أقلام

رسالة السيدة الزهراء في يوم ميلادها

د. حجي الزويد

يوم ميلاد السيدة الزهراء عليها السلام ليس يومًا كبقية الأيام، وليس ذكرى عابرة يمر عليها المؤمنون دون أن يتركوا قلوبهم تنصت لصوت النور.

إنه يومٌ تتجدد فيه العلاقة بين الأمة ومصدرٍ من مصادر الهداية، يومٌ نعيد فيه اكتشاف أنفسنا على ضوء امرأة جمعت في سلوكها ما يعجز الكثيرون عن جمعه في كتب كاملة من الأخلاق والروح والعلم.

ميلاد الزهراء حدثٌ يتجاوز حدود الزمن. فالزمن يتغير، والمتغيرات تتسارع، ولكن القيم التي حملتها الزهراء تبقى ثابتة، راسخة، كأنها خُلقت لتكون “بوصلة” للقلوب في زمن الاضطراب، وميزانًا تُوزن به الأعمال حين تختلط المعايير.

ومن هنا، تتشكل رسالتها في يوم ميلادها عبر مجموعة من المحاور العميقة، لا يكفي أن نذكرها، بل لا بد أن نعيشها ونجعلها جزءًا من حياتنا اليومية.

أولًا : رسالتها في إعادة اكتشاف أنفسنا

إن ميلاد الزهراء فرصة روحية لتقييم نفوسنا، فهي مرآةٌ نقف أمامها لنسأل أنفسنا بصدق: هل نحن ممن ينتمون إلى نورها أم إلى عادات الناس؟ هل في حياتنا شيءٌ يذكّر بخشوعها؟بعفتها؟ بحكمتها؟ بثباتها في الدفاع عن الحق؟

إن رسالتها الأولى هي أن نعيد ترتيب دواخلنا، أن نُصلح علاقتنا مع الله، ومع أنفسنا، ومع من حولنا،فمن يحتفل بالزهراء ولا يغيّر شيئًا في نفسه، فقد اكتفى بالضوء دون أن يسمح له أن يخترق قلبه.

ثانيًا : رسالتها تجاه بيوتنا، بيوتٌ تشبه بيت النبوّة

أسرة الزهراء كانت مدرسة الهداية الأولى، بيتٌ صغير، ولكنه أخرج للعالم قادةً ومصلحين أضاؤوا الأرض بعدلهم وتقواهم.

إن رسالتها تجاه بيوتنا في هذا اليوم، هي أن نجعلها بيوتًا تُشبه ذلك البيت قدر المستطاع:

• بيوتًا تحكمها المحبة قبل السلطة

• والكلمة السهلة قبل الجدل

• والاحترام قبل الرفع الصوت

• والرحمة قبل لوم الأخطاء

• والتعاون قبل تحميل الطرف الآخر المسؤولية.

في ميلادها نتعلم أن الأسرة ليست جدرانًا، بل “حالة نور”،

وأن التربية ليست أوامر، بل قدوة تتحرك أمام الأطفال.

ثالثًا : رسالتها في بناء المرأة الواعية والقوية

إن الاحتفال بميلاد الزهراء هو رفع مقام المرأة وصون مكانتها، فالزهراء لم تكن امرأة عادية، بل كانت قلب النبوّة، وركيزة البيت الرسالي، والمثال الأعلى في العفاف والقوة، والصوت المظلوم الذي لم يتنازل عن المبدأ.

ومن هنا، رسالتها أن نُعيد للمرأة دورها الحقيقي: أن تكون قوة بناء، لا مجرد صورة، وعيًا، لا مجرد تقليد، مسؤولةً عن صناعة جيلٍ متوازن، واعٍ، محصّن من الضياع المعاصر.

علينا أن نقدّم لبناتنا نموذجًا من شخصية فاطمة: امرأة تجمع بين الحياء والقوة، وبين الروحانية والواقعية.

وبين الذكاء والانضباط، فينشأ جيلٌ يعرف كيف يصنع أثرًا كما صنعت أمّه فاطمة.

رابعًا : رسالتها في الأخلاق العامة ومكارم التعامل

حين نقرأ سيرة الزهراء ندرك أن الأخلاق ليست زينة، بل أساس الإسلام، وأن العبادة لا تكتمل بدون سلوكٍ يشبه سلوك الزهراء.

إن الرسالة الأخلاقية لميلادها واضحة؛ أن نُشعِر الآخرين بالأمان، وأن نكون رقيقين في القول، وأن نتجاوز عن الزلات، وأن نغفر ونصفح، وأن نُطفئ نار الخلاف قبل أن تكب، وأن نحمل روح الرحمة في كل موقف.

فلا معنى للاحتفال بميلاد الزهراء ثم نظلّ نجرح الناس بكلمةٍ أو نظرة. ولا معنى للحديث عن نورها ثم نظلّ نحمل في قلوبنا ضغائن أو حقدًا أو غلًا.

ميلاد الزهراء هو ميلاد الأخلاق في الإنسان من جديد.

خامسًا : رسالتها في خدمة الناس وبذل الرحمة

من أهم أعمدة شخصيتها عليها السلام أنها كانت باب رحمة؛ لم تكن تعطي لأنها غنية، بل لأنها نقية.، ولم تكن تساعد لأنها مُطالبة، بل لأنها روحٌ تعوّدت أن تعطي.

إن رسالتها في يوم ميلادها هي أن نحمل هذا البذل معنا؛أن نساعد المحتاج، وأن نخفّف عن المريض، وأن نواسِي المكسور، وأن نكون سندًا لليتيم، وأن نُبادر بخدمة المجتمع.

فأعظم احتفال بالزهراء أن يتحول المجتمع نفسه إلى مجتمعٍ رحيم، تسوده الأخوّة، وتُطفئ فيه المبادرات الإنسانية آلام الآخرين.

سادسًا : رسالتها في الدفاع عن الحق

لم تكن الزهراء صوتًا هامسًا، بل كانت صوتًا يصدح حين يُعتدى على المبدأ. وقوفها أمام الظلم كان مدرسة لجميع الأجيال في الشجاعة الأدبية والوعي الرسالي.

والاحتفال بميلادها رسالة بأن الحق لا يُسكت عنه، والمظلوم لا يُترك وحيدًا، والقيم لا تباع لأجل المصالح، والكرامة لا تُساوم

أن نتعلم كيف نقف مواقف مبدئية، لا مواقف عاطفية مؤقتة.

سابعًا : رسالتها تجاه الأجيال القادمة

الأطفال اليوم هم حملة نور الزهراء غدًا؛ ولذلك، رسالتها أن نقدّم لهم سيرتها بلغة يفهمونها، وأن نربّيهم على احترام الأنثى، وعلى محبة أهل البيت، وعلى قيم العدل والرحمة، وعلى فكرة أن الإيمان ليس مظاهر، بل روحٌ تسكن الإنسان.

إن الجيل الذي يعرف الزهراء حقًا، سيعرف كيف يدافع عن النور في عالمٍ يميل إلى الظلمة.

الخاتمة : ميلاد الزهراء… ميلاد الإنسان

رسالتها في يوم ميلادها ليست احتفالًا خارجيًا، بل ولادة جديدة لأرواحنا. أن نستقبل نورها لنصنع من أنفسنا مشروع إنسانية أرقى، وأن نعيد عبرها تعريف معنى الطهارة،

ومعنى القوة، ومعنى البذل، ومعنى الأسرة، ومعنى المرأة،

ومعنى الوقوف للحق.

إن ميلاد فاطمة دعوةٌ لأن نُولد نحن أيضًا… لكن هذه المرة نُولد أنقياء، أقوى، أرحم، وأقرب إلى الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى