
أمير بوخمسين
السؤال هو أحد أهم أدوات الفهم وتبادل المعرفة، ولكنه لا يؤدي دوره إلا عندما يطرح في سياقه الصحيح، وبأسلوب يراعي الإنسان والمعرفة والظرف. وعندما يغيب أدب السؤال، تتحول الأسئلة من وسائل للفهم إلى مصادر للتوتر وسوء الظن والاختلاف غير المفيد. ولذلك فإن تأصيل ثقافة السؤال الرشيد أصبح ضرورة اجتماعية وأخلاقية ومهنية.
ويبقى السؤال لما له من فوائد تنعكس على صعيد الفرد والمجتمع في جوهره محاولة لتنمية الفهم، وتوضيح المفاهيم والمعلومات، مما يعزز الفهم العميق. وتحفيز التفكير النقدي والتحليلي إذ يساهم في تطوير مهارات التفكير. ومراجعة المسلمات، والوصول إلى الحقائق. تعزيز التعليم كوسيلة فعالة للحصول على معلومات جديدة وتوسيع المدارك. تسهيل التواصل، وتحسين مهارات التواصل بين الأفراد وتعزيز الحوار والنقاش. تطوير الذات والتأمل في القيم والأهداف. يعد السؤال عنصرًا حيويًّا وضروريًّا في جوانب الحياة. عبر التاريخ، كان السؤال هو الذي نقل البشرية من مرحلة الظنون إلى مرحلة العلم. ولكن المعرفة لا تحتاج فقط إلى سؤال، ولكنها تحتاج إلى صحة السؤال ودقته. إن السؤال الجاد هو الذي يكشف فجوة في الفهم، ويحاول سدها.
تظهر التجربة أن كثيرًا من المشكلات بين الناس تبدأ من سؤال غير محسوب أو من صيغة تحمل اتهامًا مستترًا. لذلك فإن الالتزام بأدب السؤال يحفظ العلاقات من التوتر غير الضروري. السؤال المهني يتميز بثلاث صفات: الدقة، والاحترام، والتركيز على جوهر الموضوع.
وفي العمل الإعلامي تحديدًا، السؤال هو أداة للتحقق وليس أداة للضغط أو الإحراج أو تسجيل النقاط. فسؤال المسؤول، ما خطتكم لمعالجة المشكلة؟ أجدى وانفع من أن نسأله، ألا تعتقد أنكم فشلتم؟
هذا ليس سؤالًا مهنيًّا، بل حكم مسبق في شكل سؤال. وفي التحقيقات الصحافية، يجب أن يلتزم السؤال بالحقائق، لا بالانطباعات، فالسؤال المبني على معلومة خاطئة يعطي إجابة خاطئة بالضرورة.
هناك أسئلة مشروعة وأخرى غير مشروعة. ليس كل ما نريد معرفته يحق لنا أن نسأل عنه. المجتمعات المستقرة تحكمها أعراف تحفظ الخصوصية وتمنع الأسئلة التي تربك الأفراد أو تضغط عليهم دون مسوغ.
هناك أسئلة لا تبنى عليها معرفة، ولا تفيد المجتمع، بل تفتح أبوابًا للريبة وإساءة الفهم. فقبل أن نسأل، ينبغي أن نراجع ثلاثة أمور:
هل السؤال ضروري؟
هل السؤال في وقته الصحيح؟
هل الصيغة التي أطرح بها السؤال تحترم من هو أمامي؟
قد تكون هذه ليست قواعد مثالية، ولكنها يمكن أن تكون محددات عملية تمنع النزاعات وتبني التفاهم.
ويمكن تصنيف الأسئلة وفقًا لغرضها:
الأسئلة المعرفية والتحليلية.. للوصول إلى المعلومة أو الفكرة.
وأسئلة الفهم والمقارنة.. لاختبار الإدراك أو توضيح النقطة، ومعرفة وجهة النظر الأخرى.
وأسئلة التحقيق والتقييم: لتقصي الوقائع بدقة، وتقييم الفكرة أو الحل.
وهناك أسئلة الفضول، والاستفزاز: وهي التي قد تتجاوز الحدود إن لم يتم ضبطها.
ثم أسئلة الاتهام: والتي هي أسوأ الأنواع، لأنها لا تبحث عن جواب بل تصنع مشكلة.
من الضروري أن تتطور ثقافة السؤال في المجتمع، ليس لزيادة المعرفة فقط، بل لبناء علاقات متوازنة وتقليل الاحتكاكات.
السؤال ليس فعلًا بسيطًا كما يبدو، بل ممارسة اجتماعية وأخلاقية ومهنية. وكلما ارتقى المجتمع في أدب السؤال، ارتقى في جودة تواصله، وفي مستوى معرفته، وفي قدرته على حل مشكلاته بعيدًا عن الضوضاء والاتهامات.
وغياب أدب السؤال لا يصنع جهلًا فقط، بل يصنع سوء فهم، ويضعف الثقة، ويزيد المسافة بين الناس.




