرة شهر شوال عام 1387هـ، حيث تربّى في بيئة علمٍ وفضيلةٍ وثقافةٍ دينيةٍ واجتماعيةٍ عريقة، تنتمي إلى أسرةٍ علميةٍ عُرفت عبر قرونٍ بتخريج العلماء والأدباء والمصلحين، فكان الامتداد الواعي لهذا الإرث الإنسانيّ والروحيّ الذي صاغ وجدان المجتمع الأحسائي وملامحه الفكرية.
رحلته الثقافية والأدبية: الملامح الإبداعية المبكرة
منذ شبابه الأول، ظهرت ميوله الأدبية والفكرية جليةً في كتاباته المبكرة التي كانت تحمل تأملاتٍ فلسفيةً واجتماعيةً وإنسانيةً راقية. وقد تنوّعت أعماله بين الخاطرة والمقالة والقصة والرواية والشعر، فجمع بين الفكر والسرد، وبين التأمل والتحليل، بأسلوبٍ يمتاز بالعمق اللغوي والصدق الشعوري.
انفتح على الحياة الثقافية المحلية والعربية، فشارك في المنتديات الأدبية والملتقيات الفكرية، وأسهم في إدارة الحوارات والندوات الثقافية والاجتماعية، وحضر العديد من الأمسيات والاحتفالات والمناسبات الوطنية والاجتماعية.
إسهاماته الإعلامية:
نُشر نتاجه في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية منذ أكثر من 35 عامًا، فكان من الأقلام النشطة في مجلات:
• العربي الكويتية،
• الحدث الكويتية،
• الشرق السعودية،
•الكويت
إضافةً إلى حضوره الدائم في الصحف السعودية والملاحق الثقافية والمنتديات الأدبية عبر شبكة الإنترنت؛ كما أُجريت معه مقابلات تلفزيونية وإذاعية عدّة، متوفرة على قنوات “اليوتيوب”، تناولت سيرته الأدبية ومشروعه الثقافي في توثيق تراث أسرته ومنطقته.
المشاركة المجتمعية:
عمل العيثان لأكثر من خمسة عشر عامًا في المجال الاجتماعي في مجتمع القارة، وأسهم في تنظيم الندوات والحوارات الثقافية، وانضمّ إلى اللجان الثقافية، فكان فاعلاً في المواسم الثقافية والاحتفالات المجتمعية.
وقد امتاز بتقديم رؤى نقدية وتحليلية لقضايا اجتماعية وتربوية، بلغةٍ تجمع بين الأدب والتاريخ، وبين الفكرة والوجدان.
المشروع التراثي الكبير: “سلسلة آل عيثان”:
يُعد مشروعه الأشهر والأوسع تأثيرًا هو “مشروع تراث آل عيثان”، وهو جهدٌ شخصي ضخم بدأه عام 1413هـ.
انبثقت فكرته من إحساسه العميق بأهمية حفظ الذاكرة التاريخية لعائلته، فسعى — بجهدٍ ذاتي خالص — إلى جمع كل ما يتصل بتاريخ آل العيثان من المخطوطات، والوثائق، والكتب القديمة، والصور، والمراسلات، والسير الذاتية للعلماء والأدباء.
انبثقت الفكرة من حرصه على جمع التراث العلمي والأدبي والتاريخي للعائلة، قديمًا وحديثًا، وقد واصل العمل بصبرٍ وتفانٍ حتى أطلق أول كتابٍ من “سلسلة آل عيثان” عام 1439هـ (2018م)، وتتابعت الإصدارات حتى بلغت أحد عشر كتابًا مطبوعًا حتى الآن، مع نية استكمال المشروع بطباعة ما تبقى في المستقبل القريب بإذن الله.
يُعدّ هذا المشروع علامةً فارقةً في تاريخ التوثيق المحلي في الأحساء، لأنه جمع بين الجهد الفردي والرؤية المؤسسية، وبين الوفاء والهوية في آنٍ واحد.
أبرز مؤلفاته المنشورة:
على مدى ربع قرنٍ من الإبداع، أصدر الأديب أحمد العيثان عشرات المؤلفات في مجالاتٍ متنوّعة، منها الأدبي والاجتماعي والتاريخي والديني، ومن أبرزها:
1. همسات على الطريق – الطبعة الأولى 1419هـ / 1999م.
2. أنشودة الصمت الدائم (قصص وخواطر) – 1424هـ / 2003م.
3. نبضات (مقالات وخواطر) – 1425هـ / 2004م.
4. زواج الأقارب والأباعد: رؤية تحليلية – 1426هـ / 2005م.
5. أسرار (رواية) – الطبعة الثانية 1427هـ / 2006م.
6. شجرة الدموع (رواية) – الطبعة الأولى 1430هـ / 2009م.
7. ماضي القارة وحاضرها – الطبعة الأولى 1436هـ / 2015م، أعيدت طباعته ثانية عام 1446هـ / 2025م.
8. تراتيل عائمة (مجموعة أدبية) – الطبعة الأولى 1438هـ / 2016م.
9. سفينة نوح (ديوان شعر بالفصحى) – الطبعة الأولى 1438هـ / 2017م.
10. أودية غائرة (مجموعة أدبية) – الطبعة الأولى 1438هـ / 2017م.
11. الشاعر الإنسان معتوق العيثان – طُبع في أربعينيته 1441هـ.
12. الشاعر معتوق العيثان: ومضات من حياته – 1442هـ.
13. أستاذ العلماء وفقيه المراجع: العلامة الشيخ علي العيثان – 1442هـ.
14. الملا عبد الحسين العيثان: حياته وشعره – 1442هـ.
15. العلامة الشيخ حسين العيثان: عالم الفقهاء – 1443هـ / 2022م.
