أقلام

الدوبامين يجعل الناس أطول صبرًا وأقل اندفاعيةً وأقوى على مقاومة الإغراءات الآنية

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

دواء ليڤودويا (L-DOPA ) (1) وهو السلف المنتج للناقل العصبي الدوبامين، يساعد الناس على الصبر لفترة أطول وعلهم أكثر استعدادًا للانتظار أطول للحصول على مكافأت أفضل قيمة في الآجل، بدلًا من الاستعجال والحصول على مكافأة أقل قيمة في العاجل. عملت دراسة جديدة (2) على معالجة الثغرات في الدراسات السابقة التي وجدت خلاف تلك النتيجة. ومن شأن هذه النتائج أن تساعد الباحثين على فهم مدى تأثير الدوبامين في اتخاذ القرارات، ولماذا يجد بعض الناس صعوبة في الانتظار طويلًا للحصول على مكافآت أفضل في الآجل.

أجرى فريق بحثي من جامعة كولونيا الألمانية واحدة من أشمل الدراسات على مدى تأثير الدوبامين في عملية اتخاذ الناس قراراتهم، مدعمًا نتائجه بأدلة تثبت تأثير الدوبامين في اتخاذ القرار. الدوبامين هو ناقل عصبي يدخل في الكثير من الوظائف، بما في ذلك الاندفاعية (3) والمكافأة (4) والتعلم (5). فريق في قسم علم النفس بقيادة الدكتورة إلكي سميث Elke Smith والأستاذ يان بيترز Jan Peters وجد أن ليڤيدوبا L-DOPA، المادة السلف التي منها ينتج الدوبامين، تزيد من مستويات الدوبامين في الدماغ، زاد بشكل طفيف من استعداد المشاركين في الدراسة لانتظار مكافآت أفضل في الآجل (في المستقبل. على سبيل المثال، الاختيار بين مكافأة أدنى عاجلًا أو مكافأة أفضل لاحقًا). أعطى الفريق البحثي المشاركين دواء ليڤيدوبا، وقارنوا بعد ذلك قراراتهم بالمشاركين الذين أعطوهم دواءً وهميًا (بلاسيبو). وجد الفريق أن ليڤيدوبا الحقيقي حدَّ من مستوى الاندفاعية لدى مجموعة المشاركين الأولى بنحو 20%، مقارنةً بمجموعة المشاركين الذي وُضعوا على الدواء الوهمي. هذا التأثير المتواضع جدير بالملاحظة، لأنه يطعن في نتائج دراسات سابقة، كانت أصغر حجمًا بكثير من هذه الدراسة الجديدة، والتي وجدت أن ارتفاع مستوى ليڤيدوبا زاد من مستوى الاندفاعية لدى المشاركين [وهذا خلاف ما وجدته هذه الدراسة الجديدة].

نُشرت الدراسة (2) تحت عنوان: “الدوبامين وتفضيل المكافأة العاجلة على الآجلة (ما يعرف بالخصم الزمني): إعادة النظر في علم الأدوية والفروق الفردية” في مجلة علوم الأعصاب. الخصم الزمني temporal discounting يبرز عند اتخاذ الناس قراراتهم فإنهم غالبًا ما يُفضّلون المكافآت الآنية المتدنية قيمةً على المكافآت المؤجلة العالية قيمةً.

إذن النتائج الجديدة أكدت أن ليڤيدوبا جعل المشاركين أكثر استعدادًا لانتظار مكافأة أفضل لاحقًا (مؤجلة)، مما يعني أنهم أصبحوا أقل اندفاعية من أولائك الذين وضعوا على الدواء الوهمي.

أدى الدوبامين إلى تحسين مستوى صبر الناس، وحدّْ من اتخاذ قرارات اندفاعية، وهي النتيجة التي تتعارض مع نتائج الدراسات السابقة التي ربطت ارتفاع مستوى الدوبامين بسلوكيات أكثر اندفاعية.

