أقلام

عصافير وبلابل والأن حمام وغُربان

أمير الصالح

في واحة تكسوها أشجار النخيل بكثافة غزيرة، مثل واحة الأحساء العزيزة، اعتدنا مع إشراقة شمس صباح كل يوم شتوي سماع زقزقة العصافير وشدو البلابل. عند سماع زقزقة العصافير وتغريد( شدو/ صفير) البلابل تُطرب الأذن وتُشنف مسامع المستمع وتنطلق نشوة الالتحام بأحضان الطبيعة الجميلة وتتجدد روح الالتصاق برموز الحرية والفضاء الواسع وحب المكان والتفاؤل بالخير وارتياح النفس وبهجة الروح. أما الآن حيث المدن الإسمنتية معدومة التشجير ومنعدمة الغطاء الأخضر إلا ببقع محدودة لا نسمع تغريدات ولا زقزقة للعصافير والبلابل، ولكن نسمع هديل الحمام ونعيق الغربان لكثرة الحمام والغربان داخل المدن الإسمنتية.

ينتاب المستمع لنعيق الغربان بأنه يعيش في مدن أشباح منعدمة الروح وضحلة الانسجام وجذباء المشاعر. وينتاب المستمع هديل الحمام بأنه يعيش في أوكار سكنية كثيرة الرفوف والجحور ومتهالكة العلاقات الإنسانية!

حتى أن الإنسان السوي والمنطلق في الحياة يشك بأنه فُصل فصلًا تامًا عن روح الأرض، والطبيعة الجميلة، بسبب كثرة المباني الإسمنتية وقلة البساتين والنخيل وانحسار عدد الحدائق الغناء في محيط المدن.

بيئات جاذبة وبيئات منفرة

ليس البلابل والعصافير فقط تشعر بتغير الأجواء وتصحر الأماكن وتعتمد سياسة تغيير المكان إلى الأفضل؛ بل الإنسان أولى بهكذا شعور ومشاعر عند تغير البيئة من جاذبة إلى منفرة أو طاردة. نعم كثر نعيق الغربان في الشوارع وبين البيوت الإسمنتية وعلى كورنيش المدن وفي بيوت الصفيح. كما كثر نعيق الغربان في العالم الرقمي فأفسدوا الأجواء ونشروا مقاطع الرذيلة وألقوا سمومهم بين مواقع التقنية ولوثوا أجواء العلاقات وصفحات التعليم في العالم السيبراني. فكم اتمنى أن يتم تفعيل حجب مواقع أولئك الغربان المفسدة في الفضاء الواقعي والرقمي.

إحلال

في مدن إسمنتية عديدة حل صوت هديل الحمام محل تغريدة البلابل وحل صوت نعيق الغربان المكتنزة وزنًا محل زقزقة العصافير، بسبب عفن بعض الأفكار لبعض البشر أو إهمال البعض للإرشاد والنصح والحوار أو بسبب سقوط البعض في براثن مغالطات فكرية أو صدمات حضارية، وأضحى البعض غرابًا بشريًّا ينعق دون إدراك منه فأفسدوا بدل أن يصلحوا ونفروا الناس بدل أن يجمعوهم. ولن أستغرب أن تخرج يومًا ما مجموعة تطالب بإطلاق جمعية الرفق بالغربان لتحل محل جمعية الرفق بالإنسان ليزيدوا من الغبن والتعاسة التي يشعر بها بعض البسطاء من الناس. وهل يمكنك أن تتخيل يومًا ما أن الغربان ستطالب بنفي البلابل والعصافير وحتى الحمام بعد أن أكلت عددًا منهم لتستحوذ على كامل الغلات!!

لطفًا

لطفًا من سكان المدن عدم إطعام الغربان والحمام وذلك بإحكام إغلاق أكياس النفايات ومنع رمي بقايا الاكل ولا سيما الأرز والحبوب في أراضي الفضاء، وتجنب وضع الأطعمة المكشوفة بالقرب من حاويات النفايات. وكذلك نقول لطفًا من رواد العالم الرقمي والديوانيات الافتراضية بتجنب الغربان الرقميين والحمام الرقمي وذلك بإحكام شروط الالتحاق بأية مجموعة، والتركيز على الأهداف الإيجابية البناءة، وعدم التفاعل مع نعيق الغربان وهديل الحمام المزعج لكثرة فضلاته والمضي قدمًا في تأصيل الوعي وخدمة المجتمع والسعي لنموه اقتصاديًّا وعلميًّا وأدبيًًا وثقافيًّا واجتماعيًّا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى