
السيد فاضل آل درويش
قال تعالى: { .. إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ .. }{ غافر الآية ٥٦}.
من المهم دراسة منشأ الذنوب والعوامل المؤدية إلى الانسياق خلف الأهواء ضاربًا عرض الحائض النتائج الوخيمة التي تترتّب على فعله، حيث أن الممارسة العملية لا تنشأ من فراغ بل هي نِتاج رؤية فكرية معينة انساق خلفها، وينبع غالبًا من ميول داخلية وتوجهات راسخة في باطن الإنسان، وعامل التكبّر يمثل الجذر النفسي الخفي لكثير من الأفعال والممارسات الأخلاقية السيئة، ينبع غالبا من ميول داخلية وتوجهات راسخة في باطن الإنسان يبصر من خلالها طريق الآثام والخطايا، فيتحفّز الضمير الواعي عند البعض ويطلق صرخات تنبيه وتحذير، بينما آخرون تسقط نفوسهم في أغلال الأهواء وينطلي عليهم التزيين الشيطاني.
ونظرة الإعجاب بالنفس الجنونية تسير بالفرد نحو هاوية الانسلاخ عن الفطرة السليمة والابتعاد عن تعاليم الدين الحنيف الداعي إلى القيم الأخلاقية الراقية، فعلى مستوى علاقته بربه يرى المصاب بداء التكبّر أن تلك الأخطاء وأوجه التقصير الصادرة منه مجرد هفوات صغيرة لا تستحق الوقوف عندها أو الاعتراف بها فضلا عن الاعتذار منها وفتح صفحة جديدة يتجاوز فيها هذه السقطة، فالذنوب كثيرا ما تبدأ من لحظة شعورية في داخل النفس، لحظة يختلّ فيها ميزان التواضع وتنتفخ الذات وكأنها مستغنية عن كل شيء، حين يعتقد الإنسان أنّه فوق النصيحة أو أنّ مقامه أكبر من أن يراقب نفسه أو أنّ تطهير القلب ليس ضرورة له فيبدأ الانزلاق نحو المخالفة، فالتكبّر – في حقيقته – حالة داخلية تنزع من الإنسان روح الخشوع فيفقد إحساسه بالحاجة الدائمة إلى اللطف الإلهي، وما دام القلب ممتلئا بعُجب أو استعلاء فإنّه يصبح أقلّ استعدادا للاعتراف بالخطأ، فيستمر في الذنب بل ويبحث له عن تبرير وهمي يُرضي غروره، بينما الإنسان السويّ المتحلّي بجمال تواضع النفس حين يخطئ يشعر بثقل الذنب فيسارع إلى التوبة بينما المستكبر يرى ذنبه حقًّا من حقوقه ولا يستحق أدنى التفات له ، فالتكبّر يفتح بابًا واسعًا لتمزيق العلاقة بين العبد وربه. ويشوّش على البصيرة والنظرة المسؤولة التي تصلح بها الحياة.
المشكلة الحقيقية عند المتكبّر هي تخليه عن مبدأ تحمل المسؤولية عن كل أفعاله فيغيب عنه الوعي وضبط النفس ، و هذا ما يفسّر ارتكابه الخطايا دون أدنى محاسبة وتغيب خطاه عن مسار السمو والرقي الأخلاقي، بل يرى عقدة النقص فيه أو الشعور بالعظمة لها مسار التعالي على الآخرين واحتقارهم في أفكارهم ومجمل شئونهم، بل ويتمادى به الحال حتى تتلوّن أفعاله وتصرفاته بهذا الداء فيمارس هذا التصرف المشين بشكل مستمر.
إن معالجة هذه الآفة الأخلاقية تبدأ من معرفة الإنسان لحقيقة وجوده وافتقاره في جميع أموره للقدرة والتدبير الإلهي، بما ينعش نفسه بروح الرقابة الذاتية لكل ما يصدر عنه ومراعاة جريانها في سكة احترام الفرد لذاته قبل غيره، فالتواضع جسر العبور نحو حياة نفسية هادئة وأخلاقية تتسم بالاستقامة والبساطة في التعامل بعيدًا عن العنجهية وانتفاخ الذات.




