أقلام

الإمساك الوظيفي

د. حجي الزويد

مقدمة

يُعدّ الإمساك الوظيفي من أكثر المشكلات الهضمية شيوعًا لدى الأطفال، وهو حالة تُقلق الأهل رغم أنّها — في الغالب — لا ترتبط بأي مرضٍ عضوي خطير. فالأمعاء تكون سليمة من حيث البنية، ولكن يحدث اضطراب في أدائها الطبيعي، سواء في حركة القولون أو في نمط الإخراج لدى الطفل. وتتداخل في ظهوره عوامل عدّة مثل العادات الغذائية، والسلوكيات المرتبطة بالمرحلة العمرية، والضغوط النفسية، إضافة إلى تغيّرات النمو. ومن المهم فهم طبيعته الوظيفية لتقديم العلاج السليم وتجنّب القلق غير المبرّر، إذ إن التشخيص المبكر مع التثقيف الصحي الصحيح يحققان تحسنًا ملحوظًا في أغلب الحالات

الإمساك الوظيفي هو:

حالة تباطؤ أو صعوبة في التبرز عند الطفل دون وجود سبب عضوي (مرئي أو قابل للقياس) في الجهاز الهضمي أو الأعصاب أو الهرمونات.

أي أن الأمعاء سليمة تشريحيًا، ولكن يحدث خلل وظيفي في حركة القولون أو في نمط خروج البراز.

التعريف الطبي وفق معايير روما IV للأطفال:

يُعرّف الإمساك الوظيفي عند الأطفال (أكبر من 4 سنوات) بوجود على الأقل 2 من الأعراض التالية لمدة مرة أسبوعيًا لمدة شهر واحد أو أكثر:

1. أقل من 3 مرات تبرز في الأسبوع.

2. سلس براز (تسريب) مرة واحدة أسبوعيًا أو أكثر.

3. سلوكيات احتباس البراز (مثل كتمه، شدّ الساقين، التهرب من الحمام).

4. تبرز مؤلم أو صلب.

5. وجود كتلة برازية كبيرة في المستقيم.

6. براز ضخم يعيق المرحاض أو يسبب انسداده.

أما عند الأطفال الأصغر من 4 سنوات، فالتشخيص يحتاج استمرار الأعراض لمدة شهر على الأقل.

ملاحظة مهمة

يُسمّى “وظيفيًا” لأنه:

• لا توجد مشكلة عضوية مثل تشوهات، انسداد، قصور في الغدة الدرقية، داء هيرشبرنغ، أو أمراض عصبية.

• وتكون المشكلة في العادات، سلوكيات الاحتباس، أو حركة القولون البطيئة.

تعريف مبسّط للأهل:

الإمساك الوظيفي هو إمساك ليس ناتجًا عن مرض، بل بسبب:

• العادات الغذائية

• قلة شرب الماء

• الخوف من الحمام

• احتباس البراز

• أو بطء حركة القولون

أولًا: المخطط التشخيصي للإمساك الوظيفي عند الأطفال

1) التأكد من وجود “Red Flags” (علامات الخطر)

إذا وُجد أي منها، يكون الإمساك ليس وظيفيًا ويحتاج تقييمًا موسعًا:

• بداية الإمساك منذ عمر أول أسبوعين من الحياة

• تأخر خروج العقي > 48 ساعة

• فشل نمو / نقص وزن

• قيء مستمر

• انتفاخ شديد

• نزف شرجي بدون شق

• تشوهات ظهرية أو عصبية

• تاريخ عائلي لداء هيرشبرنغ

• إمساك مقاوم للعلاج القياسي

إذا لا توجد علامات خطر، ننتقل لتشخيص الإمساك الوظيفي.

ثانيًا: تشخيص الإمساك الوظيفي Functional Constipation

حسب Rome IV:

وجود عرضين على الأقل لمدة شهر واحد:

1. تبرز أقل من 3 مرات/أسبوع

2. سلوكيات احتباس (holding behavior)

3. براز صلب أو مؤلم

4. كتلة برازية كبيرة بالمستقيم

5. براز ضخم يعيق المرحاض

6. سلس براز (fecal incontinence) مرة أسبوعيًا أو أكثر

ثالثًا:خطة العلاج المبنية على الدلائل العلمية (ESPGHAN/NASPGHAN)

A) مرحلة تفريغ القولون (Disimpaction)

أساسية جدًا، وبدونها يفشل العلاج.

الخيار الأول (الأفضل): PEG 3350 أو PEG 4000

الجرعة: 1–1.5 غرام/كغ/اليوم لمدة 3–6 أيام، حتى يصبح البراز سائلًا شفافًا.

خيار بديل:

• لاكتولوز (Lactulose)

• أو تحاميل جلسرين

B) مرحلة العلاج اليومي (Maintenance Therapy)

تهدف لمنع تراكم البراز مجددًا

المدة: من 3–6 أشهر على الأقل

1) الملين الرئيس

PEG 3350 / 4000

جرعة: 0.4–0.8 غرام/كغ/اليوم (حسب الاستجابة)

إذا غير متوافر:

• لاكتولوز 1–3 مل/كغ/اليوم

• Milk of magnesia

• Senna لمن هم أكبر من 2 سنة (إذا كان الإمساك شديدًا وبطيء العبور)

2) الأنماط السلوكية

دخول الحمام بعد كل وجبة 5–10 دقائق.

وضعية “الجلوس الصحيح” (الأقدام على كرسي صغير).

تعزيز السلوك وليس العقاب

روتين يومي ثابت

3) الغذاء والسوائل

• زيادة الماء

• إعطاء ألياف (خضروات – فواكه – شوفان)

• تقليل الحليب الصناعي الزائد عن 500 مل/اليوم

• تجنب الموز الأخضر – الأرز الأبيض – الشوكولاتة بكميات كبيرة

رابعًا: متى يبدأ التحسن؟

• مرحلة التفريغ: خلال 3–7 أيام

• تنظيم الإخراج يوميًا: خلال 2–4 أسابيع

• شفاء كامل (القولون يسترجع “ذاكرته”): يحتاج 3–6 أشهر

خامسًا: متى نحول للمختص؟

• وجود علامات خطر من التي ذكرت بالأعلى.

• عدم الاستجابة بعد 8 أسابيع من علاج صحيح.

• الشك بداء هيرشبرنغ.

• إمساك شديد جدًا مع نقص وزن أو ألم متكرر.

سادسًا: نسخة مختصرة جدًا للأهل:

الإمساك الوظيفي = إمساك بدون مرض عضوي.

علاجه يحتاج 3 خطوات: تفريغ – تنظيم – استمرار.

وأهم شيء الاستمرار 3–6 أشهر، وليس يومين أو أسبوع.

خاتمة:

إنّ الإمساك الوظيفي عند الأطفال حالة شائعة ومزعجة، لكنها — بحمد الله — قابلة للعلاج بشكل فعّال متى ما فُهمت طبيعتها وتم التعامل معها بطريقة صحيحة. فجوهر المشكلة ليس مرضًا عضويًا في الأمعاء، بل خلل عابر في الوظيفة يمكن تصحيحه من خلال تعديل السلوك الغذائي، وتنظيم عادات التبرز، واستخدام العلاجات الملائمة عند الحاجة. ويبقى وعي الوالدين هو الركيزة الأساسية في تجاوز هذه المشكلة؛ فالصبر، والمتابعة المنتظمة، وتجنّب الضغط على الطفل تسهم جميعها في عودة الأمعاء إلى عملها الطبيعي. ومع الدعم المناسب، يستعيد معظم الأطفال نمطهم الصحي دون أي تبعات طويلة المدى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى