
أمير الصالح
في نشرات الاخبار والبرامج الإخبارية والتحليلية نسمع عن مصطلحات تتعلق بتصنيف الناس على أسس مرجعيتهم الدينية، فيقال شخص: مسلم، مسيحي كاثوليكي، مسيحي بروستانت، هندوسي، بوذي، ملحد، غير ديني …إلخ . وزادت في الآونه الاخيرة وتيرة تصنيف الناس بالنشرات الإخبارية في بعض القنوات التلفزيونية الفضائية الدولية ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط الساخنة، طبقًا لنسخة الدين الشعبية السائدة بممارسة وطقوس الناس بالبلدان فيقول المحاور أو المعلق الإخباري: نسخة الإسلام التركي، نسخة الإسلام المصري، نسخة الإسلام المغاربي، نسخة الإسلام الخليجي، نسخة الإسلام العراقي، نسخة الإسلام اللبناني، نسخة الإسلام الأوربي، نسخة الإسلام الأفريقي/ الأمريكي / اللاتيني، نسخة الإسلام الإندونيسي، نسخة الإسلام الهندي، نسخة الإسلام الباكستاني، نسخة الإسلام الاسيوي … إلخ. وفي أحيان كثيرة يوصف الإنسان المواطن داخل الطيف الاجتماعي الوطني طبقًا لانتماءه المذهبي حتى لو تملص أو تنكر أو تمرد من شرنقة انتمائه المذهبي فإنه يتم تصنيفه طبقًا لانتماء أبناء منطقته وجذوره بالوراثة المذهبية، فيقال له: مسلم سني أو مسلم شيعي، أو مسلم أباظي. وإذا استغرقنا بالاستماع لما يتداوله بعض أهل الصحافة ومحرروا الأخبار وبعض التغريدات الرقمية عند إطلاق بعض التشنيعات أو الشحن الإعلامي للبعض من الناس بناء على تبعات أحداث وحوادث معينة، فإنهم يصفون شخص ما طبقًا لمرجعيته الروحيه بأنه صوفي مقزز أو شافعي متلون أو مالكي مبتدع أو جعفري قبوري أو … أو …. إلخ. فنتسأل عن مصدر السلطة التي أعطيت للصحافي في إصدار الأحكام ضد الآخرين، وما الحماية القانونية المكفولة لمن وصفوا بما وصفوهم بعض الصحافيين به من تشنيعات وتحريض وكراهية وتعميم وإلصاق تهم. وهل النعوت الافترائية التي يطلقها البعض ضد الآخرين ستتوقف عند حد ما أم أنها تتسافل يومًا بعد يوم لتهييج أناس ضد أناس آخرين بقصد حصد مكاسب معينة وتفتيت مجتمعات مختلفة (فرق تسد)، وتتسأل هل الفضاء الرقمي أصبح ملوثًا بنسبة عالية من الكراهية وأضحى العالم الرقمي غير قابل للإصلاح والمعالجة لأنه تقمص لباس وشعار حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الاجتهاد أمام النص؟! الإشكال أن بعض الشباب -هداهم الله- يتفننون في إصدار نسختهم من الدين حسب الاستذواق الشخصي وليس العلم القرآني الشرعي.
قناعات الإنسان
لكل انسان منا آراء وأفكار وميول وانحيازات تفضيلية وفهم وقراءة معينة للنصوص بشكل عام والدينية بشكل خاص والسرديات التاريخية المؤثرة في حياة الناس وتفسير أسباب بعض الظواهر السلوكية الاجتماعية وطرق الربط للأحداث وتداخلات الفتاوي الفقهية بحياة بعض الأفراد وتعدد البيئات الاجتماعية وتفاوت المستوى الاقتصادي وطرق التنشئة وتجارب إنسانية في بيئات عمل وأسر مختلفة. فأساليب التفكر عند البشر متعددة ومتنوعة، فهناك: تفكير نقدي، وتفكير تحليلي، وتفكير استنباطي، وتفكير فلسفي، وتفكير استقرائي، وتفكير إبداعي، وتفكير إستراتيجي، وتفكير مرن .. إلخ. حتمًا مع وجود مصادر رقمية ومنصات مختلفة للحروب العقدية والفكرية وتنوع في حروب التسويق الإيدلوجي سينتج عن ذلك متأثرين ومؤثرين في إسقاط قناعات وإطلاق قناعات مضادة للسائد ولا سيما في مواضيع زواج القاصرات وفتاوى الإرضاع وتقسيم الإرث بين الإخوة والأخوات والإدارة للأوقاف الشرعية وأنواع السلطة وحدود ولاية رجل الدين والحدود المالية للخلع البذلي وتفسير بعض الآيات القرآنية المتصلة بالأحكام المدنية. وهكذا استقطابات متنافرة أوجد أو سيوجد مشهد مبعثر في مرحلة/ مراحل زمنية متفاوتة عند الوقوف في تفاصيل التفاصيل.
إذن اتفقنا بأن الجميع لا يحق له الاجتهاد امام النص القرآني فإن الحوار ينتقل على الفروع والمباني المختلف عليها وليس على الأصول وأمهات العقائد. ولكون الغالبية يتمثلون بقول ” ليس لأحد ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة (باستثناء من نص القرآن الكريم عليهم) بكل الأمور، ولا لأحد حق إقصاء وجود الآخرين لمجرد الاختلاف في الرأي أو تكفيره أو الكيد له أو الافتراء عليه. بل الأوجب مقارعة الدليل بالدليل والحجة بالحجة وليس بقوة النفوذ أو أشياء أخرى أو الكيد”. فعند إذٍ ننطلق لسماء إيجاد مداخل الحلول الممكنة والمتاحة. قد يفكر البعض بصوت مرتفع: ما السبيل لتجاوز هكذا أطياف متنوعة من الاختلافات في داخل البيت الإسلامي الكبير أو داخل البيت الفقهي الواحد في ظل رداءة كفاءة أدوات التواصل وفي ظل موجات التشاحن والتراشق الطائفي والقومي والمناطقي المغذاة من قنوات عابرة للقارات ومنصات رقمية مختلفة. لتفادي التناحر والغمز واللمز الذي أهدر الطاقات وخنق النمو في عقول الشباب والفتيات من كل الأطياف يؤمن العقلاء بالحوار الراقي والهادئ والهادف!!
آداب الحوار
اختلف بعض السابقين ببن مجسد لوجود الله وبين مُحرم التجسيد لله بالمعنى المادي البشري بناء على فهم ظواهر آيات قرآنية معينة؛ واختلف بعض السابقين في حدود بعض الأحكام، واختلف السابقين في كيفية الوضوء أهو مسح الرأس والقدمين أو غسل الرأس والقدمين، واختلف السابقين بين أهلية النص الموصى به أو اعتماد الشورى في إدارة الأمور العامة، واختلف البعض بين ولادة المنقذ الموعود للبشرية وبين عدم ولادته حتى الساعة، واختلف البعض بين التمسك بروح النص و تقديم المصالح و…إلخ؛ ولكن الكل مُجمع ومؤمن بوجود إله واحد ونبي مُرسل بالحق (محمد (ص)) وكتاب مجيد منزه ومحفوظ (القرآن الكريم)، ووقوع يوم الحساب بعد الموت والفناء و … و.. إلخ. تجعل نقاط الالتقاء المشتركة محضر خير.
الآن قد يقول أحدهم هل قول القائل: أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله في التشهد أثناء أداء الصلاة مبرئ أو غير مبرئ لذمة المصلي أو قول شخص آخر اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل ابراهيم هو المبرئ للذمة، أو هل قول سبحان الله ثلاث مرات عند السجود هو المجزئ أو قول شخص ثانٍ بوجوب قول سبحان ربي الأعلى وبحمده عند السجود يجعل أمرًا كهذا سببًا لقطيعة شبه دائمة. شخصيًّا أرى كل الأذكار التي تسبح الله وتنزهه مقبولة بإذن الله. وينتقل حوار النقاش من الأقوال إلى بعض الأفعال؛ فقد يشنع صاحب فكر على صاحب فكر آخر عملًا أو سلوكًا يرى الثان أنه مستند على قراءة صحيحة لنص قرآني ويرى الآخر أن العمل المعين يعارض نصًّا آخر هنا الحوار ينتقل إلى حوار أهل الحجة بالحجة مع الإقرار التام بين كل الأطراف بأن النص القرآني مقدم على النص الروائي.
تأصيل وتجذير آداب الحوار بين أفراد المجتمعات الإنسانية وداخل المجتمع الواحد، يجعل الغالب الأعم متعايشًا بطريقة تكاملية ومندمجًا بطريقة تصالحية، مع تعدد مصادر المعرفة سواء السماعية أو الرقمية أو الانجذابية، تشعر الغالبية بأن داخل معظم البيوت تفاوتًا بين الإخوة في القناعات والفهم والبناء الفكري. وطالما الاختلافات اختلافات علمية رصينة في جزئيات ذوقية أو تصنيفية ليست من أصول التوحيد دون نكران أصل من أصول الدين فليكن الجميع أذكى من فخاخ الشيطان وحباله وفتنه ومناحره ويكونوا أكثر انفتاحًا فيما بينهم وعلى المحيط الإنساني لكسب المودة وإحراز الاحترام وتفويت الفرص على المتربصين.
التعايش السلمي
المجتمع الذي يعيش أفراده كلهم بسلام وفي ظل قانون عادل ومنصف ونزيه ويحمي حق الفرد بغض النظر عن قناعاته الإيمانية والعقدية فإنه سينمو ويتطور ويزدهر ويصنع ويزرع ويبتكر ويستمتع ويتفائل!! في أي مجتمع، هناك متدين محافظ ومتدين شعبي وغير متدين إطلاقًا ومتدين مناكف أو وسواسي ومجادل ومستفز ومتحرر حد المجاهرة، وذو لسان سليط حد فقدان اللباقة في الحوار، ولكن بالمحصلة هم أبناء مجتمع واحد. وعلى الجميع توسيع الدوائر المشتركة ليظفروا بهدوء ونمو وسعادة وقوة. الأمن والأمان الاجتماعي والوطني أمانة في عنق كل عضو من أعضاء المجتمع ومواطن على أرض الوطن.
الوصاية على المجتمع لأهل الجدارة والكفاءة العلمية وليس لاعتبارات وراثية أو استذواقية.
يشعر الإنسان بين الحين والحين الاخر بنشوب حرب كلامية تتضمن تشنيع وتسقيط بين تيارات مختلفة داخل بعض المجتمعات؛ وعند التفتيش في ثنايا تلكم الأحداث ووضع النقاط على بعض الحروف بشكل سليم وتراكمي يتبين لك جزء أو كل المشهد. والمؤسف أن جزءًا ليس باليسير من الحروب الكلامية في التسقيط وإن التحف بعضها بلحاف العقلنة أو التدين أو البحث لكشف الحقائق أو الحوكمة الاجتماعية، إلا أنه يتضمن تسلق للبعض وليس كشف حقائق بنية بيضاء طاهرة. فضلًا أن معظم التصريحات بين التيارات المتخاصمة لا تخلو من بهارات موضوعة في بعض الأحداث وإن بعض الأرقام للمزايدة وإلصاق بعض الأفعال لتمرير سردية تحرض المستمع ضد هذا أو ذاك.
القدوات الحسنة
عندما نرى ونسمع عن تزايد عدد المشردين homeless من مواطني وحملة جنسية بلاد متطورة فإننا نوقن بأن إحراز السعادة والأمان ليست مرهونة في مكان ولادة الإنسان أو مسمى جنسيته ولكن تكمن سعادته في طريقة تفكيره وسعيه الدؤوب نحو إنجاز حياة كريمه وفلترة ما يسمعه ويتفاعل معه. وكذلك موضوع العيش السلمي الكريم داخل أي مجتمع أو أكبر يبدأ بقبول مبادئ الحوار النافع والهادف وحسن التفاهم.
وجود قدوات حسنة في حياة الإنسان مثل النبي محمد والسيدة الزهراء وأئمة آل بيت النبي محمد (ص) نبراس وقدوة يهتدى بهم في شؤون الحكمة والحوار وتأصيل التفاهم والابتعاد عن الرذائل والشتائم والفجور في الخصومة.
المؤشرات الأساسية لنجاح أي مشروع حوار هادف
١- النية الصادقة والصدق: فكم من نقاش وحوار يختبئ خلفه صراع على النفوذ والاستحواذ أو المال أو القيادة أو الزعامة أو الوجاهة المقنعة
٢- الأمانة العلمية والموضوعية عند النقاش والحوار
٣- الأمان وعدم الاستقواء على أي طرف بأي لون من ألوان القوة
٤- العدالة في توزيع الأدوار
٥- تكافؤ الفرص عند الحديث والحوار وإعطاء الفرص للتعبير وتحمل المسؤولية والانخراط في بناء المجتمع.
٦- الالتزام بمخرجات الحوار من تفاهمات أو ترتيبات أو تعهدات
٧- التيه سيكون مصير كل مجتمع متشرذم وفاقد خاصية الحوار التفاهمي ونرجوا من الله أن لا يكون بيننا أو حولنا تيه.




