
د. حجي الزويد
مقدمة: مخزون الحدي صمام الأمان لصحة الجسم
الحديد من أهم العناصر التي يحتاجها الجسم يوميًا بكميات دقيقة. فبدونه لا تستطيع خلايا الدم الحمراء حمل الأكسجين، ولا يتمكّن الدماغ من أداء وظائفه بشكل طبيعي، ولا يستطيع الطفل النمو جسديًا وعقليًا كما ينبغي.
ولكنّ الحديد لا يقتصر على ما نتناوله يوميًا من الطعام فقط، بل يعتمد الجسم على ما يُعرف بـ مخزون الحديد، وهو الاحتياطي الذي يدّخره في الكبد والطحال ونخاع العظم. هذا المخزون يُمثَّل غالبًا في التحاليل بمؤشر يسمى الفيريتين (Ferritin).
ما هو مخزون الحديد؟
• هو كمية الحديد التي يخزنها الجسم لاستخدامها عند الحاجة، تمامًا كالمستودع الاحتياطي.
• يُخزن الحديد على شكل بروتينات خاصة (الفيريتين والهيموسيديرين).
• عندما يقلّ ما يصل عبر الغذاء أو يزداد الاحتياج، يبدأ الجسم في السحب من هذا المخزون.
لماذا يُعدّ مخزون الحديد مهمًا؟
الحديد عنصر رئيس في جسم الإنسان، يلعب دورًا حيويًا في تكوين الهيموغلوبين المسؤول عن نقل الأكسجين في الدم، و يدخل في العديد من التفاعلات الحيوية المهمة،
ويساهم في دعم وظائف المناعة والنمو الطبيعي للأطفال، ويؤثر نقصه بشكل مباشر على النشاط العقلي والجسدي.
1. إنتاج الدم ونقل الأكسجين:
يُعد الحديد عنصرًا رئيسًا في تكوين الهيموغلوبين، وهو البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء والمسؤول عن نقل الأكسجين من الرئتين إلى جميع خلايا الجسم.
كما يلعب الحديد دورًا في تكوين الميوغلوبين في العضلات، الذي يساهم في تخزين الأكسجين واستخدامه أثناء الحركة والمجهود.
عند نقص الحديد، يقل إنتاج كريات الدم الحمراء ويضعف الهيموغلوبين، مما يؤدي إلى فقر الدم ونقص تروية الأنسجة بالأكسجين، وهو ما يسبب التعب، الشحوب، وتسارع ضربات القلب.
لذلك، فإن الحديد هو حجر الأساس في بناء الدم وضمان تزويد الجسم بالأكسجين اللازم للحياة والنشاط.
2. الطاقة والحيوية:
يُعد الحديد عنصرًا رئيسًا في عملية إنتاج الطاقة داخل الجسم، حيث يدخل في تكوين الهيموغلوبين الذي ينقل الأكسجين من الرئتين إلى خلايا الجسم كافة.
هذا الأكسجين ضروري لإتمام العمليات الحيوية داخل الخلايا، وخاصة داخل العضلات والدماغ، مما يمنح الجسم النشاط والحيوية.
عند نقص الحديد، تقل كمية الأكسجين المتاحة للخلايا، مما يؤدي إلى الشعور بالخمول، والتعب، وضعف القدرة على التركيز والمجهود البدني، حتى دون وجود فقر دم ظاهر.
ولذلك، فإن توازن الحديد في الجسم هو مفتاح للحفاظ على النشاط الذهني والبدني اليومي.
3. نمو الدماغ والقدرات الذهنية:
يُعد الحديد عنصرًا ضروريًا لنمو الدماغ وتطوره، خاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل.
فهو يساهم في تكوين النواقل العصبية المسؤولة عن التركيز والانتباه، كما يدخل في تصنيع مادة الميالين التي تحسّن نقل الإشارات العصبية.
وقد يؤدي نقص الحديد، حتى دون ظهور فقر دم واضح، إلى ضعف في الذاكرة، وتأخر في المهارات الإدراكية والمعرفية، مما يؤثر على التحصيل الدراسي والسلوك العام للطفل.
لذا فإن المحافظة على مستوى كافٍ من الحديد منذ الطفولة المبكرة يُعد أساسًا في بناء القدرات الذهنية السليم
4. جهاز المناعة:
الحديد يعزز قدرة خلايا الدم البيضاء على مواجهة الجراثيم والفيروسات. لذلك فإن الأطفال ذوي المخزون المنخفض يتعرضون للعدوى المتكررة.
ويلعب الحديد دورًا محوريًا في تعزيز وظائف الجهاز المناعي، حيث يُساهم في نمو ونشاط خلايا الدم البيضاء المسؤولة عن الدفاع ضد العدوى.
كما أنه ضروري لإنتاج الإنزيمات المناعية والمواد المضادة التي تساعد الجسم على مقاومة البكتيريا والفيروسات.
وقد يؤدي نقص الحديد إلى ضعف المناعة، مما يجعل الطفل أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المتكررة مثل التهابات الجهاز التنفسي والإسهال.