يرتبط الخصم الزمني القوي، الذي يعكس تفضيل المكافآت العاجلة على المكافآت الآجلة، باتخاذ قرارات أكثر اندفاعًا، وغالبًا ما يُلاحظ عند المصابين باضطراب نظام الدوبامين في الدماغ، كما هو الحال في اضطرابات تعاطي المخدرات والإدمان السلوكي (6). بالرغم من أن الدوبامين معروف بدوره الرئيس في اتخاذ القرارات، إلا أن الأبحاث السابقة أسفرت عن نتائج متضاربة، إذ تُفيد أحيانًا بأن الدوبامين يزيد من الاندفاعية، وتُفيد أحيانًا أخرى إلى أنه يُعزز الصبر ويجعل الناس أكثر استعدادًا للانتظار. وقد اتسمت العديد من هذه الدراسات بصغر حجم العينات، الأمر الذي صعّب التوصل إلى استنتاجات قاطعة وقلل من قوة استنتاجاتها وقابليتها للتعميم.

لتوضيح هذه النتائج المتضاربة، أجرى فريق البحث دراسة واسعة النطاق نسبيًا، شملت متغيرات إضافية قد تُشكّل أساسًا للفروقات بين الناس في وظيفة الدوبامين، والتي قد تؤثر في مقدار استجابة الناس للدواء (ليڤيدوبا) المنتجة للدوبامين.

في دراسة معشاة مزدوجة التعمية، مُنضبطة بالتأثير الوهمي (في هذه الحالة قيل لمجموعة من المشاركين أنه دواء ليڤيدوبا، وهو ليس كذلك)، شملت أفرادًا داخل المجموعة، تلقى 76 مشاركًا من الذكور والإناث الأصحاء إما دواءً وهميًا أو ليڤيدوبا واختاروا بين مكافآت فورية آقل قيمة ومكافآت مؤجلة أفضل قيمة. وباستخدام النمذجة الإدراكية o، وهي طريقة تستخدم نماذج رياضية وإجصائية على الكومبيوتر لمعرفة وفهم العمليات العقلية رياضيًا. درس الفريق بشكل أعمق مدى تأثير الدوبامين في الجوانب الدقيقة لعملية اتخاذ القرار، مثل معدل تراكم الأدلة [عملية يجمع الدماغ فيها المعلومات على فترة زمنية ومراكمتها حتى يصبح مستعدًا لصنع أو اتخاذ القرار]، والحذر في عملية الاستجابة [الحذر في الاستجابة يتعلق بمدى حرص الشخص وتوخيه الحذر قبل اتخاذ القرار والاستجابة – سواءً أكان يفضل الصواب في الإجابة، ولذلك تكون عملية اتخاذ القرار بطيئة، أم السرعة في اتخاذ القرار وتكون الاستجابة سريعة]، ومعدل سرعة معالجة الدماغ للمعلومات المتوفرة قبل اتخاذ القرار.

ظهر على المشاركين ما يُعرف بـ”تأثير الحجم (8)”، حيث فقدت المكافآت الكبيرة قيمتها بمرور الزمن أبطأ من فقدان المكافآت الصغيرة قيمتها مع الزمن. يقيس تأثير الحجم الفجوة بين التكلفة الموضوعية للمكافأة والقيمة الذاتية المُدركة عند تأخيرها. عندما تكون المكافأة صغيرة، تنخفض القيمة الذاتية للشيء بسرعة مع التأخير؛ أما عندما تكون المكافأة كبيرة، فتحافظ على قيمتها الذاتية بنحو أفضل بمرور الزمن.

تناول ليڤيدوبا جعل المشاركين أكثر استعدادًا لانتظار المكافآت بشكل عام، لكنه لم يُحدث تغييرًا يُذكر في تأثير الحجم. كما لم يُؤثر بشكل يُذكر في سرعة مراكمة الأدلة، أو الحرص قبل اتخاذ القرارات، أو المدة التي استغرقت قبل الاستجابة. يشير هذا إلى أن تأثير الدوبامين في انتظار المكافآت قد لا ينبثق من تغيرات في عمليات اتخاذ القرار الأساسية، بل من مدى تقديرهم المكافآت المستقبلية بمرور الزمن، فهو يُساعدهم على رؤية أن الانتظار (الأجل) أكثر جدوى (من العاجل).

حلل الباحثون أيضًا عوامل لطالما افتُرض أنها تعكس مستويات الدوبامين الطبيعية، مثل مدى قوة ذاكرته العاملة (تذكر الأشياء لفترة قصيرة) (9)، وعدد مرات رمش العينين التلقائي، ومدى الاندفاعية في اتخاذ القرار، والتي يُتوقع أن تؤثر في مدى استجابة الشخص لـ ليڤيدوبا. وبما أن هذه العوامل مرتبطة بمناطق الدماغ التي تستخدم الدوبامين، بما فيها المناطق أمام الجبهية المسؤولة عن التحكم الإدراكي (الوظائف التنفيذية) وضبط النفس (10)، والمناطق تحت القشرية التي تدعم معالجة المكافأة (5)، حيث بعضها يساعد على ضبط النفس والبعض الآخر يتعامل مع المكافآت، توقع الباحثون أن الذين لديهم درجات مختلفة في هذه العوامل قد يتفاعلون بشكل مختلف مع ليدوڤا. ومع ذلك، لم يجد الفريق أي تفاعل من هذا القبيل، مما يشير إلى أن هذه العوامل (سرعة رمش العينين التلقائي، والذاكرة العاملة، ومدى الاندفاعية) قد لا تكون مؤشرات مباشرة موثوقة على مستويات الدوبامين الطبيعية في الشخص.

تقول الدكتورة إلك سميث: “تُثبت نتائجنا أن ليڤيدوبا يزيد من الرغبة في انتظار المكافآت، وتجعل الناس أكثر استعدادًا لانتظار مكافآت أفضل في الآجل على الحصول على مكافآت أدنى في العاجل. وهذا يُقدم دليلاً جديدًا يطعن في نتائج بعض الدراسات السابقة المؤثرة التي أُجريت على عينات صغيرة الحجم نسبيًا.” وتضيف: “ومن المثير للاهتمام أننا لم نجد أن العوامل غير المباشرة المُستخدمة في تلك الدراسات لقياس مستوى الدوبامين الطبيعي في الجسم، مثل سعة أو قدرة الذاكرة العاملة (على حفظ 7 ± 2 أشياء، مثل ارقام التلفون) (9) أو معدل الرمش التلقائي للعين أو مدى الاندفاعية، يمكن أن تفسر من يتأثر أكثر بـ ليڤيدوبا. وتضيف: في رأيي، بالرغم من أن هذه العوامل قد تُحدد الفروق المهمة بين الأفراد، إلا أنها على الأرجح لا تعكس بشكل مباشر مستويات الدوبامين الطبيعية في الجسم، وقد لا يكون استخدامها على هذا النحو صحيحًا”.

تُسهم هذه الأفكار في فهم أفضل لمدى تأثير آليات الدماغ الدوبامينية في طريقة اتخاذ لقرارات، خاصةً في حال الاختيار بين المكافآت العاجلة أو الآجلة. كما يمكن أن تساعد أيضًا في تفسير الحالات التي تتغير فيها إشارات الدوبامين، كما هو الحال في حالات الإدمان، حيث تكون القرارات أكثر اندفاعية في بعض الأحيان. في المستقبل، يمكن أن تساعد دراسة الدوبامين في المرضى في تصميم علاجات أفضل لهذه الأنواع من المشكلات.

الهوامش

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/ليفودوبا

2- https://www.jneurosci.org/content/early/2025/10/23/JNEUROSCI.0786-25.2025

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/دافع

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظام_المكافأة

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/تعلم

6- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/ادمان/الادمان-السلوكي

7- https://www.meemapps.com/term/perception-model

8- https://psychotricks.com/magnitude-effect/

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_عاملة

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/وظائف_تنفيذية

المصدر الرئيس

https://uni-koeln.de/en/research/research-news/detail-forschungsmeldung-en/dopamine-increases-willingness-to-wait-for-rewards

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى