
رباب حسين النمر
كلاهما أضمر في نيته ألفًا يريد تحقيقها وآلى على نفسه الوصول إليها، وشحذ ضبا همته، وشمر عن سواعده وبدأ رحلة الركض والإنجاز للوصول إلى هدف الألف. الألف ليس مجرد عدد يريد الوصول إليه، ولكنه ألف طبقة معرفية تندك في فسيفساء تكوينه الثقافي، وألف خطوة تتألق بالإنجاز في أجندة هاجسه، هل هو رقم أسطوري حلم بالوصول إليه كما كانت شهرزاد تحكي ألف ليلة وليلة لإبعاد شبح السيف عن رقبتها؟ أو هو معيار حازم بنى عليه حجمه الثقافي والحضاري؟ أم هو هدف أوحت به ألفيات سبقت في تاريخ الأدب العربي مثل ألفية ابن مالك، وألفية ابن معطي، وألفية السيوطي، وألفية العراقي؟ فكل واحد منهم جعل الألف نصب عينيه وتمكن من الوصول إليها وتحقيق إنجازه الثقافي. تمكن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني من تأليف «الخلاصة»، وهي متن شعري يُعد من أهم المنظومات النحوية واللغوية التي جمع فيها خلاصة علمي النحو والصرف. أما ألفية العراقي في السيرة النبوية فهي منظومة شعرية مهمة للحافظ العراقي (زين الدين عبد الرحيم بن الحسين) تلخص حياة النبي محمد ﷺ، وتتميز بالدقة في الأحداث والتواريخ، وتم نظمها في الروضة النبوية، وتعد متنًا هامًا لفهم السيرة النبوية. ويعد ابن معطي (يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي) أول من ألف في النحو عن طريق النظم الشعري بكتابه الدرر الألفية، وكذلك السيوطي ألف منظومة شعرية بلغت ألف بيت شعري في علوم الحديث. ربما هذا التراث الألفي ألهم المسكين التفكير في قراءة ألف كتاب أو الاستماع إليه، وألهم الحسن أن يكتب ألف مقالة تدور حول موضوع القراءة. يقول الشاعر عقيل المسكين رئيس منتدى سيهات الأدبي عرش البيان مبينًا خطته لبلوغ الألف التي تمزج بين القراءة والتأليف، يقول: ” عندي كتاب مخطوط لا أزال أكتب فيه عنوانه (رحلتي الأولى لقراءة ألف كتاب)، وكلما انتهيت من قراءة كتاب أو الاستماع الصوتي لكتاب ما وضعت بياناته في هذا الكتاب المخطوط الذي هو على شكل جداول مرتبة، بحيث أسجل كل بيانات الكتاب المقروء أو الذي استمعت إليه صوتيًّا، هذا الجدول ينظم قراءاتي واستماعي للكتب الصوتية. ولا يزال هذا الكتاب المخطوط في زيادة مستمرة حتى الوصول للرقم 1000″. وأضاف ” في مشروعي هذا لا أبحث عن المديح، وإنما التشجيع والتحفيز والمؤازرة. أثناء قراءاتي للكتاب أدون ملاحظاتي ورؤيتي المستقبلية لمادة الكتاب، وكيف من الممكن أن يتحول لمشاريع ثقافية أو توعوية أو تعليمية، فبعض الروايات تحولت إلى مشاريع أفلام، وهنا أكتب بيانات الفيلم وأضع ملاحظة (رواية للكاتب، أو مؤدّاة سينمائيًّا أو تلفزيونيًّا.. أو إذاعيًّا). وكذلك المسرحيات، والمجموعات القصصية وأدون أنواع الكتب (تاريخ، علم نفس، عقائد إسلامية، تيارات ومذاهب فكرية، نقد أدبي، دواوين شعر، فلسفة وفكر، طب، علم اجتماع، علم العروض، نحو وصرف، علم اللغة، علم الدلالة، النقد الأدبي.. إلخ). وبعض الكتب أعيد القراءة فيها مرة ثانية وثالثة، وكذلك بعض الكتب الصوتية أسمعها مرتين أو ثلاث مرات لأهميتها. وفي تلك الأثناء أكتب ملاحظاتي واقتباساتي التي تصلح لأبحاث معينة، أو لمقالات، أو لأفكار كتب لا تزال ضمن مخزون مخطوطاتي. وأشير إلى ذلك بكامل بيانات الكتاب. أثناء استماعي لبعض الكتب الصوتية أكتشف الكثير من الأخطاء في الإلقاء من حيث الإعراب أو من حيث صيغة الكلمة صرفيًّا فأقوم بتسجيل ذلك في كتابي المخطوط الذي لا أزال أكتب فيه (من التلوّث الصوتي اللغوي). ويشدني بعض الأحيان في كتاب ما بيت شعر جميل فأنقله لكتابي المخطوط وأقوم بشرحه والتعليق عليه، وأحيانًا تشدني معلومة أو حكاية أو قصة أو موقف ما عن الوعد والوفاء بالوعد أو خلف الوعد في كتاب ما، فأنقل ذلك إلى مجموعتي القصصية المخطوطة (حكاية وعد.. قصص قصيرة متوالية)، وأحيانًا تشدني حكمة عربية فصيحة من كتاب ما من هذه الكتب فأنقلها إلى كتابي المخطوط (من تأملاتي في الحكمة المشرقية)، وأقصد بالحكمة تلك التي تقابل المثل (حكم وأمثال)، وأقصد بالمشرقية (المشرق) أي بلاد العرب في مقابل بلاد الغرب. بعض الآراء والأفكار في العديد من الكتب التي أقرؤها أو أستمع إليها صوتيًّا عندي تحفظ عليها ولي رأي فيها، فأقوم بنقل هذه الأفكار وهذه الآراء في كتابي المخطوط (تعليقات وتهميشات عقيل المسك…) وأشير للكتاب والكاتب والطبعة والصفحات ودار النشر، وأضع النص بين قوسين ثم أعلق أو أهمش عليه. وأشير إلى مواضع كثيرة في الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة مما يصلح لكتابي النقدي (فِعل القراءة في السرد الإنساني) أو (فعل القراءة سرديًّا). حيث أسجل أي شاهد فيه، وكيف تصرف الشخوص في هذه السرود من خلال هذا الفعل (قراءة كتاب ..كتيب.. صحيفة.. مجلة.. ورقة.. وثيقة.. قصاصة.. إلخ)، وما أثر هذه القراءة في سير الحدث السردي الجزئي وعلاقته بالعقدة الكبيرة للعمل السردي ذاته.
بمعنى أني أثناء قراءة هذه الكتب أو الاستماع إليها أؤلف من خمسة إلى ستة كتب على المدى القصير أو المدى الطويل. وفي المحصلة النهائية أقرأ وأكتب في آن واحد. إنه مشروع كتاب وفق منهج النقد الثقافي بجانبيه السلبي والإيجابي من خلال فعل واحد وهو (القراءة)”.
وجند الكاتب يوسف الحسن خمسة إصدارات من إصداراته الثمانية حول القراءة، ولديه مشروع كتابة ألف مقالة حول القراءة أنجز منها أكثر من أربعمائة مقالة حتى الآن تحت شعار (لياقة القراءة). ويعد مشروعه فريدًا من نوعه).
وعكف على مشروعه (لياقة القراءة) وهو كتابة ألف مقالة حول القراءة، حيث يستطيع المرء أن يقرأ تحت مختلف الظروف في أي وقت من الليل والنهار يقول الحسن عن مقالاته: “.. فمقالاتي تمتد من ٢٥٠ إلى ٣٠٠ كلمة، وأشعر أن هذا التوجه جيد، مع اختيار عنوان جيد، وأحاول أن تكون الفقرات الأولى هي أفضل الفقرات، وأربط الفقرات ببعضها البعض، وأحاول أن لا يترك القارئ المقال إلا بعد أن ينهيه، لأنه قصير. وكذلك لدي مقالات قصيرة جدًّا، تتكون من خمسة أسطر إلى ثمانية أسطر، وهذا الأسلوب من الممكن أن يجذب المتلقي للقراءة.” وأضاف: “مشروع كتابة ألف مقالة ربما يحتاج ذلك إلى عمل ممتد لعشرين عامًا. وفي البداية كنت راغبًا في إحداث صدمة لنفسي ولمجتمعي، وكنت أريد إلزام نفسي بكتابة ١٠٠٠ مقال، وخوفًا من التكاسل في الكتابة، أعلنت ذلك وكان لدي قدوة وهو ألبرت كدا وهو أول شخص قفز من مظلة من الطائرة أثناء الطيران، في العشرينات الميلادية، ولم يفعل ذلك أحد قبله، ولما نزل سأله الصحافيون كيف قفز؟ فقال: قبل صعود الطائرة أعلنت بأني سأقفز من الطائرة، وانتشر هذا الإعلان في الصحف. ولما صعدت واقتربت من الباب تراجعت للوراء ووقفت، ولكني تذكرت بأني لو لم أقفز الآن سيسمونني ألبرت الجبان، وقررت القفز فإما أن أحقق البطولة وإما أن أموت، فكان قدوتي هذا الشخص، فأعلنت أني سأكتب ألف مقال. لو أكتب كل أسبوع مقالة واحدة سأكتب خمسين مقالة في العام الواحد، عشر سنوات: خمسمائة مقالة، وعلى ذلك الألف مقالة تحتاج إلى عشرين عامًا. وأنا في هذا العمر قد لا يسعفني الزمن لكتابة هذا العدد من المقالات، ولذلك قررت أن أكتب مقالين في الأسبوع الواحد، أو ثلاثة أو أربعة. وأنا أكتب في صحيفة وهم ينشرون المقالة في الملحق الشهري، هذه تحتاج إلى سبع سنوات وأتمنى أن يسعفني العمر لكتابتها. ولذلك ركزت على القراءة. ومن النادر جدًّا أن أتناول موضوعات أخرى سوى القراءة.”
وعن بداية انطلاقه قال الحسن:
“بداية الانطلاق الحقيقة عام ٢٠٢٠م ولكني بدأت قبل هذا التاريخ حيث بدأت أكتب عام ٢٠١٦م، ثم قررت عام ٢٠١٩ كتابة مائة مقالة، وبعد كتابة خمسين مقالة اكتشفت أنه من الممكن أن أكتب الكثير، فقررت توريط نفسي وأعلن كتابة ألف مقال، وأخذت أكتب، ثم تقاعدت فأصبح لدي متسع من الوقت للكتابة. والآن اقتربت من الخمسمائة، فأنهيت نصف العدد” وحول ردود أفعال المتلقين قال:
“لياقة القراءة الجزء الأول طبع وحصل على إقبال جيد وفي مقياس أمزون حصل على الترتيب الثامن، ثم تقدم إلى المركز الثاني في أكثر الكتب مبيعًا بأمزون السعودية”.
تجربة المسكين وتجربة الحسن لا تزالان في ماراثون الركض الثقافي والإنجازي، وسيصلان بمشيئة الله لمبتغاهما الألفي.




