
راضي الحداد
عندما أثقلت رسالة السماء كتفي النبي، وحاصرته قسوة قريش وضجيج الألم، لم يجد في الأرض حضنًا يطفئ العناء كما وجد في فاطمة عليها السلام
لم تكن ابنته فحسب؛ كانت صوته الداخلي حين يصمت العالم، وسنده حين تضعف الجبال
كانت فاطمة عليها السلام — على صِغَر سنّها — اتّساعًا من نور يشبه امتداد الرسالة ذاتها؛ روحًا خُلِقت لتكون نبضا للرسالة، حتى قال عنها النور للنور: هي أم أبيها.
لقب لم يولد من بلاغةٍ لفظية، بل من حقيقةٍ سكنت الوجدان؛ فقد كانت تعالج جراحه بصمتها، وتداوي حزنه بابتسامتها، وتُعيد لقلبه طمأنينته كلّما اشتدّ عليه الظلم.
كانت فاطمة بالنسبة لمحمد عليه واله السلام
سكينةٌ إذا اهتزّ العالم،
وطنٌ إذا ضاقت عليه الاوطان،
وملجأٌ تتنزّل فيه الرحمة.
هي المرأة التي علّمت الدنيا أن القرب من الله ليس ادعاء، وأن الطهر موقف، وأن الحجاب ستارةٌ من نور، لا حاجزًا عن الفكر ولا مانعًا عن معرفة الملكوت.
فاطمة عليها السلام … كانت سرّ الطمأنينة في حياة نبيّ الرحمة، ورائحة الجنّة التي تُلطف أيامه، وتكتمل بها إنسانيته الشريفة
الإنجاز لا يقاس بالعمر انما يقاس بالأثر..
لقد وقفت إجلالاً امام نص من كتب سليمان كتاني ذلك الأدبي المسيحي الذي تامل في حياة فاطمة فهزت مشاعره، فكتب كتابه “فاطمه وتر في غمد” والوتر هو ادق واشد الاوتاد حساسيه والغمد هو الستر والصمت والعمق وكانه يقول ان فاطمه قوه هادئة مخبوءه في طهرها تعمل بلا ضجيج ولكن اثرها يمتد في كل اتجاه، وقد استوقفني كثيرا هذا النص من كتابه
لم تكن فاطمة امرأةً عابرة في تاريخ المدينة؛
كانت مرآةً يرى الناس فيها أجمل ما في الرسالة من طهر وعدل
خرجت إلى الناس يوم ضاع الميزان،
تُذكّرهم بحقٍّ نُسي، وعدالةٍ طُمست،
فكان صوتها هادئًا… لكنه اخترق الجدران.
وقفت وحيدة، لكنها كانت تحمل ثقل أمة.
ومن يومها صار للحقّ نبرةٌ تشبه نبرتها،
وللعدالة ظلّ يشبه ظلّها.”
ومن الكتب الجميلة كتابُ الشيخ باقر القرشي “فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد”، وهو من أوسع الكتب وأكثرها بحثًا، لكنه يحمل نصًا أدبيًا في وصف روحها وجهادها. ومن بعض نصوصه الجميلة في معناها قوله: “لم تكن فاطمة صفحةً في التاريخ، بل كانت التاريخَ نفسه. أمّا كتاب عبد الله العلّايلي “الزهراء: عقل فوق العادة”، فيقول في بعض نصوصه: “كانت فاطمة هي الجواب الإلهي عن سؤال الإنسان في معنى الطهر والعدالة.”
وأما بنت الشاطئ، التي امتلأ قلبها حبًا لفاطمة، فترشّح هذا الحب في كتابها “فاطمة: بهجة قلب المصطفى”، وتقول:
“فاطمة كانت بهجةً تُضيء بيت النبوة، لكن نورها تسرّب إلى المدينة كلها، فأصبحت النساء يتعلّمن من صمتها أكثرَ مما يتعلّمن من كلام المعلمين.” وأما العلّامة الشهيد مرتضى مطهري، فقد كتب كتابًا عن فاطمة بأسلوب فلسفي اجتماعي، ويرى مطهري أن فاطمة ليست نموذجًا للمرأة فقط، بل نموذجًا للإنسان الكامل الذي يجمع بين العقل والإيمان والجهاد والعاطفة والوعي، فهي عمود بيت النبوة. لذا نرى الإمام المعصوم علي بن أبي طالب، زوجها، ينعَيها بكلمات تُبرز موقع فاطمة في البيت النبوي ودورها في حياة هذا الإمام، حين قال: “قلّ يا رسولَ الله عن صفيّتِك صبري، وضعُفَ عن سيّدةِ نساءِ العالمين تجلّدي.”
سلامٌ عليكِ يا بنت رسول الله يوم وُلدتِ، ويوم ارتحلتِ إلى جوار ربّك، ويوم تُبعثين لتلتقطي شيعتك كما يلتقط الطيرُ الحبَّ الجيّدَ من الحب الرديء.




