
علي آل ثاني
الحياة تقدم لنا دروسًا قيمة، فاحرص على استغلال ما تبقى من عمرك بالعمل بإيجابية مع الأخرين. الشخص الحكيم والحليم مع التقدم في العمر يدرك أن كل خطوة تقوده أقرب إلى الله هي الأغلى قيمة. لذلك، تجد عقله وروحه ترتفع فوق الخلافات والنزاعات.
لا يستهلك طاقته في صدامات أو جدالات عقيمة سواء كانت حول الآراء أو وجهات النظر، ولا يضيع وقته في مشاحنات أو التفكير في الانتقام ممن أساؤوا إليه. كما أنه ينأى بنفسه عن الانشغال بالرد على الآخرين أو الجدل معهم، موجهًا جهده لما هو أسمى وأبقى.
من خلال هذه المقالة المتواضعة، وبعد مسيرة عمر طويلة، يصل الإنسان إلى إدراك عميق بأنه في أمسّ الحاجة إلى محاسبة نفسه، تصحيح أخطائه، والسعي للعيش بسلام مع الآخرين. يصبح تركيزه منصبًا على طاعة خالقه والتمتع بصحة جيدة، مع بناء علاقات هادئة خالية من الاستفزازات والمشاحنات، يطمح إلى لقاء أشخاص ذوي قلوب نقية ونوايا صادقة، يجتمع بهم من حين لآخر في أجواء مليئة بالراحة والسكينة. يدرك قيمة الحب والتسامح، ويقدر جوهر الصداقة القائمة على الصدق والأمانة والتضحية، مع احترام تلك العلاقات الثمينة.
كن إيجابيًا في تواصلك مع الآخرين، وتجنب التعامل بحدة عند حدوث أي خلاف. تمسك بأحلامك ومستقبلك وأهدافك ومصالحك دون تنازل.
سر نجاح العلاقات يكمن في إتقان فن التوازن في المسافات، لا تقترب لدرجة تكتشف فيها العيوب، ولا تبتعد حتى تنسى الإحسان الذي قُدم إليك. اعمل على أن تزن علاقاتك بحكمة، وكن معتدلًا، لا تكن بعيدًا فيُنسى أمرك، ولا قريبًا إلى الحد الذي يكتفي فيه الآخرون منك. تجنب أن تكون ثقيلًا فيُستغنى عنك، أو خفيفًا بحيث يُستهان بك،
جواهر الإنسان تتجلى في الفضائل والأخلاق الراقية المتزنة. ينبغي للإنسان أن يكون جوهرًا نقيًا وروحًا تتفاعل مع الأحداث بحس مرهف، فيرحم الضعيف، ويواسي الحزين، ويعطف على المحتاج، ويساند الملهوف. يتجنب الإيذاء ويحرص على أن يكون مصدرًا للخير والسلام لكل من حوله، كما يجب أن يكون صادقًا في حياته، سواء في كلماته أو أفعاله، بعيدًا عن التناقض بين القول الجميل والفعل الذي لا يليق بمقامه. يتحلى بالوفاء، الشهامة، العطف والرحمة، حتى لو كان صدقه يجرح الآخرين أحيانًا، مع الحرص على ألّا يكون ذلك على حساب نفسه أو حياته.
كن صادقًا وثابتًا مهما كانت الظروف، وامتلك لطفًا وهدوءًا يجعلك محبوبًا لدى الجميع
كن مضيئًا مهما استبدّ الألم بك، واجعل نفسك مصدرًا للفرح والسرور لمن حولك، وازرع أعمالًا صالحة تُخلّد في ذكراك.
تلك السعادة الحقيقية تكمن في الضمير الإنساني النقي، الذي يُلهم الإنسان نحو القيم الإنسانية الرفيعة، ويمنحه حياة سامية. الطيبون هم زهرة الحياة وجمالها، معهم تُزهر الأرواح وتنير الطرق، فاحرص أن تكون من أصحاب النفوس العظيمة. ابق طيبًا مهما واجهتك نفوس اعتادت الأذى، طُبع عليها الشر وتفننت في نشر الكراهية. ولكن احذر أن تترك درب الخير لتتبع أهواء هؤلاء. اختر السمو دائماً فالقوة الحقيقية تكمن في طيبة القلب، ولا يستهين بها سوى من فقد قوته.
كن إيجابيًا لتعيش حياة مفعمة بالحيوية، فالتشاؤم والضغوط تسرق منك شباب القلب قبل شباب الجسد. أبو القاسم الشابي أوجز الأمر في قصيدته “لحن الحياة” قائلًا): ومن لم يعانقه شوق الحياة، تلاشى وأصبح ذكرى. (النفس، تمامًا كالجسد، تمر بتقلبات وتحتاج إلى العناية كي تبقى شابة وقوية. في واقعنا الحالي، نجد أشخاصًا يحملون أثقال الحياة رغم أنهم لا يزالون في مقتبل العمر، والسبب غالبًا يعود إلى استسلامهم الداخلي للأعباء والضغوطات. لذلك، امنح نفسك فرصة للتصالح معها، سامحها على أخطائها وتجاوز عن زلاتها. عندما تواجه صعوبات وهمومًا، حاول الابتعاد عن التفكير المفرط فيها وامنحها صفة المؤقتة؛ فهي لن تدوم، بل ستتلاشى مع مرور الوقت. خذ من تلك التجارب درساً، ولا تسمح لها بأن تصبح عائقًا يمنعك من الاستمتاع بجمال الحياة
إذا ركزت على المشكلات والهموم، فإنها قد تتزايد عليك وتثقل كاهلك أكثر، مما يؤثر على نفسك ويسبب لها الضرر، فتشيخ روحك حتى قبل أن تظهر علامات ذلك على شكلك. الشخص الحكيم هو الذي يعرف كيف يتعامل مع مشاكله وهمومه بنظرة مليئة بالتفاؤل والأمل، مما يساهم في إطالة عمره وتعزيز صحة جسده.
لذا، اختر لنفسك مكانة تليق بعمرك وبقيمتك. اجعل حياتك مستقلة عن الزمن بأخلاقك وأعمالك وجمال ابتسامتك وإنسانيتك، بحيث تبقى حاضرًا في كل مكان مررت أو تواجدت فيه، حتى في غيابك، لأن النفس تهرم وتشيخ تمامًا كما يحدث للجسد، نجد في مجتمعاتنا اليوم أشخاصًا مرهقين ومثقلين بالهموم رغم أنهم لا يزالون في مقتبل العمر.
إن سعادة الإنسان في ضميره الذي يدفعه الى المعاني الإنسانية الأصيلة والتي تتوج صاحبها لحياة سامية أصيلة.
الطيبون زهرة الحياة وبهجتها بهم تأنس الأرواح وتزهر الدروب.