لذلك، يُعد الحفاظ على مستوى مناسب من الحديد خطوة مهمة في حماية الجسم من العدوى وتعزيز صحته العامة.
5. الحمل والرضاعة
يُعد الحديد من أهم العناصر الغذائية التي تحتاجها المرأة خلال فترتي الحمل والرضاعة، نظرًا لزيـادة متطلبات الجسم في هذه المراحل الحساسة.
خلال الحمل، يساهم الحديد في زيادة حجم الدم لتلبية احتياجات الجنين والمشيمة، كما يساعد على نمو دماغ الجنين وتكوين خلاياه العصبية.
أما في فترة الرضاعة، فإن الحديد يدعم تعويض الأم عن الدم المفقود أثناء الولادة، ويُساهم في الحفاظ على طاقتها ومناعتها، ويضمن توفير حليب غني بالعناصر الأساسية لنمو الرضيع.
نقص الحديد في هذه المراحل قد يؤدي إلى فقر دم، تعب مزمن، ضعف مناعة، وحتى تأثر نمو الطفل، لذلك يُوصى بالحرص على التغذية السليمة وتناول المكملات عند الحاجة وتحت إشراف طبي.
علامات نقص مخزون الحديد ومضاعفات إهماله:
يُعد نقص مخزون الحديد من المشكلات الشائعة التي قد لا تُكتشف بسهولة، إلا أن له علامات واضحة يمكن ملاحظتها، مثل: الإرهاق المستمر، شحوب البشرة، الدوخة، خفقان القلب عند بذل مجهود، تساقط الشعر، وتكسّر الأظافر.
أما عند الأطفال، فقد يظهر على شكل ضعف في النمو، فقدان الشهية، التهابات متكررة، أو تأخر في الكلام والحركة.
وإذا لم يُعالَج هذا النقص في الوقت المناسب، فقد تتطور الحالة إلى فقر دم شديد (أنيميا)، مما يؤدي إلى ضعف المناعة وزيادة التعرض للعدوى.
وعند الأطفال، قد يؤثر ذلك على النمو الجسدي والذهني، في حين يزيد عند النساء الحوامل من خطر الولادة المبكرة أو انخفاض وزن الجنين.
كيف نقيس مخزون الحديد؟
• التحليل الأكثر شيوعًا لتقييم مخزون الحديد في الجسم هو تحليل الفيريتين (Ferritin)، إذ يقيس مستوى الفيريتين في الدم، وهو البروتين المسؤول عن تخزين الحديد.
كما يُعد تحليل العدّ الدموي الشامل (CBC) فحصًا مساعدًا، يُعطي فكرة عامة عن وجود فقر دم ناتج عن نقص الحديد، من خلال قياس نسبة الهيموغلوبين وعدد كريات الدم الحمراء وحجمها.
• أحيانًا يُطلب مع تحليل Serum Iron وTIBC لتحديد صورة أشمل.
• المعدلات الطبيعية تختلف حسب العمر والجنس.
الفئات الأكثر عرضة لانخفاضه:
1. الأطفال الرضّع خصوصًا بعد عمر 6 أشهر، عند نفاد مخزون الولادة.
2. المراهقون بسبب النمو السريع.
3. النساء أثناء الدورة الشهرية أو الحمل.
4. المرضى الذين لديهم نزيف مزمن (كالقرحة أو البواسير).
5. من يتبعون أنظمة غذائية فقيرة باللحوم أو نباتية صارمة.
كيف نحافظ على مخزون الحديد
الغذاء الغني بالحديد:
• مصادر حيوانية (امتصاصها أفضل): الكبد، اللحوم الحمراء، الدجاج، الأسماك.
• مصادر نباتية: العدس والفاصوليا والحبوب المدعّمة بالحديد.
تعزيز الامتصاص:
• تناول الأطعمة الغنية بفيتامين C (مثل البرتقال والليمون) مع الوجبة.
• إضافة عصير ليمون إلى السلطة أو العدس يحسن امتصاص الحديد النباتي.
تجنب مثبطات الامتصاص:
• الشاي والقهوة والمشروبات الغازية تقلل امتصاص الحديد إذا شُربت مع الوجبة.
• الكالسيوم (الحليب ومشتقاته) يفضل تناوله في وقت مختلف عن وجبة غنية بالحديد.
المكملات الدوائية:
• لا تُستخدم إلا تحت إشراف طبي.
• ضرورية في حالات الحمل، أو عند تشخيص نقص مخزون الحديد بالفحوصات.
خاتمة:
مخزون الحديد ليس مجرد رقم في التحاليل الطبية، بل هو صمام الأمان لصحة الجسم. فهو الذي يضمن أن تظل الأعضاء الحيوية، والدماغ، والعضلات في حالة نشاط مستمر. الاهتمام به يبدأ من التغذية السليمة، والوعي الصحي، وإجراء الفحوصات عند الحاجة.
فليكن شعارنا: “نحافظ على مخزون الحديد… لنحافظ على حياتنا وحياة أطفالنا.”




