
أحمد العطافي
العصيدة ليست مجرد طبق شعبي يُطهى في فصل الشتاء أو المناسبات، وإنما هي حكاية تراثية تتناقلها الأجيال وتجسد فيها ملامح البساطة والكرم وتفاصيل الحياة القروية الأصيلة.
في الأحساء وسائر مناطق الخليج كانت العصيدة تعد رمزًا للمحبة تتجمع حولها الأسرة في صباحات الأعياد أو في أيام البرد حيث يعجن التمر والطحين ويُحرك على نار هادئة حتى يتماسك، ثم يضاف إليه السمن أو الدبس أو السكر حسب ذوق كل بيت.
فالعصيدة كانت تصنعها الجدّات بأيدٍ خبرت الطهي والحياة يسكبن في كل ملعقة من حركاتهن قصة وفي كل قطرة سمن دعاء بالخير.
وفي عصر الحداثة قد نكون ابتعدنا قليلًا عن هذا الطبق البسيط ولكنه لا يزال يحتل مكانته في قلوبنا فهو ليس طعامًا فقط إنما قطعة من الذاكرة ورمز للدفء وصوت الماضي الذي ما يزال يهمس في مطابخنا القديمة.
حيث تجتمع النساء في بعض القرى لتحضيرها سويًّا تتعالى الضحكات وسط بخار الطحين وتحضر الحكايات القديمة وتسكب العصيدة في الصحون الكبيرة وكأنها توزع دفئًا على الجميع في هذه اللحظات لا أحد يفكر في تفاصيل الحياة المعقدة، فالكل يعود إلى جذوره.
تبقى العصيدة أكثر من مجرد وصفة إنها طقس اجتماعي وروحي يتجاوز فكرة الطعام إلى معاني اللمة والمشاركة والاحتفاء بالبساطة.
لذلك فإن الحفاظ على العصيدة ليس فقط حفاظًا على طبق شعبي بل هو حفظ لذاكرة المكان والناس واستمرار لعلاقة محبة لا تذبل بين الأجيال والطعام فرحم الله من كانت تصنعها لنا بمحبة ودامت أيادي من ما زالوا يحتفظون بهذا المذاق الطيب.
ختامًا العصيدة ثقافة وموروث ولمّة أهل ورسالة تقول لنا: ما يزال في البساطة جمال وفي التراث حياة.