16. هدير (ديوان شعر) – 1443هـ / 2022م.
17. كشكول آل عيثان في العلم والأدب والتراث والحياة – 1444هـ / 2023م.
18. للصورة لغة أخرى – (قراءات أدبية وفلسفية في فن الصورة) – 1444هـ / 2023م.
19. مشجرة عائلة العيثان – 1444هـ / 2023م.
20. العلامة الدكتور الشيخ عادل بن معتوق العيثان: مدرسة متميزة ومرجعية مستقلة بالأصول الشمولية – أربعة مجلدات – 1446هـ / 2024م.
21. ماضي القارة وحاضرها (الطبعة الثانية) – 1446هـ / 2025م.
22. الناشط الاجتماعي طاهر العيثان: مسيرة عطاء – قيد الطباعة.
23. الشيخ قاسم العيثان: حياته وسيرته العلمية – قيد الطباعة.
مشروعاته القادمة:
يعمل العيثان على عددٍ من الكتب الجاهزة للطباعة، منها:
• الإمامة وخلافة الإمام علي (ع)،
•أحاديث قلم (في العلم والأدب والتاريخ)،
•أفكار قادمة،
•كلمات لها معنى،
• للدين طريق آخر (كتاب ذو طابع ديني)،
• الصراع الإنساني (كتاب أخلاقي)،
•أقدار (ديوان شعر شعبي)،
• الانفصال (رواية)،
•لعبة الزمن (رواية)،
•بحوث اجتماعية،
• رؤية انطباعية (قراءات أدبية لشعراء المنطقة).
كما يعمل على معجم أسماء آل عيثان ومقالات ممنوعة ومسرحيات متعددة، منها: البوق والتفوق الدراسي والزواج وبناتنا أولى، بالإضافة إلى مؤلفاتٍ قيد الكتابة مثل: مواقف لا تُنسى، وحيد (رواية)، الإمام الحسين شهيدًا، وعندما يقسو الرجل.
الأسلوب والهوية الأدبية:
يتميّز أسلوب العيثان بالجمع بين العمق التحليلي والروح الوجدانية، فهو يكتب بروح الباحث الذي يتقصّى المعاني، وبقلب الشاعر الذي يتذوّق الجمال في الأشياء الصغيرة.
يُعنى ببيئته المحلية ويعكسها في أعماله، مستلهمًا من القارة واحة الحنين والجذور، ومن الأحساء فضاء الفكر والتاريخ والإنسان.
تمتاز لغته بالصفاء والرمزية والقدرة على الإيحاء، حيث تتقاطع في نصوصه القيم الدينية والاجتماعية مع التأملات الإنسانية في الحب والموت والقدر.
كما تنضح مقالاته بروح الإصلاح الاجتماعي ونقد العادات الجامدة، بأسلوبٍ رصينٍ يمزج بين الأدب والفكر.
مكانته الثقافية:
يُعدّ العيثان من أبرز الأسماء الأحسائية التي جمعت بين الكتابة الأدبية والتوثيق التاريخي، ومن أوائل من بادروا إلى تأريخ سير العلماء والأدباء من آل العيثان وتقديمها في سلاسل علمية موثّقة.
وقد ذُكرت ترجمته في عددٍ من الكتب والموسوعات منها:
• معجم الخطباء
•إحسائيون في كربلاء المقدسة
• الشيخ لطف الله آل عيثان (ظهور بعد نسيان)
• معجم الشعراء الناظمين في الإمام الحسين
• عروق السنين
• مجلة العهد
• دائرة المعارف الحسينية
• دليل الأدباء بدول مجلس التعاون الخليجي
• معجم أعلام الأحساء
• حركة التأليف والنشر في المملكة العربية السعودية،
•وغيرها من المؤلفات التي وثّقت سيرته وأعماله.
المنهج والرؤية
يرى العيثان أن الأدب لا يُكتب للزخرفة بل للبناء، وأن التوثيق ليس سردًا للأحداث فحسب، بل هو حفظٌ للذاكرة الجمعية.
يؤمن بأن الكاتب الحقيقي هو الذي يربط الإنسان بجذوره دون أن يمنعه ذلك من الانفتاح على العالم.
ومن هنا جاءت أعماله مفعمةً بالانتماء والصدق، تُعبّر عن الإنسان الأحسائي والعربي في آنٍ واحد.
خاتمة :
إن سيرة الأديب أحمد العيثان هي قصة حياةٍ تنبض بالكتابة والعطاء، وسيرة أحسائيٍّ وفيٍّ لتراثه وهويته، جعل من الكلمة جسرًا بين الماضي والحاضر، ومن الفكر وسيلةً لبناء الإنسان والمجتمع.
هو أنموذجٌ للمثقف المتوازن بين الفكر والدين، بين الأصالة والمعاصرة، وبين القلم والإنسان.
ولئن كان قد وثّق تراث أسرته، فإن سيرته نفسها أصبحت جزءًا من تراث الأحساء الأدبي الذي سيبقى يُروى للأجيال القادمة.
الأديب العيثان هو أحد أعمدة المشهد الثقافي في الأحساء، وأحد أبرز وجوهها في ميدان الكتابة والتوثيق، قدّم للأدب والفكر أنموذجًا متفرّدًا يجمع بين الكتابة الإبداعية والعمل المجتمعي، وبين التأمل الفلسفي والتاريخي، وبين الوفاء للتراث والانفتاح على المستقبل.
لقد كتب فأخلص، ووثّق فأضاء، فصار جزءًا من ذاكرة الأحساء الأدبية والتاريخية التي لن تُمحى.
وستبقى سيرته مصدر إلهامٍ للأجيال القادمة، وشاهدًا على أن الكلمة حين تُكتب بصدقٍ تبقى ما بقي النور.





