
عبد العزيز العمري: جدة
كشفت دراسات عالمية حديثة عن تحول جذري في مفاهيم الاستقرار الوظيفي، حيث باتت جودة المدير المباشر تتفوق على المغريات المالية والمسميات الوظيفية في التأثير على بقاء الموظفين، وهو ما أكدته مختصة الموارد البشرية الدكتورة دعاء ميرة، مشيرة إلى أن القيادة اليومية أصبحت العامل الحاسم في قرارات الاستقالة أو الاستمرار، مما يفرض على المنظمات إعادة النظر في معايير اختيار قادتها.
المدير المباشر في معادلة الأمان الوظيفي
وأظهرت الأرقام والمؤشرات الدولية أن المدير المباشر لم يعد مجرد حلقة وصل إدارية، بل تحول إلى العنصر الأهم في معادلة الأمان الوظيفي والشعور بالانتماء، متجاوزاً في تأثيره سمعة المؤسسة الكبرى.
وأوضحت الدكتورة دعاء ميرة أن الإدارة السيئة لا تكتفي بإضعاف الأداء الآني، بل تتسبب في استنزاف الكفاءات وتكبيد المؤسسات خسائر بشرية وتنظيمية يصعب تعويضها على المدى الطويل.
وبينت الأبحاث أن أثر المدير المباشر يفوق في كثير من الحالات تأثير الراتب والمزايا، حيث أقر 82٪ من الموظفين بأنهم فكروا جدياً في ترك وظائفهم بسبب سوء الإدارة، بغض النظر عن المقابل المالي.
وتعكس هذه الأرقام حجم الفجوة التي تحدثها الممارسات القيادية غير السليمة، إذ أكد 90٪ من المستقيلين أن مديرهم المباشر لعب دوراً رئيساً ومباشراً في اتخاذهم قرار الرحيل النهائي.
تأثير المعامل السيئة للمدير المباشر
وفي سياق متصل، أشار 47٪ ممن غادروا أعمالهم خلال العام المنصرم إلى أن السبب الحقيقي وراء مغادرتهم يكمن في عدم قدرتهم على تحمل أسلوب الإدارة المباشرة وسلوكياتها الضاغطة.
وتتقاطع هذه النتائج مع أبحاث متخصصة تؤكد أن المدير المباشر مسؤول عن تفسير ما نسبته 70٪ من التباين في مستوى ارتباط الموظفين بأعمالهم، مما يجعله المحرك الأول للالتزام.
ولفتت الدكتورة ميرة إلى أن المدير السيئ يُعرف بسلوكيات يومية طاردة، أبرزها سوء التواصل وضبابية التوقعات، مما يخلق بيئة عمل مشحونة بالأخطاء والتوتر المستمر.
غياب التقدير والاحتراق الوظيفي
وحذرت من خطورة الإدارة الدقيقة المفرطة التي تسلب الموظف استقلاليته وثقته بنفسه، إضافة إلى ممارسات التحيز والمحاباة التي تضرب عمق العدالة الداخلية وتفتت روح الفريق الواحد.
ونبهت إلى أن غياب التقدير يجعل الموظف يشعر بأن جهده غير مرئي، مما يقود لارتفاع معدلات الاحتراق الوظيفي، حيث غادر ما بين 43٪ إلى 57٪ من الموظفين أعمالهم فعلياً بسبب سوء الإدارة لا طبيعة العمل.
وعلى النقيض، يرتكز المدير الجيد على بناء الثقة عبر التفويض الذكي والاستثمار في التطوير المهني لفريقه، مما يعزز الولاء المؤسسي ويخلق بيئة حاضنة للنجاح والنمو المستدام.
واختتمت المختصة حديثها بالتأكيد على أن المنظمات الباحثة عن الاستدامة مطالبة باختيار المديرين بناءً على سلوكهم القيادي وقدرتهم على الاحتفاظ بالفريق، وليس بناءً على النتائج الرقمية المجردة فقط.




