
د. حجي الزويد
المقدمة:
حساسية الفواكه والخضروات هي نوع من أنواع التحسس الغذائي الذي يصيب بعض الأطفال، ويُعد أقل شيوعًا من الحساسية تجاه الحليب أو البيض أو الفول السوداني، ولكنه يُلاحظ غالبًا عند الأطفال الأكبر سنًا الذين لديهم تاريخ من التحسس التنفسي، مثل حساسية حبوب اللقاح.
في معظم الحالات، لا تكون هذه الحساسية حقيقية تجاه الفاكهة أو الخضار نفسها، وإنما نتيجة لحالة تُعرف باسم “متلازمة الحساسية الفموية”، وهي تفاعل تحسسي يحدث بسبب تشابه البروتينات الموجودة في بعض الفواكه والخضروات مع بروتينات حبوب اللقاح التي يتحسس منها الطفل أساسًا.
الآلية المرضية: التفاعل المتبادل (Cross-reactivity)
يحدث هذا النوع من الحساسية بسبب ظاهرة “التفاعل التحسسي المتقاطع”، وهي عندما يتعرف الجهاز المناعي في الجسم على بروتينات في الفواكه والخضروات على أنها مشابهة لبروتينات موجودة في حبوب اللقاح، مثل حبوب لقاح شجر البتولا أو عشبة الرجيد أو العشب.
عندما يتناول الطفل هذه الأطعمة النيئة، يتفاعل جهازه المناعي بإفراز أجسام مضادة (IgE) مما يؤدي إلى ظهور أعراض تحسسية موضعية، وتُعرف هذه الظاهرة باسم “متلازمة الحساسية الفموية”.
• بعض بروتينات الفواكه والخضروات تُشبه بروتينات موجودة في حبوب اللقاح.
• الجهاز المناعي لدى الطفل يتعامل مع هذه البروتينات على أنها مواد ضارة.
• هذا يؤدي إلى رد فعل تحسسي فوري عند تناول الفواكه أو الخضروات النيئة
الأطعمة الأكثر شيوعًا في التسبب بالحساسية:
من الفواكه الشائعة التي تسبب هذه الأعراض: التفاح، الكمثرى، الخوخ، الكرز، الكيوي، الشمام، البطيخ، والموز.
أما من الخضروات: الجزر، الكرفس، الخيار، الطماطم، وأحيانًا البطاطس النيئة.
ليس كل الأطفال يتحسسون من جميع هذه الأطعمة، وإنما من بعضها فقط، وغالبًا من تلك المرتبطة بحبوب اللقاح التي يتحسسون منها.
الأعراض:
تظهر الأعراض غالبًا بعد ثوانٍ إلى دقائق من تناول الفاكهة أو الخضار النيئة، وتشمل الأعراض الأكثر شيوعًا:
• حكة أو حرقة في الفم أو الحلق
• تورم بسيط في الشفاه أو اللسان
• الشعور بوخز أو انزعاج أثناء البلع
أعراض شديدة – نادرة:
• شرى (urticaria)
• ضيق تنفس أو صفير (wheezing)
• أعراض جهازية (نادرة جدًا في OAS)
ملاحظة: معظم الأطفال لا يعانون من أعراض خارج الفم، مما يجعل OAS حالة معتدلة وغير مهددة للحياة عادة.
عادةً ما تكون هذه الأعراض موضعية وخفيفة، ولا تتطور إلى تفاعل تحسسي شامل مثل الشرى أو صعوبة التنفس أو الصدمة التحسسية، إلا في حالات نادرة جدًا.
ومن المهم معرفة أن هذه الأعراض لا تحدث غالبًا عند تناول نفس الأطعمة مطهية أو معلبة، لأن الحرارة تُغيّر طبيعة البروتينات المسببة للحساسية وتمنع تفاعل الجهاز المناعي معها.
التشخيص:
يعتمد التشخيص في الأساس على القصة السريرية التفصيلية من الأهل:
• هل تظهر الأعراض فقط عند تناول الفواكه أو الخضروات النيئة؟
• هل يختفي التحسس عند طهي الطعام؟
• هل لدى الطفل حساسية من حبوب اللقاح أو التحسس الموسمي؟
يتم تأكيد التشخيص أحيانًا من خلال اختبارات الجلد باستخدام مستخلصات طبيعية من الفواكه أو باستخدام الفاكهة الطازجة مباشرة بطريقة تُسمى “prick-prick”، أو عبر فحوصات الدم التي تقيس الأجسام المضادة IgE الخاصة بالطعام.
العلاج والتدبير:
التدابير الوقائية:
• تجنب الفواكه والخضروات النيئة التي تسبب الأعراض.
• يمكن تناول نفس الأطعمة بعد طهيها، لأن الحرارة تُغيّر تركيب البروتينات وتقلل من التحسس.
العلاج عند الضرورة:
• مضادات الهيستامين عند الحاجة (لعلاج الأعراض الخفيفة) مثل Cetrizine, Levocetrizine, Desloratidine بجرعات مناسبة حسب العمر، و يمكن استخدامها من عمر ستة أشهر فصاعدا.
• إبرة الأدرينالين (EpiPen) فقط إذا كانت هناك تفاعلات شديدة – نادرة في OAS.
• تقييم الحاجة للعلاج المناعي (Immunotherapy) في حال وجود حساسية شديدة لحبوب اللقاح.
أهم خطوات العلاج هو تجنب الفواكه والخضروات التي تسبب الأعراض عندما تكون نيئة. ولكن يمكن تناولها مطهية لأن الحرارة عادة تفسد البروتينات التي تسبب التحسس.
في حال ظهرت الأعراض، يمكن إعطاء مضاد هيستامين لتخفيف الحكة أو التورم الخفيف في الفم.
لا يُستخدم الإبينفرين (EpiPen) إلا في حالات نادرة جدًا إذا حدثت أعراض جهازية شديدة، وهذا غير معتاد في هذه الحالة.
إذا كانت الأعراض مزعجة أو إذا وُجدت حساسية تنفسية شديدة لدى الطفل، فقد يستفيد من العلاج المناعي لحبوب اللقاح، مما قد يقلل من التفاعل مع الأطعمة المرتبطة بها.
نقاط مهمة للتمييز بين هذه الحساسية وغيرها:
هذا النوع من الحساسية يتميز بأنه:
• يظهر مباشرة بعد تناول الطعام النيء.
• يُسبب أعراضًا خفيفة في الفم فقط.
• لا يسبب عادة أعراضًا جهازية أو صدمة تحسسية.
• لا يظهر عند تناول الطعام مطهوًا.
• يرتبط بحساسية حبوب اللقاح الموسمية.
الفرق بين متلازمة الحساسية الفموية (OAS) وأنواع أخرى من حساسية الطعام:
1. سرعة ظهور الأعراض:
في كلا الحالتين، تظهر الأعراض بسرعة بعد تناول الطعام، عادة خلال دقائق. ولكن في متلازمة الحساسية الفموية، تكون الأعراض خفيفة وفموية فقط، بينما في الحساسية الغذائية الكلاسيكية قد تتطور الأعراض إلى تفاعلات شديدة.
2. نوع الأعراض:
متلازمة الحساسية الفموية تسبب عادة أعراضًا موضعية في الفم، مثل الحكة أو الحرقة في الشفاه أو الحلق أو اللسان.
أما في الحساسية الغذائية الكلاسيكية، فقد تشمل الأعراض الجلد (مثل الطفح والشرى)، الجهاز التنفسي (مثل الصفير أو ضيق التنفس)، الجهاز الهضمي (مثل القيء أو الإسهال)، وقد تصل إلى الصدمة التحسسية.
3. شدة الحالة:
غالبًا ما تكون OAS حالة خفيفة وغير مهددة للحياة.
في المقابل، يمكن أن تكون الحساسية الغذائية الكلاسيكية شديدة وقد تهدد الحياة أحيانًا، خصوصًا في حالات التحسس للفول السوداني أو المكسرات أو المأكولات البحرية.
4. تأثير الطهي على الطعام:
في متلازمة الحساسية الفموية، عادة ما تختفي الأعراض عند تناول الفاكهة أو الخضار بعد طهيها، لأن الحرارة تدمّر البروتين المسبب للحساسية.
بينما في الحساسية الغذائية الكلاسيكية، لا يؤثر الطهي على القدرة التحسسية للطعام، ويمكن أن يبقى الطعام مسببًا للتحسس حتى بعد الطهي.
5. الارتباط بحساسية الأنف أو حبوب اللقاح:
متلازمة الحساسية الفموية ترتبط بشكل وثيق بالحساسية التنفسية الموسمية مثل حساسية البتولا أو العشب، إذ تحدث نتيجة لتفاعل متقاطع بين حبوب اللقاح وبعض الفواكه والخضروات.
أما في الحساسية الغذائية الكلاسيكية، فلا يكون هناك غالبًا ارتباط واضح بحساسية الأنف أو الجهاز التنفسي.
نصيحة إكلينيكية هامة:
الأطفال الذين تظهر لديهم هذه الأعراض يجب تقييمهم أيضًا من حيث وجود تحسس تنفسي، لأن علاج الحساسية التنفسية قد يُحسن من الأعراض الفموية المرتبطة بالأطعمة.
في الختام:
حساسية الفواكه والخضروات عند الأطفال حالة شائعة نسبيًا بين الأطفال المصابين بالحساسية التنفسية، وتُعد من الأشكال الخفيفة للتحسس الغذائي. التمييز بين هذه المتلازمة وأنواع أخرى من التحسس الغذائي مهم جدًا لتجنب التشخيص الزائد أو القلق غير المبرر. الطمأنة والوعي لدى الأهل هي أساس التعامل مع هذه الحالة، مع المتابعة الطبية عند الحاجة
• حساسية الفواكه والخضروات في الأطفال ناتجة غالبًا عن متلازمة الحساسية الفموية.
• السبب الرئيس: تشابه البروتينات النباتية مع حبوب اللقاح الموسمية.
• الأعراض خفيفة وموضعية غالبًا، وتزول عند الطهي.
• التشخيص يعتمد على القصة المرضية واختبارات الحساسية.
• العلاج يكون بالتجنب، واستخدام مضادات الهيستامين إذا لزم الأمر.




