
حسين الحاجي
تُردد على الألسن مقولة شائعة ( العطّار لا يصلح ما أفسده الدهر ) وكأنها حكم نهائي وخاتمة لا رجعة بعدها ، تُقال بثقة وتُرمى في وجه كل محاولة إصلاح وكأن الزمن إذا عبث بشيء فقد حُكم عليه بالإعدام .
الحياة بعنادها لا تحب الأحكام المطلقة ولا تعترف كثيراً باللافتات التحذيرية فالحقيقة أبسط من ذلك نعم هناك ما يُفسده الدهر ولكن ليس كل ما أفسده الدهر خارج قدرة العطّار .
نأخذ مثلاً العلاقات الإنسانية ، كم علاقة أطاح بها التباس أو كلمة قيلت في لحظة غضب أو صمت طال أكثر مما يجب ويقولون ( خلاص العلاقة إنتهت ) ثم يأتي العطّار هنا في صورة اعتذار صادق أو جلسة مواجهة شجاعة أو كلمة اعتراف بلا تبرير وفجأة ما كان مكسوراً يُرمم وما كان بارداً يعود دافئاً ، الدهر نعم عبث ولكن العطّار أصلح .
لننظر إلى الإنسان نفسه ، كم شخصاً ضيّعه الإهمال أو أنهكته العادات السيئة أو أطفأته الهزائم المتكررة ويقال عنه ( هذا انتهى ) ثم يفاجئك بتغيير بسيط في نمط حياته أو صحبة جديدة أو وعي متأخر لكنه صادق فيعود أقوى وأنضج وأقرب لنفسه ، هنا لم يصلح العطّار ما أفسده الدهر فقط بل جعله أفضل مما كان .
السمعة أيضاً تلك التي يظنها الناس إذا خدشت لا تُرمم فكم شخص شوّهته إشاعة أو حكم متسرّع أو موقف واحد أُسيء فهمه ومع الوقت والثبات والسلوك المتزن والعمل الصامت تعود الصورة أوضح وأنقى ، الدهر لعب لعبته والعطّار ردّ بهدوء وانتصر .
كذلك لا ننسى المشاريع والأحلام فكم مشروع فشل وكم حلم تعثر فقيل لصاحبه ( انسى فات الأوان ) ثم أعاد المحاولة بخبرة أكبر وأخطاء أقل ونَفَس أطول فإذا بالفشل السابق يتحول إلى درس والخسارة إلى وقود نجاح وهنا العطّار لم يصلح فقط بل علّم الدهر درساً صغيراً في التواضع .
بكل تأكيد ليس كل شيء قابلاً للإصلاح ولا كل عطّار ماهراً ، لكن المشكلة في التعميم المتراخي وفي تحويل المقولة إلى شماعة نعلّق عليها عجزنا فبعض الناس لا يريد إصلاحاً بل يريد راحة اليأس لأنها أقل كلفة من المحاولة .
الخلاصة : الدهر نعم يفسد أحيانا ولكن العطّار إذا كان صادق النية ودقيق الصنعة وصبور النَفَس قد يصلح وقد يُبدع وقد يجعل من الخراب حكاية نجاة أما الذين يرددون المقولة بلا تفكير فهم غالباً ليسوا ضحايا الدهر بل أصدقاء الكسل .




